في وقت وصل فيه أحد مقاييس التضخم الرئيسة إلى أعلى مستوى في أربعة عقود تقريباً، إلا أن الأميركيون يشعرون بمزيد من التفاؤل في شأن الانتعاش الذي استمر في قوته حتى الشهر الأخير من العام، وهذه أخبار جيدة للعام الجديد أيضاً.
في الوقت ذاته، لا تزال الأسعار مرتفعة بنسب قياسية في الولايات المتحدة، ولا يُظهر التضخم أي علامة على التباطؤ في أي وقت قريب. وفي بيان حديث، ذكر مكتب التحليل الاقتصادي، أن مقياساً رئيساً للتضخم في الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 5.7 في المئة خلال الاثني عشر شهراً المنتهية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وكانت هذه أسرع زيادة في مؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاكي منذ يوليو (تموز) 1982.
ويرصد الاقتصاديون مقاييس التضخم المتعددة كل شهر، ولكن ما يسمى بـ "تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي" هو المقياس المفضل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي ويبلغ قرارات سياسة البنك المركزي. وبعد استبعاد أسعار الطاقة والغذاء، وكلاهما قفز خلال الفترة الماضية، ارتفع مؤشر الأسعار بنسبة 4.7 في المئة، وهي أكبر زيادة منذ سبتمبر (أيلول) من عام 1983.
خيبة أمل بسبب موجة التضخم
وبالنسبة لأي شخص يأمل في إنهاء الارتفاع الباهظ في الأسعار قبل نهاية العام، كان ذلك بمثابة خيبة أمل، لكنها يمكن أن تكون الذروة، حيث قال مايك إنجلوند، كبير الاقتصاديين في "أكشن إيكونوميكس"، "نعتقد أن الأرقام الرئيسة لشهري نوفمبر وديسمبر ستكون بمثابة القمة في ظل تراجع متواضع في أسعار الطاقة مع بداية العام".
وبالفعل، ارتفعت الأسعار بوتيرة أبطأ قليلاً في نوفمبر الماضي، بعدما صعدت بنسبة 0.6 في المئة مقارنةً مع 0.7 في المئة خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول). وباستثناء أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المئة دون تغيير عن الشهر السابق.
ويتوقع إنجلوند أن يصل مؤشر الأسعار الأساسية المزعوم إلى ذروته في فبراير (شباط) المقبل، وذلك بالنظر إلى مقارنات عام 2020 التي تُظهر تسارعاً كبيراً في ارتفاع الأسعار الأساسية بدءاً من مارس (آذار) الماضي.
كما ارتفعت المداخيل الأميركية خلال الشهر الماضي، ولكن ليس بالسرعة نفسها التي ارتفعت بها الأسعار. وتشير البيانات الرسمية، إلى ارتفاع إجمالي الدخل بنسبة 0.4 في المئة، بما يعادل نحو 90.4 مليار دولار، أي أقل بقليل مما كان عليه في أكتوبر، بينما زاد الدخل المتاح أيضاً بنسبة 0.4 في المئة خلال الشهر الماضي، وهو ما يعادل نحو 70.4 مليار دولار. لكن الإنفاق الاستهلاكي تجاوز مقياسَي الدخل كليهما، حيث ارتفع بنسبة 0.6 في المئة، أو ما يعادل نحو 104.7 مليار دولار، عندما كان الناس مشغولين بالتسوق لقضاء العطلات. ومع ذلك، فإن معظم الزيادة ترجع إلى زيادة الإنفاق على الخدمات، لا سيما الإسكان والمرافق. ولذلك، انخفض معدل الادخار الشخصي إلى 6.9 في المئة، بانخفاض طفيف عن الشهر السابق.
الأسعار مرتفعة لكن هناك تفاؤل
وعلى الرغم من أن التضخم المرتفع في حقبة الوباء يلقي بثقله على مستويات المعيشة مع موجة ارتفاعات الأسعار، إلا أن الأميركيين يبدون تفاؤلاً في شأن مسار الانتعاش العام المقبل، وفق ما ذكره مسح معنويات المستهلك في جامعة ميشيغان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فقد استقر مؤشر المعنويات عند 70.6 نقطة في ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وهو أعلى بقليل من توقعات الاقتصاديين خلال نوفمبر الماضي.
وقال ريتشارد كيرتن، كبير الاقتصاديين في استطلاعات المستهلكين، إن الزيادة كانت في جزء كبير منها بسبب ارتفاع الدخل للأسر ذات الدخل المنخفض. وأضاف "توقع الثلث الأدنى من توزيع الدخل، ارتفاع مداخيلهم خلال العام المقبل بنسبة 2.8 في المئة، مقارنة مع 1.8 في المئة خلال ديسمبر 2020، وأعلى مستوى منذ تسجيل 2.9 في المئة خلال عام 1999".
في الوقت نفسه، ارتفع مقياس ثقة المستهلك إلى 115.8 نقطة في ديسمبر الحالي، وهو أكثر مما توقعه الاقتصاديون ويتجاوز مستوى نوفمبر الماضي. وتراجعت بعض المخاوف في شأن التضخم المرتفع، كما تراجعت المخاوف في شأن الوباء، على الرغم من ارتفاع الحالات واكتشاف متحورة "أوميكرون" شديدة العدوى.
وعلى الرغم من أن مشاعر الأميركيين لم تتغير إلى حد ما بشأن الوضع الحالي للاقتصاد، إلا أن التوقعات في شأن آفاق النمو على المدى القصير تحسنت. وصرح لين فرانكو، كبير مديري المؤشرات الاقتصادية في "ذا كونفرنس بورد"، أن "نسبة المستهلكين الذين يخططون لشراء المنازل والسيارات والأجهزة الرئيسة والإجازات خلال الأشهر الستة المقبلة، زادت".
وقال توماس سيمونز، وهو باحث اقتصادي في سوق المال في "جيفريس"، "إن قلق المستهلكين تجاه التضخم تخففه إلى حد ما توقعات الدخل القوية. لكننا لم نخرج من مرحلة الخطر عندما يتعلق الأمر بالديناميكيات التي جعلت المستهلكين قلقين هذا العام. وبالنظر إلى عام 2022، ستستمر الثقة وإنفاق المستهلكين في مواجهة رياح معاكسة من ارتفاع الأسعار والزيادة المتوقعة لتفشي الوباء في فصل الشتاء".
أداء أفضل من التوقعات
وتشير البيانات إلى أن أداء الاقتصاد الأميركي جاء أفضل قليلاً مما كان متوقعاً في الصيف، حيث تم تعديل الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وهو أوسع مقياس للنشاط الاقتصادي، بالزيادة في الربع الثالث من العام الحالي.
ووفقاً لبيانات حديثة صادرة عن مكتب التحليل الاقتصادي، توسع الاقتصاد الأميركي بمعدل سنوي قدره 2.3 في المئة بين يوليو، وسبتمبر الماضيين، وكانت بوتيرة أسرع قليلاً من 2.1 في المئة المذكورة سابقاً. وجاءت المراجعة على خلفية الإنفاق الاستهلاكي القوي قليلاً والاستثمار في المخزون.
ومع ذلك، كان لا يزال يمثل تباطؤاً عن التوسع السنوي بنسبة 6.7 في المئة خلال الربع الثاني. وكان الانخفاض، بسبب أن الناس ينفقون أقل بكثير مما أنفقوه في الربيع عندما دفعت الجولة الأخيرة من التحفيز المواطنين الأميركيين إلى التسوق.
وخلال موسم الصيف الماضي، واجه الانتعاش بعض العقبات حيث أعاقت المتحورة من فيروس كورونا "دلتا" استئناف النشاط الاقتصادي، ودفعت المستهلكين إلى تعديل سلوكهم. ومما زاد الطين بلة، أن أزمة سلسلة التوريد أعاقت الانتعاش. لكن الاقتصاديين يأملون في تسريع الانتعاش مرة أخرى في الربع الأخير من العام. حيث يتوقع بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا أن الاقتصاد سيتوسع بمعدل سنوي قدره 7.2 في المئة بين أكتوبر وديسمبر الحالي، وفقاً لتحديث الأسبوع الماضي لنموذج الناتج المحلي الإجمالي.