يمكن وصف المحميات الطبيعية والبيئية، سواء أكانت برية في الصحراء، أو في السهل أو الجبل، أو كانت مائية في الأنهار والبحيرات والمستنقعات والبحار، بأنها هجوم مضاد للطبيعة بمعاونة الإنسان على التدمير الممنهج للطبيعة، الذي مارسه الإنسان نفسه على مرّ القرنين الماضيين، ومنذ انطلاقة الثورة الصناعية واستخدام الطاقة الأحفورية على نطاق واسع من الفحم الحجري إلى النفط حتى اليوم. وليست الطاقة سبباً للتدهور البيئي وحدها، بل وتزايد أعداد السكان بشكل مطرد خلال القرن العشرين، الذي أدى إلى تمدد المناطق الحضرية والمدنية نحو البراري والبحار والغابات والجبال والوديان ومحيط الأنهار الكبيرة والصغيرة في أنحاء العالم.
وسواء أكان هذا التدمير البشري للبيئة الطبيعية مقصوداً وممنهجاً، أو عن قلة دراية بالسلسلة التي تربط الكائنات الطبيعية من حيوان ونبات ببعضها البعض، فإن المجتمعات البشرية في هذا العصر باتت تعرف تماماً أهمية الحفاظ على البيئة الطبيعية وإعادة تأهيل المتضرر منها، وإحياء أنواع من الكائنات الحيوانية والنباتية التي كانت على أبواب الانقراض. ويوجد حالياً 22 مليون كيلومتر مربع (16.6 في المئة) من النظم البيئية للأراضي والمياه الداخلية، و28.1 مليون كيلومتر مربع (7.7 في المئة) من المياه الساحلية والمحيطات، ضمن المناطق الموثقة المحمية والمحافظ عليها في جميع أنحاء العالم، وهي مساحات تزيد بمقدار 21 مليون كيلومتر مربع عن مساحات المناطق المحمية عام 2010.
وهكذا، أخذت فكرة المحميات الطبيعية والبيئية تحظى بالعناية الكافية في جميع أنحاء العالم، ومنه العالم العربي الذي راحت الحكومات والمؤسسات البيئية وجمعيات المجتمع المدني وجماعات الضغط البيئية العالمية ذات الفروع في العواصم العربية، تلقي الضوء على هذا الموضوع بشكل كبير في العقود القليلة الماضية، وهذا الاهتمام أثمر خلق محميات طبيعية واسعة المساحات، وتحظى بالعناية والاهتمام الكبيرين من قبل العلماء والباحثين الإيكولوجيين العرب، وكذلك من الناشطين البيئيين ووزارات البيئة التي استحدثت في معظم حكومات العالم العربي في أوقات متفاوتة خلال العقود الأخيرة. وواحد من الأسباب الكثيرة التي تدفع إلى إنشاء المحميات في الدول العربية، وهو أن من بين الدول العربية التي تقع في قارة آسيا فقط، تم تحديد 269 موقعاً من المواقع التي تعتبر مناطق مهمة لهجرات الطيور السنوية والفصلية. وفقاً لتصنيف المجلس العالمي لحماية الطيور، تشكل هذه المواقع مساحة تقدر بنحو 300 ألف كيلومتر مربع أي نحو 5 في المئة من مساحة اليابسة في هذه الدول.
اهتمام واضح... ولكن!
وباتت في كل دولة في العالم العربي مجموعة كبيرة من المحميات الطبيعية ذات التأثير البيئي المحلي والإقليمي والعالمي على التوازن الإيكولوجي، وتوزع الكائنات في هذه المحميات، سواء كانت مقبلة على الانقراض أم لا، ولكن قبل وصف الأوضاع الإيجابية التي تحيط بالمحميات الطبيعية في العالم العربي، لا بد من عرض الثغرات والإخفاقات في حماية المحميات نفسها أو في عددها وحجمها والوظائف التي عليها أن تؤديها.
الباحث والناشط في المجال البيئي عبدالهادي نجار عرض في تقرير، لما تعرضت له بعض المحميات المهمة من سوء إدارة أو متابعة أو من تعديات من قبل الصيادين، ما دفع السلطات إلى التشدد في عقوباتها على المخالفين.
على سبيل المثال، اضطرت الهيئة السعودية للحياة الفطرية قبل أشهر إلى فرض غرامات قد تصل حتى 30 مليون ريال، أي نحو 8 ملايين دولار بعد أن سجلت خلال العام الماضي تجاوزات كثيرة في المحميات، وصل عددها إلى 500 مخالفة صيد جائر في محميات تعتبر محطات إقامة دائمة لطيور الغاق السقطري المهدد بالانقراض، وطيور الخرشنة البيضاء الخد، وكذلك الطيور المهاجرة كالحبارى والكروان والصقور، ولكن الصيد الجائر، وفق ما تظهره مقاطع الفيديو المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دفع المعنيين إلى تشديد الرقابة والعقوبات، خصوصاً مع ظهور تقارير عن تناقص كبير في أعداد طائر القميري وحيوان الضب.
لكن تجاوزات المواطنين الأفراد ومخالفاتهم قد تكون صغيرة أمام المخالفات التي ترتكبها الحكومات نفسها، كما هي الحال في محمية "الكائنات الحية والفطرية" في سلطنة عمان، التي تضم أنواعاً فريدة من الكائنات البرية والنباتات والحشرات والتضاريس والموارد المائية، وتحتفظ بالطبيعة العمانية وتوازنها البيئي. ولهذا السبب في سنة 1994، أدرجت "اليونسكو" المحمية ضمن قائمة مواقع التراث العالمي الطبيعي، إلا أن المنظمة الدولية قررت سنة 2007، وللمرة الأولى في تاريخها، حذف المحمية من القائمة، بعد قرار السلطات العمانية تقليص مساحة المحمية إلى 10 في المئة من مساحتها، بسبب أعمال التنقيب عن النفط والغاز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الأردن، تم الإعلان منذ وقت قريب عن تجريف نحو 1600 دونم من أراضي محمية فيفا، واقتلاع قرابة 40 ألف شجيرة. وأشارت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في بيان لها، إلى أن سلطة وادي الأردن خاطبت الجمعية بطلب التوسع في منطقة الامتياز الخاصة بشركة "البوتاس" العربية. هذا على الرغم من أن محمية فيفا تضم مجموعة من النباتات والحيوانات النادرة عالمياً أو الفريدة في الإقليم، مثل أسماك الأفانيس العربية المتوطنة وأشجار الأراك وطيور السند النوبي.
الأمر نفسه ينطبق على محمية العرين في البحرين، والتي تشكو من ضعف ميزانيتها السنوية وقلة جهازها البشري، بينما تبحث وزارة البيئة المصرية عن شراكات مع القطاع الخاص لطرح خدمات وتنفيذ نشاطات داخل محمية "الغابة المتحجرة" قرب القاهرة، من أجل تقليص النفقات. وتزخر محمية الغابة المتحجرة بجذوع أشجار ضخمة متحجرة ضمن تكوين يعرف باسم "جبل الخشب"، يبلغ عمره نحو 35 مليون سنة. وسبق للمحمية أن تعرضت إلى تعديات واسعة بعد الانتفاضات التي شهدتها دول عربية عدة، شملت سرقة الرمال والمتحجرات وتحويل قسم منها إلى مكب للنفايات.
وفي سوريا، أدت الحرب إلى إبادة قطعان غزال الرمل والمها العربية في البادية السورية. كما تعرضت الحيوانات المفترسة في محمية جبل عبدالعزيز، لا سيما الذئاب الرمادية والضباع المخططة والثعالب، للصيد بهدف التجارة. وشمل الضرر التحطيب الكثيف للأشجار في كل المحميات، وعلى رأسها محمية جباثا، حيث قطعت كل أشجارها البالغ عددها 300 شجرة من أنواع البطم والسنديان.
ويشير تقرير، صدر نهاية العام الماضي عن الصندوق العالمي للطبيعة، إلى فشل الدول العربية المتوسطية في بلوغ أهدافها المتعلقة بإنشاء المحميات البحرية للحفاظ على التنوع الحيوي ودعم اقتصاداتها الوطنية. وبحسب التقرير، فإن التنوع الحيوي في البحر المتوسط تراجع إلى ما نسبته 41 في المئة خلال السنوات الـ50 الماضية، وأن 80 في المئة من أسماكه أصبحت عرضة للصيد العشوائي، وبعضها في طريقه إلى الانقراض.
ومن بين سبع دول عربية متوسطية صادقت على اتفاقية "آيشي" سنة 2010، التي تلتزم من خلالها بإنشاء محميات بحرية ضمن ما نسبته على الأقل 10 في المئة من مياهها الإقليمية بحلول 2020، كانت المغرب في الصدارة، إذ خصصت 4.33 في المئة من مياهها الإقليمية كمحميات، تلتها مصر بنسبة 1.33 في المئة، ثم لبنان بنسبة 0.87 في المئة، فيما تراوحت نسب كل من الجزائر وليبيا وسوريا وتونس بين 0.12 وصفر في المئة.
في الآمال والتجارب العملية
وفي الإشارة إلى النواحي والتطورات الإيجابية على صعيد حماية البيئة، لا بد من التذكير بالقمة الدولية التي عقدت الشهر الماضي في السعودية تحت عنوان "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، والتي تقرر فيها إنشاء منصة تعاون دولية لتطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وتأسيس مركز إقليمي للتغير المناخي. وأشار البيان الرئاسي الصادر عن القمة إلى أن الرياض ستعمل على تأسيس مركز إقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية، للإسهام في رفع التنوع البيولوجي البحري وخفض مستوى الانبعاثات في قطاع الأسماك بنسبة 15 في المئة، وإنشاء برنامج إقليمي لاستمطار السحب للإسهام في رفع مستوى الهاطل المطري بنسبة 20 في المئة. وإيماناً بأهمية البيئة والغطاء النباتي في أفريقيا، دعت القمة إلى تكثيف التنسيق والعمل المشترك للمحافظة عليه وتنميته.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عقد بيئيون وباحثون وناشطون وجمعيات ومؤسسات من مختلف العالم العربي، مؤتمراً في الأردن لمناقشة السبل الكفيلة لحماية المحميات الطبيعية الموجودة، وزيادة أعدادها في الدول العربية قدر الإمكان، وتأمين التمويل والحراسة الكافيين لدوامها. وكان من بين أهداف هذا المنتدى، بناء شبكة اتصال معرفي بين المشاركين لتبادل الخبرات، والعمل على خلق تغيير إيجابي ملموس في تفكير الأفراد حول إدارة المحميات.
لكن في المقررات التي توصل إليها المؤتمر، تبين أن هناك تفاوتاً في حالة الحياة البرية في الوطن العربي بين دولة وأخرى، تبعاً لتفاوت الظروف والإمكانات، إلا أنها في الغالب ليست مرضية ودون مستوى الطموح. وبحسب المنظمة العربية للزراعة العاملة في أطر جامعة الدول العربية، لا بد من الالتزام بأن تكون مساحة المحميات لا تقل عن 10 في المئة من المساحة الإجمالية لكل دولة، كما يجب إدارة المحميات بواسطة المواطنين المحليين مع تأمين احتياجاتهم المادية مقابل هذا العمل، أو بواسطة أطراف متشاركة بدلاً من السلطة المركزية وحدها، على أن يتم تكريس النظرة العامة للمحميات بصفتها ثروة وطنية وقومية، بحسب توصية الاتحاد الدولي لصيانة الطبيعة (IUCN)، ما يعني منع الرعي والصيد الجائر في البر والبحر بعد ازدياد الطلب على الموارد الطبيعية للسكان المتزايدين عدداً، الذي أدى بدوره إلى توسع الأراضي الزراعية على حساب بيئات الحياة الطبيعية، وإلى ارتفاع نسبة الملوثات والنفايات المتنوعة، والتي يعجز التنوع الحيوي عن إدخالها في الدورات الطبيعية، وزيادة معدلات الجفاف والإجهادات البيئية الأخرى، وسوء استخدام المبيدات وضعف التشريعات وعدم تطبيقها بشكل جدي، إضافة إلى الحروب والفقر والتهجير الجارية في المنطقة، والتي تدفع الفقراء والمحتاجين إلى استخدام الموارد البيئية للبقاء على قيد الحياة، كصيد الحيوانات وقطع الأشجار للصناعة والتدفئة.
استعراض سريع لأهم المحميات العربية
وعلى الرغم من هذه السوداوية العامة حول المحميات البيئية في الوطن العربي، يجب أن نذكر عدداً من أجمل المحميات العربية التي تتميز بما يجعلها فريدة بالنسبة لغيرها، ومنها مثلاً محمية الحرة أولى المحميات الطبيعية في السعودية، وتقدر مساحتها 13775 كيلومتراً مربعاً، وهي هضبة بركانية غنية بالصخور البازلتية السوداء وغنية بالأشجار المعمرة والحيوانات البرية، مثل الظبي الريم والضبع المخطط والجربوع، وطيور الحباري والعقاب الذهبي.
وهناك محمية الصليبية في الكويت، وتبلغ مساحتها 25 كيلومتراً مربعاً، وينتشر فيها كثير من الحيوانات والنباتات. وقد عمل معهد الكويت للأبحاث العلمية على الحفاظ عليها منذ عام 1979. وفي الإمارات العربية المتحدة يتزايد عدد المحميات الطبيعية، وتشتهر منها محمية رأس الخور في إمارة دبي التي تبلغ مساحتها 6.2 كيلومتر مربع، وهي منطقة ساحلية تحتوي على 266 نوعاً من الحيوانات و47 نوعاً من النباتات. وقد أقيمت فيها الأبراج والمصاطب التي تساعد على مشاهدة الطيور والحيوانات والتمتع بالمناظر الخلابة.
وفي لبنان عديد من محميات غابات الأرز مثل غابة أرز الشوف والباروك وتنورين والأرز والغابة السوداء في عكار، إلا أن محمية شاطئ صور الطبيعية من بين الأهم بيئياً بسبب استخدامها من قبل السلاحف البحرية للإباضة سنوياً، ما يساعد في رفع عدد السلاحف البحرية في المتوسط، والتي شهدت تدهوراً كبيراً في أعدادها خلال العقود الماضية. وهناك محمية مستنقع عميق في سهل البقاع، والتي تعتبر محطة مهمة للطيور المهاجرة، ويمكن للراغبين بالتخييم خارجها مراقبة الطيور في فترات استراحتها قبل استكمال رحلتها.
وفي سوريا، هناك محمية التليلة، وهي أول محمية طبيعية سورية في منطقة تدمر. ومحمية رأس محمد في جنوب سيناء، أنشئت عام 1983 وتشتهر بالشعاب المرجانية المتنوعة الأشكال والألوان والأسماك والسلاحف البحرية النادرة. وتكتظ بالسائحين من أنحاء العالم على مدار العام.
وفي الجزائر تسمى المحمية الحديقة الوطنية في جرجرة، وتتنوع الحيوانات فيها من قرود الرباح والماقو، والغزلان والذئاب والثعالب، وفيها 122 نوعاً من الطيور مثل كاسر الجوز القبائلي والنسور، وأشجارها من البلوط والأرز.