كان أحد أطباء الصحة العامة المتقاعدين يفتش في صناديق قديمة تحتوي على مجموعة من عظام تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، عندما اكتشف نوعاً من الديناصورات لم يعثر عليه سابقاً جاب جزيرة "وايت" Isle of Wight الإنجليزية يوماً، ويرجع الاكتشاف جزئياً إلى الأنف "بصلي الشكل" الاستثنائي الذي تميز به ذلك الحيوان.
خلال القرن الماضي، نسبت أي من عظام ديناصورات "الإغواندون" iguanodon (جنس من الديناصورات الطيرية الورك) المكتشفة في جزيرة "وايت"- علما بأنها واحدة من المناطق الأوروبية الأغنى بأحافير الديناصورات - إلى واحد من نوعين اثنين من هذه الحيوانات المنقرضة.
هكذا، على الرغم من أن تلك الاكتشافات تغطي ملايين السنين من العصر الطباشيري المبكر، افترض أن جميع العظام الأكبر حجماً تنتمي إلى "إغواندون برنيسارتنسيس" Iguanodon bernissartensis أيقونة الديناصورات، بينما نسبت أحافير أكثر ضآلة إلى نوع يسمى "مانتليسوروس أثيرفيلدنسيس"Mantellisaurus atherfieldensis.
لكن جيريمي لوكوود، الذي مارس مهنة الطب مدة 30 سنة، كانت لديه شكوك بشأن هذه الطريقة القديمة المتبعة في تصنيف أحافير الديناصورات.
لوكوود الذي يتابع دراسته حاضراً للحصول على درجة الدكتوراه في علم الأحافير في "جامعة بورتسمأوث" University of Portsmouth البريطانية، ارتأى أن يضع تصنيفاً لكل عظمة من عظام ديناصورات "إيغواندون" التي عثر عليها في جزيرة "وايت" والمحفوظة في "متحف التاريخ الطبيعي" في لندن و"متحف جزيرة الديناصورات" في سانداون.
قال الدكتور لوكوود، إنه كان "مقتنعاً بأن الفروق الدقيقة بين العظام ستكشف عن نوع جديد من الديناصورات، لذا شرعت في قياس الشكل التشريحي لكل عظمة وتصويرها ودراستها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"بناء على خلفيتي في مجال الطب، درست علم التشريح واستوقفتني دوماً حقيقة أن العظام لدى البشر تبدو جميعها متشابهة تماماً. رأيت عظام ديناصورات يقال إنها تعود إلى النوع عينه، لكنني وقفت محتاراً أمام سبب الاختلاف التام فيما بينها".
بعد مضي أربع سنوات من البحث في "صناديق كثيرة من العظام"، قرر الدكتور لوكوود خلال الإغلاق العام جراء جائحة "كورونا" العام الماضي أن يعمل على إعادة تركيب جمجمة لإحدى العينات ما زالت محفوظة منذ عام 1978.
"دهشت إذ لاحظت أن الجهة السفلية من أنفه كان منتفخاً كالبصلة"، قال الدكتور لوكوود موضحاً أن "هذا الاكتشاف رسم أحد أسعد الأيام في الإغلاق لأنه شكل دلالة على وجود أمر مختلف فعلاً بشأن هذا الديناصور تحديداً المكتشف في جزيرة وايت"، وإلى جانب حقيقة أن العينة تحتوي على 28 سناً، في حين أن الديناصورات من نوع "مانتليسوروس" تحمل عادة 23 أو 24 سناً، بدا جلياً نتيجة تلك السمة الأنفية الفريدة وغيرها من اختلافات صغيرة كثيرة أن تلك العينة تعود إلى نوع جديد من الديناصورات"، بحسب ما قال الدكتور لوكوود.
وفي دراسة نشرت في مجلة "جورنال أوف سيستماتيك باليونثولوجي" Journal of Systematic Palaeontology (علم الأحافير المنهجية)، أطلق الدكتور لوكوود الآن على النوع الجديد اسم "برايستونس سيموندسي" Brighstoneous simmondsi تيمناً بقرية "برايستون" Brighstone، القريبة من موقع التنقيب، وتكريماً لهاوي التنقيب عن الأحافير كيث سيموندس، الذي اكتشف العينة في 1978.
وبالإضافة إلى الديناصور آكل الأعشاب "برايستونس"، الذي كان يزن 900 كيلوغراماً، وبلغ طوله نحو ثمانية أمتار، أعلن الباحثون قبل أسابيع قليلة اكتشاف ديناصورين مفترسين ضخمين لم يعرفا سابقاً كانا يعيشان أيضاً في جزيرة "وايت"، كان كلاهما من أكلة اللحوم "سبينوصورات" Spinosaurs، وكل واحد منهما بحجم حافلة مدرسية، وربما عاصرا بعضهما البعض خلال فترة العصر الطباشيري، مع الإشارة إلى أنه في ذلك الوقت كانت جزيرة "وايت" ذات بيئة شبه استوائية، وكانت تقع تقريباً، حيث جبل طارق اليوم.
ونظراً إلى طبيعة اكتشافه، يعتقد الدكتور لوكوود أن الأيام المقبلة ستحمل معها ربما "مزيداً" من الاكتشافات الجديدة.
يبحث الدكتور لوكوود وزملاؤه، كما قال، "في ستة أو ربما سبعة ملايين سنة من بقايا (الديناصورات)، وأعتقد أنه قد بولغ في تقدير أطول أنواع الديناصورات في الماضي. إذا كانت هذه هي الحال في الجزيرة، فقد نشهد اكتشاف أنواع جديدة إضافية. وجود حيوانين متماثلين تماماً لملايين السنين من دون أن يطرأ عليهما أي تغيير يبدو غير وارد تماماً".
ولكن الاكتشاف يستدعي إعادة تقييم إضافية للاكتشافات السابقة التي عثر عليها في جزيرة "وايت"، بحسب ما يوضح الدكتور لوكوود والباحثان المشاركان معه، البروفيسور ديف مارتيل من "جامعة بورتسموث" والدكتورة سوزانا ميدمنت من "متحف التاريخ الطبيعي".
في الواقع، يبدو "مؤكداً أن الديناصورات البريطانية ليست أبداً مجالاً بلغ خواتيمه. أعتقد أننا ربما في صدد ما يبدو نوعاً ما "نهضة" في اكتشافات الديناصورات في بريطانيا، وفق الدكتور لوكوود.
تقارير إضافية من "برس أسوسيشن".
© The Independent