تعود المخيمات الفلسطينية إلى واجهة الأحداث اللبنانية، وهذه المرة من مخيم البرج الشمالي القريب من مدينة صور الجنوبية. حيث شهد المخيم في 12 ديسمبر (كانون الأول) الجاري انفجاراً ضخماً أسفر عن وقوع إصابات، وفق السكان ومصدر عسكري من دون أن يتمكنوا من تحديد عددهم.
وقال سكان في المخيم "إن انفجاراً ضخماً وقع قرب مسجد (عدي بن كعب) التابع لحركة حماس في المخيّم، يوجد أسفله مخزن للأسلحة والذخيرة التابع للحركة"، وفقاً لـ"رويترز"، واندلعت على إثره نيران ضخمة. وتضاربت المعلومات حوله، وصدرت عقبه بيانات إعلامية متناقضة، ذلك أن شهود عيّان والفيديوهات التي نشرت على مواقع التواصل تحدثوا عن انفجار مخزن للأسلحة، وشبه كبير بين حادث المخيم وبين ما حصل في تفجير مرفأ بيروت. في حين صدر بيان عن قيادة حركة "حماس"، قالت فيه "إن الانفجار وقع في مخزن لمواد طبية لمعالجة المصابين بجائحة كورونا، ناتج من ماس كهربائي".
المخيمات الفلسطينية في لبنان
لبنان، كمعظم الدول المجاورة لفلسطين، كان وجهة للاجئين منذ عام 1948، في ما عرف بعام "النكبة". ومع ذلك، يمنح القرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، الفلسطينيين حق العودة إلى ديارهم إذا ما أرادوا "العيش في سلام مع جيرانهم". وتعترف "الأونروا" رسمياً بـ58 مخيماً منتشراً في الدول المضيفة، ويستقبل لبنان 12 منها وحوالى 500 ألف لاجئ مسجل، ومعترف بهم رسمياً. وتتوزّع هذه المخيمات على خمس مناطق لبنانية هي؛ بيروت وطرابلس وصيدا وصور والبقاع، وتأسست كلها عام 1948. والمخيمات هي، مخيم البداوي وبرج البراجنة والبرج الشمالي وضبية وعين الحلوة والبص ومار الياس والمية ومية ونهر البارد والرشيدية وشاتيلا ومخيم ويفل.
مخيم برج الشمالي
ويبعد مخيم برج الشمالي مسافة ثلاثة كيلومترات إلى الشرق من مدينة صور جنوب لبنان، وتعود ملكية أرضه إلى القطاع الخاص اللبناني، وهي مؤجرة من قبل "الأونروا". وأُسس المخيم بهدف توفير مساكن من الخيام للاجئين من منطقة الحولة وطبرية شمال فلسطين عام 1948، كما يؤوي المخيم لاجئين فلسطينيين مهجّرين من مناطق أخرى من لبنان. ويضم أكثر من 19500 لاجئ مسجل. يذكر أن المخيم هو الوحيد المفتوح على البلدات المجاورة وعملية الدخول والخروج منه لا تخضع لإجراءات أمنية مشددة، كما في بقية المخيمات.
الانفجار خرق للقرار 1701
لم يخل مخيم فلسطيني واحد على الأراضي اللبنانية دون وقوع أحداث أمنية داخلية، أو تعرض للقوى الأمنية اللبنانية، أو تهم بإيواء عناصر إرهابية لاحقت بعض المخيمات. وما حدث ليل 12 ديسمبر قد يكون الأخطر في الفترة الأخيرة؛ أولاً، لفتحه ملف السلاح غير الشرعي على الأراضي اللبنانية، ثانياً، لأن الحادث وقع في منطقة عمل قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، وفي المنطقة المشمولة بالقرار الدولي 1701 أي جنوب نهر الليطاني. والقرار الذي صدر بعد حرب لبنان وإسرائيل 2006، يتحدث البند الأساس منه عن جعل كامل منطقة عمل "اليونيفيل" خالية من أي سلاح غير شرعي. ثالثاً وهو الأهم أن الحادث لم يصدر عن أي جهة لبنانية، بل عن جهة فلسطينية، وهي حركة "حماس". الأمر الذي سيفتح الباب مرة جديدة للسؤال عن جدوى السلاح الفلسطيني ودور السلاح غير الشرعي ودور الفصائل المتعددة داخل المخيمات، وسيضع السلطات اللبنانية بموقع المساءلة الدولية والإحراج الشديدين. بخاصة بعد البيان الفرنسي- السعودي خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسعودية، (5 ديسمبر الجاري)، والذي تبنته الدول الخليجية خلال "قمة الرياض" في (14 ديسمبر الجاري)، ومن أهم شروط هذا البيان، حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701.
"جبهة لبنانية"
شكل الانفجار خرقاً خطيراً للقرار 1701، لوجود منظمة فلسطينية مسلحة، داخل نطاق عمل "اليونيفيل". وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، نشرت تقريراً في 10 ديسمبر الجاري، من دون ذكر لمصدر، عن أن حركة "حماس" أنشأت جبهة لبنانية لحركتها التي تتخذ من قطاع غزة مقراً لها في السنوات الأخيرة من أجل فتح نقطة مواجهة إضافية ضد إسرائيل في النزاعات المستقبلية.
يضيف التقرير "أن الطلقات الأولى جاءت من المقر اللبناني خلال الحرب التي استمرت 11 يوماً بين إسرائيل وحماس في مايو (أيار) الماضي، عندما أطلقت أربعة صواريخ على شمال إسرائيل من لبنان، ونسب حينها الجيش الإسرائيلي الهجوم إلى "الفصائل الفلسطينية". ويذكر "أن قرار إنشاء الجبهة جاء بعد الحرب مع حماس عام 2014 عندما وجدت الحركة نفسها تقاتل بمفردها". ويخلص إلى "أن إسرائيل ليست قلقة، لكن الوحدة الجديدة يمكن أن تجر (حزب الله) إلى الحرب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفادت "يديعوت أحرونوت"، "أن حماس تتصور أن تحصل الجماعة في نهاية المطاف على القدرات اللازمة لتشغيل أسلحة أكثر تقدماً مثل الطائرات من دون طيار". وتضيف، "أن جماعة (حزب الله) الشيعية، التي تسيطر على جزء كبير من جنوب لبنان، على علم بعمليات الفرع السني ومنحتهم الضوء الأخضر. لكن الحزب لديه حق النقض (الفيتو) على نشاطات فرع حماس". وأضافت، "أن الهدف من إنشاء الوحدة هو صرف انتباه إسرائيل عن غزة خلال الحروب اللاحقة قدر الإمكان. كما جنّدت (حماس) نشطاء فلسطينيين متحالفين أيديولوجياً معها يعيشون في لبنان للقتال في الوحدة، التي يعتقد أنها تتكون من عدة مئات من الأعضاء الذين يعملون سراً تحت ستار النشاط المدني"، بحسب الصحيفة.
وكان التقرير تحدث عن مقر الوحدة الذي يقع قرب مدينة صور جنوب لبنان، ويعتقد أن عناصرها منتشرون في مناطق أخرى أيضاً، ويتم تدريب المقاتلين من قبل جهات إيرانية لم يتم ذكرها، وهناك تركيز على صناعة الصواريخ.
قيادة الوحدة
ويوضح تقرير "يديعوت أحرونوت" أن "أحد القياديين من حماس يقسم وقته بين قطر وتركيا ولبنان، كُلف قيادة الوحدة. وتم تكليف الفرع في البداية بفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل، مع الاعتراف بأن قدراته العسكرية ستكون محدودة".
إرادة "حزب الله"؟
وفي هذا السياق، أشار الكاتب السياسي الفلسطيني المقرب من حركة "حماس" مصطفى الصواف، إلى أن المزاعم الإسرائيلية حول إنشاء وحدة عسكرية في المخيمات اللبنانية ليست سوى محاولة لحرف الأنظار عن الضعف الفاضح الذي واجهه جيشها بمواجهة الفصائل المقاومة في الداخل الفلسطيني، مشدداً على أن إسرائيل بعد فشلها العسكري في حرب غزة الأخيرة تسعى الى تحريض الفلسطينيين على "حماس" من خلال شيطنتها ومحاولة تصويرها وكأنها فصيل تابع لإيران لنزع صفة المقاومة عنها.
وأكد أن الفصائل الفلسطينية في لبنان لا تقبل أن تكون سبباً لزعزعة الاستقرار أو الفتنة الداخلية، موضحاً أن السلاح الفردي والمتوسط الموجود مع فصائل المقاومة ليس سوى وسيلة للدفاع عن النفس بمواجهة أي فتنة داخل المخيمات باعتبار أن إسرائيل تسعى دائماً لاختراق المخيمات من خلال عملائها، ومشدداً على أن الفلسطينيين في لبنان يتمسكون بحق العودة ويرفضون مشاريع التوطين.
ولفت الصواف إلى التعاون الدائم بين الفصائل والسلطات اللبنانية، رافضاً الاتهامات المستمرة بأن "حماس" تخضع لإرادة "حزب الله" أو غيره على الرغم من التنسيق المشترك على المستوى الاستراتيجي، إلا أن هذا الأمر لا يؤدي إلى إنشاء وحدات عسكرية غير نمطية وخارج السياق الطبيعي المتوازن مع القوانين والظروف اللبنانية الداخلية.
ترتيبات وقف إطلاق النار
وكان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري قد صرح في مقابلة مع قناة "الأقصى" التي تبث من غزة، الخميس 23 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، بأنه "لا يوجد هدن طويلة بيننا وبين إسرائيل في غزة، وما يحدث هو ترتيبات وقف إطلاق النار بعد كل معركة". وأضاف، "فلسطين التاريخية والمقاومة فيها حق للشعب الفلسطيني وطنياً، ولأمتنا العربية قومياً، ولأمتنا الإسلامية دينياً".
وتعقيباً على تهديدات إسرائيل باستهدافه رداً على الهجمات في الضفة الغربية، قال العاروري "لا نخشى تهديدات الاحتلال، ونتشرف أن نكون جزءاً من مقاومة شعبنا".
واعتبر المسؤول في "حماس" أنه "يمكننا طرد المستوطنين من الضفة، ووقف عربدتهم تحت ضغط المقاومة كما حدث في غزة".
وحملت أوساط إسرائيلية رسمية قادة "حماس" في الخارج، ومنهم العاروري، مسؤولية تصاعد الهجمات في الضفة الغربية أخيراً وهددت باستهدافهم.
لا رواية رسمية عن الحادث
وكان النائب العام الاستئنافي في جنوب لبنان، القاضي رهيف رمضان، كلف الأجهزة الأمنية وخبراء المتفجرات، بالكشف على المخزن، لكن الرواية الرسمية اللبنانية بشأن الحادث لم تتضح بعد. وما زاد التحقيقات تعقيداً الإشكال المسلح وإطلاق النار على موكب تشييع أحد ضحايا الانفجار حمزة شاهين، وبحضور ممثلين عن حركة "أمل" و"حزب الله" والجماعة الإسلامية وفصائل فلسطينية، أدى إلى مقتل ثلاثة شباب من "حماس". وحملت الحركة، في بيان لها، "ما يسمى بـ(قوات الأمن الوطني الفلسطيني) المسؤولية المباشرة عن جريمة القتل". كما حملوا "قيادة السلطة في رام الله وأجهزتها الأمنية في لبنان المسؤولية الكاملة". وأضاف البيان، "هذه المجزرة هي جريمة تستهدف كامل المجتمع الفلسطيني في لبنان".
وتم تسليم المدعو "محمد محمود دحويش" الملقب بـ"أبو العشا" إلى مخابرات الجيش، وهو المتهم الوحيد بحادثة إطلاق النار، وقالت مصادر رفيعة في حركة "فتح" في حديث إعلامي، "إن أمر تسليم دحويش جرى بناء على طلب الدولة اللبنانية، إذ طلبت مديرية المخابرات من الأمن الوطني الفلسطيني تسليمه إليها". وأفادت المصادر نفسها، "أن دحويش ليس منظماً في حركة (فتح) ولا إلى قوات الأمن الوطني، وتمّ طرده من الحركة قبل نحو 4 سنوات. كما أن الشخص الذي نعته حركة حماس هو المهندس حمزة شاهين، وتبين أنه خبير عسكري ومتخصص في المتفجرات. ومما يدلل على أهمية الأخير حضور ثلاث شخصيات من أعضاء المكتب السياسي في حركة حماس من قطر للمشاركة في التشييع".
ووصل صباح الأربعاء 15 ديسمبر، وفد من "حماس" برئاسة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة في الخارج إلى العاصمة اللبنانية بيروت، بعد أكثر من 10 سنوات على زيارته الأخيرة، وضم الوفد موسى أبو مرزوق نائب رئيس الحركة بالخارج، وفتحي حماد ومحمد نزال، وسبق وصول مشعل، أن طلب مكتب حماس مواعيد من شخصيات حزبية ودينية.
"حزب الله" و"حماس"
الإعلامي المقرب من "حزب الله"، فادي أبو دية، قال إن "حركة (حماس) من الفصائل الفلسطينية التي عملت بشكل مؤثر ضد الاحتلال الإسرائيلي، وطوّرت قدرتها العسكرية والتسليحية والتكنولوجية العسكرية لها، وذلك بمساعدة كثير من الجهات في مقدمتها إيران، ولا سيما فيلق القدس".
أما ارتباطها بـ"حزب الله" فيصفه أبو دية بأنه "طبيعي وتنسيقي، باعتبار أن كليهما يقاومان العدو الإسرائيلي في سبيل تحرير فلسطين، ولكن ليس لـ(حزب الله) سيطرة على قرار (حماس)، بدليل منحى (حماس) تجاه سوريا المتباين كلياً عن (حزب الله)".
ويتابع أبو دية، "(حزب الله) لا يسيطر على الجنوب اللبناني، بل لدى كل الأطراف القدرة على الوجود إلا في بعض المواقع العسكرية التابعة لـ(حزب الله) بحكم الضرورات الأمنية، وهذا أمر طبيعي".
ويعتقد أبو دية أن "(حزب الله) بات يملك قدرة تسليحية تفوق تقارير أو تقديرات العدو الإسرائيلي، ومنها ما يتم تطويره محلياً، وقسم آخر يصل إلى (حزب الله) بطرق متعددة عجز الإسرائيلي عن كشفها".
ويختم أبو دية كلامه، "لبنان ليس ساحة لتصفية أي خلافات فلسطينية أو لبنانية، بل هو ساحة مواجهة ضد العدو الإسرائيلي، ما دام محتلاً للأرض اللبنانية ويعتدي على ثرواته النفطية والمائية، وهو عدو متغصب للأرض الفلسطينية العربية المقدسة إسلامياً ومسيحياً".
تراشق بيانات بين "فتح" و"حماس"
من هنا تتخوف بعض الجهات من انفجار الوضع في المخيمات، وبعد البيانات ما بين "حماس" و"فتح" بعد عملية إطلاق النار خلال التشييع، وورود معلومات عن حالة من التوتر تسود الملاجئ الفلسطينية جنوب لبنان، خصوصاً مخيم البرج الشمالي، إلى جانب مخيمي عين الحلوة والمية ومية في صيدا، ربطاً بزيارة خالد مشعل وحضوره السريع إلى بيروت.
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية زار لبنان في سبتمبر (أيلول) 2020، وصرح حينها من مخيم عين الحلوة، وبعد لقائه مع الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، أن "مخيمات الشتات هي قلاع المقاومة، ومنها صنعت الأحداث الكبرى، وخرج منها الأبطال، وفيها ظلت القضية حية". وأضاف، "المقاومة تمتلك صواريخ لتدك بها تل أبيب وما بعدها"، وهذا ما أثار الكثير من التساؤلات والاستنكارات، لأن تهديداته خرجت من أراضٍ لبنانية.