رجّحت نمذجةٌ للوضع الوبائي في المملكة المتّحدة، أن تشهد المستشفيات البريطانية حالاتٍ مرَضية بين طواقمها الصحّية، قد تصل إلى مرض فردٍ من كلّ 6 أطبّاء وممرّضات على امتداد العام 2022، مع مضاعفة موجة تفشّي متحوّرة "أوميكرون"، معدّلات الإرهاق والتوتر والقلق لدى موظّفي مرافق "خدمات الصحة الوطنية" (أن أتش أس) NHS.
الأيام التي شهدت أرقاماً قياسية من حيث الإصابات بفيروس "كوفيد" - مع تسجيل 119789 اختباراً إيجابياً أكّدت التقاط أصحابها العدوى في ليلة عيد الميلاد - تسبّبت في زيادة عدد الحالات التي استدعت الدخول إلى المستشفيات خلال الأسابيع الأخيرة، فيما ارتفع معدّل المرض بين العاملين الصحيّين، بحيث بلغت نسبة التغيّب في مستشفيات "خدمات الصحة الوطنية"، 12 في المئة الأسبوع الماضي.
لكن التحليل الذي أجرته "جامعة لندن ساوث بانك" London South Bank University يُظهر أنه حتى بعد هذا الارتفاع الحاد في فيروس "كوفيد"، يمكن لمرافق "خدمات الصحة" أن تعاني من معدّلات تغيّب قد تصل إلى 17 في المئة - أي نحو 3 أضعاف المستوى الأعلى الذي تمّ تسجيله بعد الموجات السابقة من الوباء - وذلك نتيجة الإنهاك ومرض "كوفيد" طويل الأمد. يُضاف ذلك إلى واقع وجود عددٍ كبيرٍ من الشواغر في وظائف الخطوط الأمامية.
البروفيسورة أليسون ليري التي أجرى فريقها النمذجة بطلبٍ من عددٍ من المؤسّسات الاستشفائية التابعة لهيئة "خدمات الصحة الوطنية" وجمعيّاتٍ خيرية ومنظّماتٍ مهنية، قالت إن "من المرجّح أن تنعكس تأثيرات وباء "كوفيد" على القوّة العاملة، وعلى قدرتها على تقديم الرعاية على المدى الطويل، وليس فقط خلال طفرات الفيروس. فقد دخلنا مرحلة الوباء في وقتٍ نعاني من عجزٍ في أعداد القوى العاملة، ما يحتّم علينا العمل على تعزيز الموارد لاستقطاب أعدادٍ إضافية، والتعامل مع مشكلاتٍ طويلة الأمد".
وقد بلغت معدّلات غياب العاملين في مستشفيات "خدمات الصحة الوطنية" بشكلٍ عام خلال الوباء ذروتها بعد كلّ موجة، ووصلت إلى أعلى نقطةٍ لها في شهر أبريل (نيسان) 2020، بحيث سجّلت 6.2 في المئة وفقاً للبيانات الصادرة حتى شهر يوليو (تموز) 2021. وكان متوسّط ما قبل الجائحة قرابة 5 في المئة. وأظهرت البيانات أن السبب الأكثر شيوعاً لتغيّب الموظّفين كان مرتبطاً بعاملي القلق والتوتر اللذين أدّيا إلى نحو 30 في المئة من حالات التغيّب في يوليو 2021.
وتقدّر النمذجة التي أجرتها البروفيسورة ليري وفريقها، أن تصل معدّلات التغيّب بداعي المرض في لندن خلال الموجة الراهنة للفيروس، إلى 40 في المئة، فيما توقّعت المستشفيات في مختلف أنحاء البلاد أن تصل معدّلات الغياب المرَضي إلى ما بين 30 و35 في المئة.
الموظّفون في جميع أنحاء المملكة المتّحدة أعربوا عن قلقهم من الضغط المستمر، فيما قال أحد الاستشاريّين الطبيّين إن "عاملين في مجال الرعاية الصحّية يجهشون بالبكاء كلّ مرّة يقومون فيها بنوبة عمل".
كريس هوبسون الرئيس التنفيذي لـ"أن أتش أس بروفايدرز" NHS Providers، الهيئة التي تمثّل جميع مؤسّسات الاستشفاء والإسعاف التابعة لـ "خدمات الصحة الوطنية" في إنجلترا، أكّد أن "القوى العاملة في "خدمات الصحة" تعرّضت لضغوطٍ جسدية ونفسية وعاطفية شديدة الأثر أثناء فترة الوباء".
وأضاف: "كان القيّمون على المستشفيات يثيرون بشكلٍ منتظم مخاوف في شأن الإرهاق الذي تتعرّض له القوى العاملة في مرافق "خدمات الصحة الوطنية". وقد تبيّن من خلال الاستطلاع الذي أجريناه على مستوى قادة المؤسّسات الاستشفائية، أن 99 في المئة منهم أعربوا عن القلق من المستويات الراهنة للإنهاك في صفوف القوى العاملة".
أحد ممرّضي وحدة العناية المركّزة، الذي كان ضمن فريق "مستشفى ميدلاندز"، أكّد لـ"اندبندنت" أنه قرّر ترك وظيفته بعد تفشّي متحوّرة "دلتا"، لأن عمله أصبح بمثابة "كابوس دائم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف: "كان كلّ يوم جديد يشكّل مصدر رعب وقلق بالغ بالنسبة إليّ. وأعني ذلك بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي أن الأمر كان مروّعاً حقاً، بحيث كان يتعيّن علينا الذهاب إلى العمل على مضض، نتيجة ذلك. إلا أنه كان يجب أن نحاول بذل أقصى جهودنا واستجماع كلّ شجاعتنا بطريقةٍ ما، لأن زملاءنا يعتمدون علينا".
ويتابع قائلاً: "يتعيّن علينا خوض غمار هذه البيئة، والمضي قدماً في العمل، وبذل قصارى جهدنا، بحيث يتكرّر هذا الوضع يوماً بعد يوم إلى ما لا نهاية. ويبدو أنه لا يوجد أيّ ضوءٍ في الأفق أو أيّ فترة راحة. فأدركتُ أن الكيل قد طفح لدي، إذ تحمّلتُ ما فيه الكفاية، ولم يعد بإمكاني معاناة المزيد بعد الآن. أيقنتُ في وقفة تأمّلية مع نفسي، أن هناك فراغاً في داخلي. فقد استنفدتُ كلّ ذرّة من طاقتي".
واستناداً إلى أحدث البيانات الصادرة عن "المكتب الوطني للإحصاءات" فإن ما يُقدّر بنحو 40 ألف عامل في مجال الرعاية الصحّية - أي ما يزيد قليلاً على 3 في المئة - كانوا يعانون في شهر ديسمبر (كانون الأول) من الأعراض طويلة الأمد لعدوى "كوفيد"، بارتفاع من نحو 5 آلاف في شهر يوليو (تموز) الفائت.
الدكتورة إيلين ماكسويل المستشارة العلمية السابقة لـ"المعهد الوطني لبحوث الصحة" National Institute for Health Research، رأت أنه استناداً إلى المسار الراهن، "فإنني أعتقد أن من المحتمل جدّاً أن نشهد المزيد من حالات الأشخاص المصابين بمرض "كوفيد" طويل الأمد لفترة عام، مع بلوغ إصابات الشتاء الماضي مرحلة النضوج. وأعتقد أنه يمكننا بسهولة توقّع إصابة 50 ألف موظّف من العاملين في "خدمات الصحة الوطنية، بأعراض كوفيد طويلة الأمد".
ونبّهت المستشارة العلمية السابقة إلى أن سياسات "خدمات الصحة الوطنية" لم تقدّم الدعم للموظّفين الذين يعانون من مرض "كوفيد" طويل الأمد، الذين قد يحتاجون إلى العودة تدريجاً إلى العمل بعد غيابٍ طويل. وأضافت أنه "قيل لهم بعد 6 أسابيع، إنه في حال لم يتمكّنوا من التغلّب على الأعراض، سيتعيّن عليهم المغادرة أو ستتم إعادة نشرهم. فعلى مستوى الإجراءات العملية، لا يوجد فهم لواقع أن هذا المرض هو متقلّب".
متحدّث باسم هيئة "خدمات الصحة الوطنية" أشار أخيراً إلى أن العام الذي انقضى كان غير مسبوق بالنسبة إلى العاملين في المرافق الصحّية، لذا من المهم أن يتمّ دعم الموظّفين. ولهذا السبب أطلقت هيئة "أن أتش أس" دعماً لهم من خلال الرسائل النصّية، على مدار الساعة وعلى امتداد أيام الأسبوع، وخصّصت لهم 40 مركزاً للصحّة العقلية والسلامة، لضمان حصول الموظّفين على المساعدة التي يحتاجون إليها".
© The Independent