أظهر تحليل للوضع الصحي في إنجلترا، أن التطعيم بالجرعة المعززة من اللقاح، متأخر في المناطق الأكثر حرماناً في البلاد، ما أثار مخاوف من أن الفقراء سيكونون "الأكثر تضرراً مرة أخرى" من عدوى كورونا، خصوصاً مع اشتداد موجة المتحورة "أوميكرون".
وبما أن المملكة المتحدة أبلغت عن وقوع 78610 إصابات جديدة يوم الأربعاء الفائت، أعلى إجمالي يومي مسجل منذ بدء الجائحة، فقد حذر خبراء من أن المتحورة الجديدة "لديها القدرة على تكرار حال عدم المساواة التي تسببت بها الموجات الأولى من فيروس كورونا".
إذ لم يحز سوى 20.2 في المئة ممن يعيشون ضمن المناطق الأكثر حرماناً في إنجلترا، الجرعة المعززة من اللقاح، ما يعادل 1.1 مليون شخص، بالمقارنة مع 37.8 في المئة، أو 2.1 مليون شخص، في المناطق الأقل حرماناً.
وفي المقابل، فلقد ظهرت مؤشرات خلال فصل الصيف، على أن التأثير غير المتكافئ لجائحة "كوفيد" على المجتمعات ذات الدخل المنخفض التي تحملت العبء الأكبر للوباء، قد بدأ في التلاشي.
وعلق كولين أنغوس وهو زميل أبحاث بارز في جامعة شيفيلد، وخبير في صنع نماذج رقمية عن التفاوتات الصحية، على تلك المعطيات مشيراً إلى أن "المجموعات السكانية الأكثر حرماناً عانت بشدة خلال الموجات المبكرة للفيروس، إلى درجة أنها ربما باتت تتمتع بميزة لجهة تكوين مناعة طبيعية أكبر".
ومع ذلك، فنظراً إلى القدرة الواضحة لـ"أوميكرون" على نقل العدوى مجدداً إلى أولئك الذين تلقوا جرعتي اللقاح، يُخشى أن تتفشى المتحورة بشكل أسرع وأكبر في الأنحاء الأكثر فقراً في إنجلترا، حيث التطعيم بالجرعة المعززة ما زال منخفضاً.
ويوضح أنغوس أنه "طيلة فترة الوباء، عانت الفئات الأشد حرماناً أكثر من غيرها نتيجة مجموعة من العوامل، بما فيها زيادة احتمالات حصول أفرادها على وظائف تفرض عليهم مواجهة الناس لأنه لا يمكنهم العمل من المنزل، والعيش في ظروف أكثر ازدحاماً، وكونهم أقل قدرةً من الناحية المالية على التوقف عن العمل من أجل عزل أنفسهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار أنغوس إلى أن هذه العوامل لم تتلاش، إذ إن الأشخاص الأشد حرماناً سيكونون "الأكثر تضرراً مرةً أخرى" في حال لم تسرع عمليات التطعيم بالجرعات المعززة ضمن هذه المجتمعات. ورأى أن "متحورة ’أوميكرون‘ لديها القدرة على أن تكرر مرةً أخرى، حال عدم المساواة التي سادت أثناء الموجات الأولى من الوباء".
واستطراداً، تبين النمذجة الرقمية التي نفذها، أن التفاوتات في تلقي الجرعات المعززة تظهر أيضاً عند مختلف الفئات العمرية. ويبين التحليل نفسه أن أقل من نصف الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 75 سنة ويعيشون في أكثر المناطق حرماناً في إنجلترا، قد تلقوا الجرعة الثالثة من اللقاح، في مقابل حوالى 75 في المئة بالنسبة إلى أقرانهم في المناطق الأقل حرماناً.
وكذلك أفاد ذلك البحث بأنه في الفئة التي تتراوح أعمار أفرادها ما بين 70 و74 سة، تلقى أكثر من 75 في المئة من الأشخاص الذين يعيشون في جميع المناطق ذات التصنيف العشري (صُنفت أحياء إنجلترا البالغ عددها 32844 من الأكثر حرماناً إلى الأقل حرماناً، وقُسمت إلى 10 مجموعات متساوية) الجرعات الثلاث.
واستبعد أنغوس أن يكون تردد البعض في تلقي اللقاحات، هو العامل المحرك الذي يقف خلف المعدلات البطيئة للتطعيم في المجتمعات الفقيرة. ورأى أن إمكان الحصول على وقت للراحة من العمل والإمكانات اللازمة لتلقي التطعيم "من المرجح أن تمثل مشكلة أكبر". وأضاف، "إذا لم تكن لديك سيارة، أو لا تستطيع تحمل تكاليف المواصلات العامة، وإذا كان مركز التلقيح ليس قريباً منك، فسيكون الأمر أكثر صعوبةً بالنسبة إليك".
في سياق متصل، وصف البروفيسور دومينيك هاريسون مدير الصحة العامة في "المجلس المحلي لبلاكبيرن وداروين" Blackburn with Darwen Council، الإقبال على التطعيم بأنه بدا ضعيفاً في المجتمعات ذات الدخل المنخفض في تلك المنطقة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأماكن التي توجد فيها أقليات عرقية كبيرة.
ورأى هاريسون أنه على الرغم من التوجيهات الحكومية الأخيرة بوجوب العمل من المنزل، فمن غير المرجح أن تسهم هذه التوصية في إبطاء انتشار "أوميكرون" في أجزاء من الشمال الغربي للبلاد، حيث لا خيار أمام الناس سوى مواصلة العمل في المكاتب أو المصانع.
وفي المنحى نفسه، أشار البروفيسور هاريسون تحديداً إلى أماكن في منطقة في "بيناين لانكشير"، حيث لا يتمكن من العمل في المنزل سوى "حوالى 20 في المئة" من الأفراد البالغين. وفي المقابل، فإن 73 في المئة من البالغين في منطقة "ريتشموند أبون تيمز" يتمتعون "برفاهية العمل من المنزل".
وأضاف هاريسون، "هنالك مزيد من الأشخاص الذين يعملون على الخطوط الأمامية ويتعرضون للفيروسات المنتشرة في وسائل النقل، وفي مجال إنتاج الأغذية، والخدمات اللوجستية وغيرها، الذين غالباً ما تكون رواتبهم أقل، لكنهم يُبْقون على استمرارية المجتمع".
واستكمالاً، أشار ذلك المسؤول الصحي نفسه إلى أن "حال اللامساواة والظلم العميقة التي جرى التعامل معها منتصف هذا الصيف، سيعود خطرها إلى الظهور في تلك المدن الشمالية. وستكون لديها معدلات إصابة أعلى (بسبب ’أوميكرون‘) لأن لديها عدداً أكبر من الأشخاص على الخطوط الأمامية للعدوى".
في المقابل، لم يحدد المسؤولون بعد كيف يمكن أن تنعكس هذه المعدلات المرتفعة ضغوطاً على مرافق هيئة "الخدمات الصحية الوطنية". ويبدو أن نسبة الحماية من معاناة إصابة حادة بمتحورة "أوميكرون" للأشخاص الذين تلقوا جرعتي لقاح "فايزر"، قد تراجعت من 90 في المئة إلى 70 في المئة.
ومع ذلك، يعرب العلماء عن ثقتهم في أن ثلاث جرعات من أي لقاح، من شأنها أن تساعد في تقوية الدفاعات المناعية، وتعيد الحماية من العدوى والاستشفاء والوفاة، إلى أعلى مستوياتها.
في ذلك المنحى، رأى الدكتور سايمون كلارك الأستاذ المساعد في علم الأحياء الدقيقة والبيولوجيا الجزيئية في "جامعة ريدينغ"، أنه حتى إذا كانت الحماية التي تمنحها اللقاحات في المملكة المتحدة مستمرة، بحيث تؤدي بدلاً من ذلك إلى "حالة من مرض جماعي يتكون من الأشخاص الذين لا يعانون من الإصابة بدرجة تستلزم إدخالهم إلى المستشفى"، فإن هذا الوضع من شأنه أن يتسبب "بإغلاق كبير للخدمات العامة، وتباطؤ على مستوى النشاط الاقتصادي".
من وجهة مختلفة، توقعت أليس وايزمان مديرة الصحة العامة في منطقة غيتسهيد، ألا تتضح "التأثيرات الكاملة" لمتحورة "أوميكرون" داخل المجتمعات، سواء لجهة المجموعات التي تمرض أو مدى مرضها، بالتالي الانعكاس اللاحق على الخدمات الصحية والاقتصادات المحلية، قبل يناير (كانون الثاني) المقبل.
ورأت وايزمان أنه "إذا صمدت اللقاحات على غرار ما فعلته ضد متحورة ‘دلتا‘، فسنكون في وضع حيث يوجد فيه ضغط، لكن ربما يكون ممكناً التعامل معه. أما إذا أفلتت ’أوميكرون‘ من الحماية التي يؤمنها اللقاح إلى حد كبير، فسأكون قلقة مما قد يحدث بعد فترة عيد الميلاد".
يُشار إلى أنه بصورة إجمالية، جرى تحصين حوالى 43 في المئة من سكان المملكة المتحدة. ومع ذلك، فإن أكثر من 6 ملايين شخص في سن الخمسين وما فوق في إنجلترا، لم يتلقوا بعد الجرعة الثالثة، وفق ما تؤكد أحدث البيانات. ويعبر ذلك الرقم عن مجريات الوباء خلال الفترة الزمنية الممتدة حتى الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الجاري. واستطراداً، يُتوقع أن يكون قد انخفض بعد الدفعة الأخيرة التي أعطتها الحكومة للجرعات المعززة.
في المقابل، ثمة قلق في شأن ما ينتظر البلاد بأكملها بأثر من السرعة التي تنتشر فيها هذه السلالة الجديدة من الفيروس عبر لندن، حيث ارتفع معدل دخول المستشفيات الآن في وقت تسجل فيها متحورة "أوميكرون" أعلى مستوياتها.
في سياق متصل، ذكر البروفيسور كريس ويتي كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا، أثناء إحاطة صحافية في مقر رئاسة الوزراء في "داونينغ ستريت" مساء الأربعاء الماضي، أنه "يتعين علينا في الحقيقة أن نكون واقعيين لجهة إمكانية أن تبلغ الأرقام القياسية ذروتها خلال الأسابيع القليلة المقبلة، مع مواصلة معدلات الإصابة ارتفاعها".
وخلص ويتي إلى القول، "إننا نواجه جائحتين، إحداهما فوق الأخرى، وهما وباء ’دلتا‘ المستمر الذي بلغ مرحلة التسطيح [بمعنى ثبات معدلات الإصابة] وفق الرسم البياني، وفوقه وباء ’أوميكرون‘ السريع النمو".
© The Independent