يبدو أن المسرح المغربي كان أكثر الفنون تضرراً في زمن كورونا. فما إن سمحت الدولة قبل ستة أشهر بفتح المسارح بعد عام ونيّف من توقف الأنشطة الثقافية والفنية، حتى بادرت أخيراً إلى منع جميع المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية، بالتالي إغلاق جميع الصالات وقاعات العرض إلى أجل غير محدد، خوفاً من تفشي الوباء في نسخته الجديدة، و"استناداً إلى المقتضيات القانونية المتعلقة بتدبير حالة الطوارئ الصحية، وتعزيزاً للإجراءات الوقائية اللازمة للحد من انتشار وباء كورونا المستجد"، كما جاء في البيان الحكومي.
وإذا كانت معظم الفنون الأخرى قادرة على الاستمرار عبر صيغ تواصلية مختلفة، فإن أهل المسرح عاجزون تماماً عن مواصلة عملهم بسبب ما يقتضيه العرض من تواصل مباشر مع الجمهور. وسيترتب عن ذلك ضرر مادي بالأساس يشمل العاملين في القطاع على اختلاف مهامهم، من ممثلين ومخرجين وتقنيين، فضلاً عن توقف الحركة الثقافية والفنية لفترة غير محددة في مجتمع يعيش فيه الناس حياتهم الطبيعية تقريباً. فالمقاهي والأماكن العامة مفتوحة، والحركة شبه طبيعية في الأسواق والشوارع والساحات بما تعرفه طبعاً من اكتظاظ. وربما هذا ما جعل النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية تصف قرار منع التظاهرات الفنية والثقافية بالقرار الإنتقائي، وبررت احتجاجها بكون "العديد من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية الأخرى تعرف كثافة بشرية أكثر أثناء مزاولتها، وعلماً أيضاً بأن عديداً من الأنشطة الثقافية والفنية لا تعرف عموماً حضوراً كثيفاً، باستثناء العروض الفنية ذات الطبيعة الجماهيرية". واللافت أن المسارح المغربية خلال الفترة الأخيرة كانت حريصة على احترام مقتضيات الاحتراز والتباعد الاجتماعي، مع التخفيف من عدد الجمهور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وانتقدت النقابة المغربية غياب أي مخطط خاص للقطاع الحكومي الوصي بالتعامل مع الجائحة في مثل هذه الحالات، بشكل يضمن سير أواستمرارية القطاع ومواصلة تقديم الخدمات الثقافية للجمهور.
وقد زاد وضع المسرحيين المغاربة تأزماً حجب الدعم الموجه للمسرح لموسمين متتالين مع الحكومة السابقة، وعدم الإفراج عنه حتى الآن من طرف وزارة الثقافة على الرغم من تعيين حكومة جديدة.
دعوة لإنقاذ المسرح المغربي
وبعد أيام من صمت المسرحيين المغاربة عن قرار المنع، قرروا الخروج عن صمتهم، واتخاذ صيغ احتجاجية جماعية وفردية، خصوصاً أن الحكومة لم ترافق قرار حجب التظاهرات الفنية والثقافية وإغلاق المسارح وقاعات العرض بمقترحات تخص دعم الفئة المتضررة. فقد عمد عدد من الممثلين والممثلات والمشتغلين في "أبي الفنون" إلى إطلاق حملة واسعة تحت عنوان "أنقذوا المسرح المغربي من السكتة القلبية". وقد تابع رواد مواقع التواصل عدداً من الفيديوهات والمنشورات التي تشجب قرار المنع، وتطالب بحلول تراعي الأوضاع والظروف السيئة التي عاشها معظم المسرحيين المغاربة خلال السنتين الأخيرتين. وقد قاد هذه الحملة عدد من الوجوه المسرحية المعروفة أشهرها: لطيفة أحرار، وحسن فلان، ومحمد الشوبي، وجواد السايح، وكمال الكاظيمي، وياسين أحجام، وسعاد خيي، وسعيدة لديب، وخلود بطيوي، ووسيلة الصابحي، والصديقي مكوار، ومنصور بدري، وأمين نسور، وغيرهم.
وقد ناشدت نداءات الفنانين المغاربة وزير الثقافة الجديد باعتباره المسؤول الأول عن الحياة المسرحية في المغرب، متوقعة أن تجد نداءاتهم صدى وتفاعلاً إيجابيين من لدن الوزارة الوصية على القطاع في بلاد له تاريخ عريق في "أبي الفنون" وتجارب مضيئة تركت أثرها في العالم العربي تنظيراً وتأليفاً وإخراجاً وتشخيصاً من أمثال: الطيب الصديقي، والعربي الدغمي، وعبدالكريم برشيد، وفاطمة الركراكي، وثرياً جبران، والطيب لعلج، ومحمد الجندي، وعبدالحق زروالي، وعبدالقادر بدوي، ونبيل لحلو، وأمينة رشيد، وغيرهم.