يعترف كاتب هذه السطور بأنه عاش فترة من الإحباط والشعور باليأس حيال مسيرة مجلس التعاون الخليجي، بعد أزمة عام 2017. كنت ممن تحمّسوا ونادوا بالكونفيدرالية الخليجية. وكنت ممن يظنون أننا كنا قاب قوسين أو أدنى من تحقيقها، حتى تفجرت الأزمة عام 2013، ثم تجددت وتفاقمت عام 2017. لم يكن مصدر الإحباط واليأس الأزمة بحد ذاتها، إنما طبيعة تلك الأزمة وحدتها وشراستها الإعلامية التي لم تكن مسبوقة في تاريخ العلاقات الخليجية، وما رافقها من لغة متدنية لم نعهدها بين دولنا، والاسترزاق المبتذل الذي انتشر في تلك الأزمة على الجانبين. وقد تشكل لدينا طابور من المرتزقة لم يكن موجوداً بهذه الدرجة من الابتذال والدناءة.
ومع بوادر حلحلة الأزمة، بدءاً من قمة العلا التي عقدت العام الماضي، مروراً بانعقاد القمة الثانية والأربعين في الرياض، الثلاثاء الماضي، والجولة التاريخية التي قام بها ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان قبيل انعقاد القمة، والتي شملت الدول الأعضاء من دون استثناء، فإن الشعور بالأمل يعود. شعور بعودة التضامن الخليجي وتراصه، وشعور بالطمأنينة والأمن للمستوى الذي توصلت إليه دول المجلس بالتنسيق الدفاعي والأمني في منطقة تهتز بالحروب والقلاقل والمشاكل، مع التركيز على أهمية إنهاء حرب اليمن بالطرق السلمية، وبما يحقق للشعب اليمني معظم أهدافه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعض المتابعين والمثقفين من الأصدقاء في الكويت والخليج لا يزالون يعيشون قلقاً بشأن قوة المجلس وصلابته وتماسكه. بعضهم يظن، صراحة، أن حدة الأزمة التي عصفت بالمجلس بالأمس القريب يصعب تلافي آثارها، وبأن لغة التراشق الإعلامي المنحدرة وغير المسبوقة تركت ندوباً وجروحاً ما زالت تنز قيحاً ودماً، وبأن النار ما زالت حية تحت رماد الأزمة، لأن تلك الآثار لم تُعالج بصراحة وشفافية. وهذا ما يسبب قلق كل حريص على المجلس ومسيرته. ومنبع القلق والتشاؤم هو الحرص الصادق على أن يتم تلافي آثار الأزمة بضمانات جديدة تمنع تكرارها مستقبلاً. فالأزمة انتهت بالسرعة والطريقة التي اندلعت بها. بلا مقدمات علنية اندلعت، وبلا شروحات استباقية انتهت.
أختلف مع بعض الأصدقاء، وأصر على التمسك بالتفاؤل لما هو آتٍ. وأرفض أن نتخلى عن أمل الوحدة الكونفيدرالية الخليجية التي ستعد قوة وثقلاً عربياً هائلاً سيعود بالخير والمنعة على الأمة بأكملها. فمجلس التعاون الخليجي صمد في وجه الرياح العاتية التي مرت بها المنطقة. وأكثر تلك العواصف صرصرة هي ما جرى لنا في الكويت عام 1990، والعدوان العراقي علينا. فلا يمكن لنا في الكويت أن ننسى وقفة العز التضامنية الخليجية مع بلادي الكويت في ذلك العام المشؤوم. ولولا تلك الوقفة الصلبة تجاه الحق الكويتي لما تحقق النصر المؤزر خلال شهور من النصرة والفزعة الخليجية التي قادتها المملكة العربية السعودية بقيادة الملك فهد بن عبد العزيز طيب الله ثراه. لكنني أشارك المتشككين الحرص على ضرورة إيجاد ضوابط مستقبلية تضمن عدم تجدد الخلافات بين ليلة وضحاها، ومرجعية تحكيم خليجية نص عليها النظام الأساسي لإنشاء مجلس التعاون الخليجي، لكنها لم تر النور بعد - مع الأسف الشديد.
نجحت المملكة العربية السعودية في تنظيم القمة الخليجية الثانية والأربعين. وجاء بيانها الختامي ليبث روح الأمل من جديد في تحقيق آمال شعوب المنطقة. وعلى كل حريص أن يرفع شعار الأمل ويبدأ العمل -كل من موقعه- لتحقيق الأهداف النبيلة التي جاءت في البيان الختامي للقمة.