أثارت السفيرة البريطانية لدى ليبيا كارولين هورندال حفيظة قطاع واسع من الليبيين بعد تصريح طالبت فيه باستمرار حكومة الوحدة الحالية في أداء مهامها حتى موعد الانتخابات الجديد، إثر تواتر أنباء عن رغبة مجلس النواب تسمية حكومة جديدة مصغرة لتصريف الأعمال في البلاد. واعتبرت تصريحات السفيرة البريطانية تدخلاً غير مقبول في شأن داخلي صرف، وتجاوزاً صريحاً للأعراف الدبلوماسية، وقوبلت بردود فعل غاضبة وصلت حد المطالبة بإخراجها من طرابلس.
لندن تدعم بقاء الحكومة
وبدأت الأزمة بنشر السفارة البريطانية في ليبيا، الجمعة الماضية، تغريدة مثيرة للجدل أعلنت فيها على لسان هورندال، أن "المملكة المتحدة ستواصل الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية كسلطة مكلفة قيادة ليبيا إلى الانتخابات، وأنها لا تؤيد إنشاء حكومات أو مؤسسات موازية".
وقالت السفارة، إن "المملكة المتحدة تدعم بقوة العملية الانتخابية بقيادة وملكية ليبية، وتدعم عمل المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفاني وليامز".
وأضافت "يجب أن نحافظ ونبني على التقدم نحو السلام والاستقرار الذي تم تحقيقه من خلال اتفاقية وقف إطلاق النار عام 2020، وخريطة الطريق التي تم إقرارها في منتدى الحوار السياسي الليبي". وخلصت إلى أنه "وفقاً لخريطة طريق ملتقى الحوار السياسي والاتفاق الليبي، ستواصل المملكة المتحدة، الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية كسلطة مكلفة قيادة ليبيا إلى الانتخابات، ولا تؤيد إنشاء حكومات أو مؤسسات موازية".
البرلمان يستنكر البيان
وفي أبرز رد رسمي على بيان السفارة البريطانية الداعم لاستمرار الحكومة الحالية في منصبها، أعربت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، عن "استنكارها لبيان سفارة المملكة المتحدة في ليبيا".
واعتبرت اللجنة، البيان البريطاني "تدخلاً غير مقبول في الشأن الداخلي الليبي، وانتهاكاً للأعراف الدبلوماسية، وتسبب باستياء شعبي في جميع أنحاء البلاد". وأكدت "حرص مجلس النواب على الوفاء لتطلعات الشعب الليبي في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب وقت ممكن، وحلحلة العراقيل التي تعيق ذلك"، وشددت على أن "خيار اختيار حكومة جديدة، أو الإبقاء على الحالية من اختصاصات مجلس النواب، وعلى الجميع احترام قواعد الحكم الديمقراطي، ونرحب بالعمل مع جميع الشركاء الدوليين الداعمين لاستقرار ليبيا، بشرط احترام السلطات الشرعية في البلاد".
انتقادات لاذعة
أشعل بيان السفارة البريطانية غضباً كبيراً في ليبيا، إذ أطلق عدد من الصحافيين والسياسيين والنشطاء الليبيين، هاشتاغ "طرد السفير البريطاني من ليبيا" على "تويتر" رداً على البيان الذي يتمسك باستمرار الحكومة المنتهية ولايتها يوم 24 ديسمبر(كانون الأول) الحالي، معتبرين إياه "انتهاكاً للسيادة الليبية وعرقلةً لخريطة الطريق".
في السياق، انتقد المحلل السياسي عبد الحكيم فنوش، تصريحات السفيرة البريطانية، كارولين هوريندال، حول ذكرى الاستقلال، واصفاً إياه بـ"التصريح الذي يتضمن استخفافاً بكل الليبيين". وقال، "في يوم الاستقلال تستخف السفيرة الإنجليزية بنا، من خلال تهنئتها، لتقول عن أي استقلال تتحدثون؟ فأنا من يملي عليكم ما تفعلون وأنصب عليكم من تريدون، ومن لا تريدون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودان عضو مجلس النواب عبد الوهاب زوليه، تصريح السفارة البريطانية في ليبيا، بشأن عدم اعترافها إلا بحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة حتى إجراء انتخابات رئاسية، واصفاً ذلك بـ"التدخل السافر في الشأن الليبي، وغير المنطقي". وأشار، إلى أن هذا "التدخل المتكرر من عديد من الدول في الشأن الليبي، يؤكد أن لها مصالح مرتبطة مع أشخاص بعينهم". وحذر من أن "هذه التدخلات تزيد من حدة الخلافات، وتؤثر سلباً في المشهد السياسي وتعطل أو تسعى لتعطيل التسوية السياسية".
خطر الانقسام المؤسساتي
وعلى الرغم من الغضب الكبير الذي قوبلت به تصريحات السفيرة البريطانية في طرابلس، فإن شخصيات سياسية دعمت الدعوة التي تضمنتها بعدم المساس بالحكومة الحالية، لتجنب العودة إلى مرحلة الانقسام السياسي، التي عاشتها ليبيا في فترات سابقة، على مدى السنوات الماضية.
وقال عضو مجلس الدولة محمد معزب، إن "ستيفاني وليامز دعت لجنة الحوار السياسي لاجتماع افتراضي، وطالب بعض أعضاء مجلس النواب بتغيير الحكومة، لكنها رفضت ذلك، وقالت إن تغيير الحكومة يحتاج لأصوات 120 نائباً ومشاورات وتفاهمات مع مجلس الدولة، بحسب نص الاتفاق السياسي".
وذكر، "المشكلة أن رئاسة مجلس النواب مصرة أنها السلطة التشريعية الوحيدة المخولة بتشكيل الحكومة"، ورأى أن "تشكيل حكومة جديدة الآن، مؤشر على عدم الرغبة بإجراء انتخابات، والمنطق يفرض استمرار الحكومة لحين إنهاء العملية الانتخابية".
من جانبه، حذر عضو مجلس الدولة الاستشاري عادل كرموس، من أن "المساس بحكومة الوحدة الوطنية سيعيد ليبيا إلى الانقسامات والتوترات السياسية، وأشار إلى وجود "تأكيدات دولية بعدم المساس بها".
تغيير في ظرف حرج
واتفق عضو مجلس النواب عصام الجهاني مع الآراء التي تحذر من تداعيات إسقاط الحكومة الحالية في هذا التوقيت الحساس الذي تمر به ليبيا، مؤكداً "وجود مشاورات فعلية تجرى بشأن تشكيل حكومة جديدة، إلا أنها يمكن أن تعيد المشهد إلى الانقسام المؤسساتي من جديد". وأشار إلى "احتمالية الإعلان عن الحكومة الجديدة خلال فترة قريبة، إلا أنها قد ترفض من بعض الأطراف في طرابلس".
تغيير مخالف لخريطة الطريق
في المقابل، اعتبر المجلس الرئاسي محاولات استبدال السلطات التنفيذية الحالية مخالفة لخريطة الطريق والاتفاق السياسي، وأكدت المتحدثة باسم المجلس نجوى وهيبة، أن "السلطة التنفيذية الحالية لم تستكمل أجلها الأقصى بعد وهو 18 شهراً، بحسب المادة الثالثة من خريطة الطريق". وقالت إن "هذا الأمر متسق مع بيان الاتحاد الأوروبي، وبيان الدول الخمس اللذين صدرا الجمعة، ودعيا إلى مواصلة الأجسام السياسية الحالية عملها، وعدم عودة المترشحين لمناصبهم".
وأوضحت أن "المجلس الرئاسي يأمل أن تتعامل السلطة التشريعية بشكل جدي وتوافقي مع أسباب تأجيل الانتخابات والعوائق أمامها، لضمان إجرائها في أقرب وقت ممكن". وقالت إن "المجلس الرئاسي يجدد تأكيد استعداده لتسليم مهامه للسلطة المقبلة المنتخبة".
استقلال منقوص
هذا الجدل الذي فتحت به السفارة البريطانية مجدداً ملف التدخلات الخارجية في الشأن السياسي الليبي، وتزامن مع ذكرى استقلال البلاد، اعتبره مندوب ليبيا السابق في الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي دليلاً على أن "الاستقلال أصبح منقوصاً بحكم وجود القوات الأجنبية والمرتزقة وعملاء المخابرات الأجنبية في كل مكان"، معرباً عن أمله في أن "يستيقظ ضمير المعنيين ويقوموا بما يلزم لتنظيم الانتخابات في 24 يناير (كانون الثاني)، كما اقترحت المفوضية العليا للانتخابات". وأشار إلى أن "ليبيا بأشد الحاجة إلى انتخابات تفرز سلطات تنفيذية وتشريعية كاملة الشرعية، تستعيد هيبة الدولة وسيادتها واستقلالها، وتخلصها من كل وجود عسكري وسياسي أجنبي".
وأضاف، أن "الظروف الراهنة أدخلت الليبيين في دوامة لا يعرفون معها أيحتفلون أم يندبون حظهم العاثر الذي يقودهم من سيء إلى أسوأ، فلا السلطة لديها إحساس بالمسؤولية حيال الشعب، ولا الشعب قادر على أن يتصرف حيال السلطة".