بعد إعلان رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيد نيته تغيير دستور 2014، وككل خطوة يخطوها، انقسم المهتمون بالشأن السياسي في البلاد بين رافض يعتبر أن التغيير رأي فردي وفرض للأمر الواقع، وبين موافق يعتقد أن تعديل الدستور، بخاصة تغيير النظام السياسي والانتخابي أمر لا بد منه لفرض الاستقرار السياسي، وبين من يرى أن ما يدعو إليه سعيد خطوة ضرورية تستوجب الوضوح والتوافق بين الأطراف السياسية التونسية المدنية في البلاد.
ففي إطار المطالب المحلية والدولية بضرورة وضع خريطة طريق لإنهاء "التدابير الاستثنائية" التي أقال بموجبها الحكومة وجمّد أعمال مجلس النواب، أعلن سعيد في 13 ديسمبر (كانون الأول) الحالي تنظيم استفتاء وطني حول إصلاحات دستورية في 25 يوليو (تموز) المقبل، إضافة إلى إجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر 2022. كما كشف عن تنظيم مشاورات "شعبية" عبر الإنترنت بداية من يناير (كانون الثاني) المقبل بشأن الإصلاحات التي يجب إدخالها على النظام السياسي القائم في البلاد وأيضاً على النظام الانتخابي قبل الشروع في الانتخابات.
نظام ذو رأسين
يقول أمين عام تيار الشعب، الحزب المساند لرئيس الجمهورية زهير مغزاوي إن "البلاد تعيش أزمة متعددة الأبعاد وإحدى أهم الأزمات هي الدستورية"، ويوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "أكبر معضلة عرفتها تونس منذ 10 أعوام، نظام الحكم ذو الرأسين في السلطة التنفيذية، الذي لم يسمح بالاستقرار السياسي خلال الأعوام الأخيرة، والصراعات بين رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات الذين حكموا البلاد بعد الثورة أبرز دليل على فشل هذا النظام السياسي الهجين". ويذهب إلى أن "الإصلاحات الدستورية في هذا الباب أصبحت ملحة وضرورية لتكون في تونس سلطة تنفيذية برأس واحد".
من جهة أخرى، يرى أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار "بخصوص التعديل أو وضع دستور جديد للبلاد، فإن نية رئيس الجمهورية غير واضحة بشأن الفصل 22 من الأمر 117"، ويوضح في تصريح خاص، "لا نعلم حجم الإصلاحات، ولا خلفياتها، ولا أبعادها، ولا طريقتها ولا طريقة المصادقة عليها، وأيضاً لا نعلم كيف ستتم لا الاستشارة ولا الاستفتاء المطروح؟"، موضحاً في السياق ذاته "الإطار القانوني الحالي لا يستوعب المشروع ولا إجراءات رئيس الجمهورية الذي ذكرها في خطابه الأخير بشأن الإصلاحات الرئيسة". يتابع، "هذه الإصلاحات، بعضها ذو أبعاد تشريعية وأخرى دستورية، واليوم لا تتوافر شروط تعديل الدستور بالمعنى الدستوري" معتقداً، "حتى التدابير الاستثنائية لا تسمح بإدخال تعديلات دستورية، نظراً إلى تجارب عدة مقارنة بالعالم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح، "نحن أمام معضلة دستورية، فالتعديل ضروري ولكن لا الزمن ولا الطريقة تسمح، فتعديل الدساتير يتطلب زمناً سياسياً هادئاً وإطاراً دستورياً واضحاً". وفي تقديره يرى أن "التعديل الذي يريده الرئيس جاء في توقيت سيّء والحل هو المقاربة التشاركية والتوافق من خلال حوار موسع بين الطبقة السياسية والمدنية في تونس"، معتقداً أن "هذه التعديلات فردية وفرضت خريطة سياسية بلا سياسيين ولا سياسة". ويرى المختار أنه "لا يذهب في خيار التأسيس، لأن الوقت والوضع لا يسمحان، نحن لا نحتاج دستوراً جديداً بل فقط تعديلات تخص نظام الحكم والنظام الانتخابي ونلتفت إلى مشكلاتنا الحقيقية وهي اقتصادية واجتماعية بامتياز".
دولة القانون
واعتبر أحمد محفوظ، أحد أعضاء لجنة الخبراء من أساتذة القانون الدستوري المقربين من قيس سعيد في تصريح إعلامي أن ''الجرائم الانتخابية المرصودة في تقرير محكمة المحاسبات أفرزت نظاماً بعيداً كل البعد من الديمقراطية".
أما في خصوص التوافق والحوار حول التعديلات، فقال إنه "في حال شاركت الأطراف ذاتها المسؤولة عن العشرية السابقة في بناء المرحلة الجديدة، ستحصل على النتيجة نفسها ولن نذهب بعيداً"، وفي ما يخص دورهم في الإصلاحات، قال إن ''دور اللجنة ليس الإصلاحات الدستورية فقط، بل مراجعة كل ما يتعلق بالمناخ السياسي في تونس". وأوضح "ووفقاً للإجراءات التي أعلنها رئيس الجمهورية، سيتم إصلاح القانون الانتخابي وقانون الأحزاب وسبر الآراء بمراسيم وباستشارة لجنة الخبراء التي ستُشكّل". وتابع أن "رئيس الجمهورية قال إن الدولة لا دين لها''، وهذا ما سيتم البناء عليه في الدستور الجديد حتى تكون دولة القانون والمؤسسات".