يعيش المسنون في الشمال الشرقي من اليمن، حياة شاقة ومتعبة تلازمهم منذ سنوات من التشرد والبحث عن النجاة فلا شيء يروي ظمأ الذكريات سوى العودة إلى الديار والنعيم بهدوء الأرياف.
في زمن الحرب التي تشهدها اليمن منذ سبع سنوات جراء انقلاب ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران والتهجير القسري الذي تعرضت له آلاف الأسر، نزح آلاف الكهول والطاعنين في السن من مواطنهم الأصلية بحثاً عن الأمان، فمنهم من هجر قسراً جراء تعرض مناطقهم للقصف، ومنهم من يعيش حياة الشتات جراء نزوح أهاليهم من منطقة إلى أخرى بحثاً عن النجاة بحياتهم.
ويلات التشرد
ويعيش الحاج حسن طراد المرادي، البالغ من العمر 70 سنة، في أحد المخيمات المتناثرة في مديرية الوادي بمحافظة مأرب، وعلى الرغم من كبر سنه، الا أنه يصارع ويلات التشرد، جراء استهداف منطقته بقصف صاروخي حوثي، ما اضطره للنزوح، وترك منزله وقريته، وهو الذي لم يعرف يوماً أنه تركها.
وبلهجته المحلية، يقول الحاج حسن لـ "اندبندنت عربية" الذي يعيش في أحد مخيمات النزوح في مديرية الوادي بمحافظة مأرب، "والله يا طويل العمر كنا في الجوبة. الحوثي ما يبقي لا أخضر ولا يابس بسلاحه، شردنا بعوائلنا، الحوثي لا يخاف الله ولا يتقيه. ينسف القرية. نسف فوقنا، قوي وضعيف. امرأة وشايب وطفل، لا يفرق بينهم"، ويضيف، "نحن بريؤون. ما عندنا أي حاجة. لكن الحوثي استهدفنا جميعاً ما اضطرنا للنزوح إلى وادي عبيدة بعوائلنا. ولكن الله فوق، الله يسلط عليهم مصيبة".
ويسرد حسن معاناته مع النزوح وبرد الشتاء قائلاً، "أتينا إلى هنا وتركنا منازلنا، وكل شيء بسبب القصف الذي لا يرحم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مأساة
أما حسناء صالح التي تعيش مأساة لا تقل عن الآخرين في مخيمات النزوح حيث تكابد ويلات التعب والنزوح المتكرر وتفترش العراء في صحراء النقيعة مع أحفادها في انتظار تشييد خيمتهم، تقول، "نزحنا من منطقة روضة جهم، ووضعنا اليوم سيء، وهجوم الحوثيين وصل إلى مناطقنا، لم نستطع أخذ أغراضنا، لقد شردنا بما نملك"، وتواصل حسناء حديثها ممزوجاً بدموعها، "ليس لدينا ما نستند به للحياة، لا منازل لدينا ولا ما يكفي من الماء".
وعن دور المنظمات الإنسانية، تقول حسناء، "لا تجلب لنا سوى الخيبات، لم تمنحنا شيئاً يقينا زمهرير الشتاء ولا مؤونة تشبع جوعنا"، وتبدي حسناء استياءها من دور المنظمات الإنسانية، وتقول، "يأتون لتسجيل بياناتنا لكننا لم نر منهم شيئاً، سوى أسطوانات بلاستيكية وكراتين من الصابون لا نحتاجها أكثر من حاجتنا إلى الطعام والخيام".
رحلة النزوح المتواصلة
وفي رحلة النزوح المتواصلة، تقول حسناء إنها نزحت من منطقة الزور في مديرية صرواح، من منازل أشبه بالقصور إلى منطقة "ذنة" وبدأوا في تكوين حياة جديدة وقاموا ببناء منزل هناك، لكن الهجوم الحوثي حال دون استكمال البناء، ما اضطرهم للرحيل مرة أخرى بسبب وصول المعارك إلى المنطقة التي انتقلوا إليها، وتسأل حسناء، "أين نذهب أينما حطينا رحالنا يتبعنا الحوثي بصواريخه وقذائفه المميتة".
أما الكهل ناجي صالح فيشكو في حديثه لـ"اندبندنت عربية" من معاناته مع برد الشتاء فيقول، "انتزعت الرحمة من قلوب الناس، نحن بين البرد وهذا النزوح الخامس لنا، من دون الاكتراث لمعاناتنا".
بين الترحال والنزوح
وعلى هذه الحال يعيش آلاف النازحين حياتهم بين الترحال والنزوح هرباً من جحيم الحرب إلى جحيم الحياة القاسية، في وقت تساورهم الشكوك عن نزوح آخر قد يطاولهم مجدداً في ظل التصعيد العسكري الهستيري الحوثي، وفقاً لمراقبين، في محاولة لاجتياح مدينة مأرب، أهم المعاقل الرئيسة للحكومة الشرعية، والمدينة التي سجلت أكبر موجة نزوح داخلية، ووفقاً للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، فإن عدد النازحين يقدر بأكثر من مليوني نازح في المحافظة.
وتؤكد الأمم المتحدة أن إجمالي تعداد النازحين بلغ أكثر من أربعة ملايين نازح داخلياً في اليمن، مشيرة إلى أن أكثر من 24.1 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة، أي أكثر من ثلثي السكان في البلد الذي تصفه بأنه يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم حالياً.