بدأ الحديث في ليبيا يتجاوز الانتخابات إلى ما بعدها، مع تأكد تأجيلها عن موعدها يوم 24 ديسمبر (كانون الأول)، خصوصاً في ما يتعلق بمصير الأجسام السياسية التي تنتهي ولايتها في الموعد نفسه، بحسب الاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة ووقعت عليه أطراف النزاع الليبي.
في موازاة ذلك، واصل مجلس النواب الليبي والمفوضية الانتخابية التنصل من المسؤولية عن إعلان تأجيل الانتخابات الرئاسية بشكل رسمي، وتحديد موعد جديد لها، والكشف عن الأسباب التي أدت إلى فشل تنظيمها في الزمان المحدد لها سابقاً، هذه الانتكاسة والانسداد في المسار السياسي، صاحبتها مخاوف جديدة من انفلات المشهد الأمني في طرابلس، بسبب الاحتقان الذي نجم عن إقالة المجلس الرئاسي لآمر المنطقة العسكرية في العاصمة عبد الباسط مروان، ورفض كيانات سياسية وعسكرية له، وتحذيرها من عواقبه على استقرار المدينة.
من يعلن تأجيل الانتخابات؟
وواصل البرلمان الليبي في طبرق والمفوضية الانتخابية تبادل رمي الكرة، كل في ملعب الآخر، وتنصل كل طرف من مسؤولية إعلان تأجيل الانتخابات الرئاسية، التي كان من المفترض أن تنطلق، الجمعة المقبل، وبات إلغاؤها واقعاً لا مفرّ منه، وكانت اللجنة البرلمانية المكلفة بالتواصل مع المفوضية الانتخابية لبحث العوائق التي تعترض العملية الانتخابية، أعلنت صراحة بعد نهاية أعمالها، أن "إجراء الانتخابات في موعدها بات أمراً مستحيلاً".
وصرح رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح أن "المفوضية ليست لديها أي مشكلة فنية في إجراء الانتخابات بموعدها"، وأضاف أنه "في حال تأجيل الانتخابات، فإن مجلس النواب هو من يعلن ذلك، وليس من اختصاصنا الإعلان عن التأجيل، ومن أصدر أمر التنفيذ هو من يصدر أمر الإيقاف، وهو من قرر يوم الاقتراع، فما بالك بقرار التأجيل".
في المقابل، قال عضو مجلس النواب عيسى العريبي، إن "مجلس النواب سيعقد جلسة يوم 27 ديسمبر الجاري، لمناقشة أسباب تعثر الانتخابات والبدائل في المرحلة المقبلة"، وأشار إلى أن "مجلس النواب غير معني بتأجيل الانتخابات، وأدى مهامه بإصدار القوانين والتشريعات وإحالتها إلى المفوضية العليا للانتخابات، وعليها تحمل مسؤولياتها ".
واتفق النائب صالح أفحيمة، مع ما ذهب إليه زميله عيسى العريبي، قائلاً إن "لجنة التوافقات المنبثقة من ملتقى الحوار السياسي بالتعاون مع البعثة الأممية، هما من حددا موعد 24 ديسمبر لإجراء الانتخابات، بعد أن ضمنت المفوضية العليا للانتخابات مقدرتها على إجرائها في هذا التاريخ، بالتالي فهي من يجب أن تعلن عدم قدرتها على القيام بمهامها"، وأكد أفحيمة أن "البرلمان لن يعلن تأجيل الانتخابات، بل سيجتمع ليعلن تعذر إجرائها لليبيين، بناء على التقارير الواردة من المفوضية والجهات المعنية، إضافة إلى الإعلان عن حزمة إجراءات سيتم الإفصاح عنها في حينها".
خريطة طريق جديدة
ومع تأكد تأجيل الانتخابات، انشغل الوسط السياسي بنقاش البدائل للعملية الانتخابية، وطرح الأسئلة حول مصير الأجسام التي أنشئت بموجب خريطة الطريق التي رعتها الأمم المتحدة، وحددت فترتها الزمنية بنهاية العام الحالي، وشدد عضو ملتقى الحوار السياسي، عبد الرحمن العبار، على أن "كل الأجسام السياسية التي انبثقت من خريطة الطريق تعد منتهية بنهاية العام الحالي"، وأشار إلى أن "خريطة الطريق عندما حددت موعداً لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لإنهاء المراحل الانتقالية، فذلك يعني أنه بعد هذا التاريخ، تعتبر الأجسام السياسية القائمة، والتي تعتبر السبب الأساس في تأخير إنهاء الأزمة، منتهية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الأثناء، تشير كل التصريحات والتسريبات من داخل البيت البرلماني الليبي إلى توجه مجلس النواب لتشكيل حكومة جديدة مصغرة لتسيير الأعمال في البلاد، بدلاً من الحكومة الموحدة التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وقال رئيس لجنة متابعة سير العملية الانتخابية بمجلس النواب الهادي الصغير، إن "البرلمان سيعقد جلسة في 27 ديسمبر الجاري، برئاسة عقيلة صالح، ستخصص لاختيار حكومة جديدة لتسيير الأعمال"، بينما أكد عضو مجلس النواب، زياد دغيم، أن "أي تغيير في السلطة التنفيذية بحاجة إلى توافق كبير بين الأطياف السياسية الليبية، فضلاً عن مجلس النواب"، معتبراً أن "تغيير السلطة التنفيذية في ليبيا يحتاج لبعض الوقت، وهناك مداولات وحوارات كثيرة تدور حول هذا الأمر، سواء داخل الحكومة أو مجلس النواب".
رفض تسليم السلطة
ويتوقع كثيرون من المراقبين والمهتمين بالشأن السياسي الليبي، أن يواجه قرار البرلمان تشكيل حكومة جديدة لإدارة البلاد برفض من الحكومة الحالية والتيارات السياسية الموالية لها، في الغرب الليبي، وهو ما بدأ يتأكد بتصريحات لبعض المقربين منها في مصراتة وطرابلس، ودعا الناشط السياسي من مصراتة، بشير السويحلي، إلى "استمرار السلطة التنفيذية من دون تغيير بعد 24 ديسمبر". وقال "لا يمكن قبول أي تغيير حالياً في السلطة التنفيذية ودخول مرحلة انتقالية خامسة قبل إجراء الانتخابات"، وتابع "إذا كان هناك أي أجسام تنتهي صلاحيتها حالياً، فهما البرلمان ومجلس الدولة، اللذان يستمران في محاولة عقد صفقات جديدة للاستمرار في السلطة".
وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية المكلف رمضان أبو جناح، قد صرح قبل أيام قليلة، أن "حكومة الوحدة لن تسلم مهماتها إلا إلى السلطة التي تفرزها الانتخابات"، مشدداً على ضرورة أن "تتم المحافظة على ما تحقق من استقرار عبر العملية الانتخابية".
البعثة ترفض التدخل
ومع وصول الانتخابات الليبية إلى طريق مسدود، كان الجميع في حال ترقب لموقف البعثة الأممية من المخاطر التي تواجه خريطة الطريق التي أشرفت عليها، وحددت من خلالها موعد الانتخابات، لكنها أبدت رفضها التدخل لإنقاذ المسار الانتخابي.
وفند المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، جان العلم، "كل ما يتم تداوله من تصريحات منسوبة لمستشارة الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفاني وليامز، بشأن خريطة طريق جديدة تتعلق بالانتخابات"، واعتبر العلم أن "أي قرار يتعلق بالانتخابات يعود إلى الليبيين فقط، وأن مهمة وليامز قيادة جهود الوساطة بين الليبيين لمساعدتهم على تنفيذ مسارات الحوار الثلاثة المنبثقة من مؤتمر برلين، ومن بين هذه المسارات مسار دعم الانتخابات لا تقريرها".
غليان في العاصمة
بعيداً من الحدث الانتخابي، تواصل الاضطراب والتوتر الأمني في طرابلس، بشأن قرار رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، إقالة آمر المنطقة العسكرية طرابلس، عبد الباسط مروان، ودانت بلديات أبو سليم وسوق الجمعة وحي الأندلس وعين زارة وطرابلس المركز، في بيان مشترك، القرار الذي وصفته بـ "العبثي"، مشيرة إلى أنه "فاقم الوضع، وساهم في الإخلال بمعايير الأمن في العاصمة طرابلس"، وحملت البلديات "المجلس الرئاسي التبعات القانونية للقرار الذي صدر في وقت حساس"، معتبرة أن "أمن العاصمة خط أحمر، يفترض أن يكون من أولويات حكومة الوحدة والمجلس الرئاسي ".
وكان المجلس الرئاسي أصدر قراراً بإعفاء عبد الباسط مروان، من منصبه آمراً لمنطقة طرابلس العسكرية، وعيّن العميد عبد القادر خليفة بدلاً منه، بحكم صلاحياته كقائد أعلى للجيش الليبي، لكن القرار قوبل برفض كثير من التشكيلات المسلحة، التي يحاصر جزء منها مبنيي الحكومة والمجلس الرئاسي منذ أيام عدة.