يحتل خبز "البتاو" مكانة كبيرة على موائد إقليم صعيد مصر، للأغنياء والفقراء معاً. يعد أحد أنواع الخبز الموروثة عن المصريين القدماء التي سُجلت طريقتها على جدران بعض المعابد الفرعونية القديمة في الأقصر وأسوان. ويرى عديد من علماء مصر أن اسم هذا الخبز "البتاو" مشتق من الكلمة المصرية الفرعوني "باتي" التي تعني الخبز. ويطلق على هذا الخبز في أرياف صعيد مصر عمدة الموائد.
عدسة موقع "اندبندنت عربية" حرصت على زيارة عدد من السيدات الصانعات لخبز "البتاو" في محافظة قنا، للتعرف على كواليس تحضير هذا الخبز الذي يعشقه الصغير والكبير، ولا يصنع سوى منزلياً.
عمدة الموائد
قالت عنيات حامد، صانعة خبز "البتاو الصعيدي"، إن خبز البتاو معشوق الموائد في قرى ومدن إقليم صعيد مصر كافة، كما تتنافس السيدات في صناعته لإخراجه في أفضل صورة، ويطلق عليه عمدة الموائد، لتصدره أغلب الوجبات للفئات كافة، علاوة على مذاقه الرائع مع الوجبات الباردة والساخنة.
وأضافت أن أشهر أشكال تناول "البتاو الصعيدي" مع القشطة والجبنة على الإفطار، لافتة إلى أنه يمتاز بسهولة الهضم في المعدة، ويُنصح به لمن يرغب في الريجيم والابتعاد عن السمنة، مشيرة إلى أن السيدات في الصعيد يحرصن على تعليم بناتهن صناعة هذا النوع من الخبز منذ الصغر لكونه من الموروثات الغذائية التي لا يمكن تجاهلها خصوصاً في القرى.
طريقة التحضير
وسط حالة من البهجة، يُصنع خبز "البتاو" من قبل السيدات الريفيات، اللواتي يوزعن الأدوار على بعضهن بعضاً، ليجري العمل على قدم وساق لمدة 5 ساعات كاملة كخلية نحل مصغرة، لمروره بثلاث مراحل أساسية لا يمكن تجاهل واحدة منها.
ووصفت فاطمة عبدالرحيم صانعة لخبز "البتاو"، إعداد الخبز وصناعته بـ"المهمة الشاقة" التي تبدأ في الساعة 5 فجراً، وتتطلب عملاً جماعياً لمرور صناعته بمراحل عدة لا يمكن تجاهل واحدة منها. لذلك يشترك الأقارب أو الجيران في صناعته، وتفتح المنازل المتجاورة على بعضها بعضاً خلال صناعته لإنجاز المهمة على أكمل وجه، ويُطلق على رائحة الخبز "رائحة الخير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت فاطمة أن "البتاو" يُصنع من "دقيق الذرة، واللبن، والحلبة، والقليل من الخميرة، ودقيق أبيض قمحي، وقليل من الملح"، تبدأ المرحلة الأولى من الإعداد في إذابة الخميرة في قليل من السكر والماء الدافئ جيداً وتترك نصف ساعة كاملة في مكان دافئ.
وتابعت فاطمة، المرحلة الثانية يجري فيها خلط دقيق الذرة مع الدقيق الأبيض والملح وتضاف الخميرة والماء والحلبة واللبن. بعدها تبدأ السيدات مرحلة العجن التي تتطلب مجهوداً عضلياً كبيراً حتى تصبح العجينة متوسطة الليونة، ليترك العجين بعد ذلك لمدة ساعتين حتى يتخمر، ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة والأخيرة التي تتلخص في صب العجيب بالمغارف في صوان يفرد فيها على الشكل الدائري، لتوضع في الفرن بعد ذلك لتنضج على النار.
وعن السؤال حول الفارق بين خبز "البتاو" الصعيدي والخبز الشمسي، فكلاهما يُتداول أنهما من أصول فرعونية متوارثة، ذكرت فاطمة أن المكون الأساسي لخبز "البتاو" دقيق الذرة بينما الخبز الشمسي من دقيق القمح، وكلاهما لا غنى عنهما على موائد الصعيد، إلا أنه يصعب إعدادهما معاً في جلسة إعداد واحدة، لذلك يصنع كل نوع منهما بمفرده.
خبز صحي قليل النشويات
وأكد جورج بيتر استشاري التغذية العلاجية، أن القيمة الغذائية لخبز "البتاو" أفضل من أنوع الخبز الأخرى، لكونه مصنوعاً من دقيق الذرة الذي يُعد صحياً إذا ما قورن بدقيق القمح، لسهولة هضمه، كما أن خشونة خبز الذرة تقوي جدار المعدة وينصح به لمرضى السكر والسمنة لقلة المواد النشوية فيه. بينما دقيق القمح يحتوي على نسب مرتفعة من النشويات، التي قد تضر بالنظام الغذائي لراغبي "الريجيم".
وذكر وليد عربي مرشد سياحي في مدينة الأقصر، أن عدداً ليس بالقليل من السائحين يعجبون بخبز "البتاو" الصعيدي، ويحرصون على زيارة السيدات اللواتي يصنعنه في المنازل الريفية، لتوثيق صناعته المبهجة التي تتخللها بعض الأغاني الفلكلورية.