حتى الآن، وعلى الرغم من موجة الخسائر التي تطارد الاقتصاد التركي، يبقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان متمسكاً بنظرياته الاقتصادية التي قادت المؤشرات إلى الهبوط بشكل عنيف خلال العام الماضي.
وفي خطوة جديدة من المتوقع أن تتسبب في زيادة التضخم المرتفع بالفعل في تركيا، أعلنت الحكومة رفع أسعار الكهرباء بنسب تتراوح بين 50 و100 في المئة للاستخدام المنزلي وللشركات، في أول أيام العام الجديد، كما رفعت مجدداً الأسعار في الفواتير الشهرية للغاز الطبيعي، ما يزيد الأعباء في اقتصاد يعاني ارتفاع التضخم.
وقالت الهيئة المعنية بتنظيم قطاع الطاقة في البلاد، إن أسعار الكهرباء زادت بنحو 50 في المئة للاستخدام المنزلي منخفض الاستهلاك في عام 2022، في حين زادت بأكثر من 100 في المئة للاستخدام الصناعي مرتفع الاستهلاك، وهو ما يعني مزيداً من الأعباء على الأسر التركية التي تعاني بشكل كبير ارتفاعات الأسعار بسبب انهيار الليرة مقابل الدولار الأميركي.
وقالت شركة خطوط الأنابيب التركية الحكومية في تقرير منفصل، إن أسعار الغاز الطبيعي سترتفع بنسبة 25 في المئة للاستخدام المنزلي، و50 في المئة للاستخدام الصناعي في يناير (كانون الثاني) الحالي، وبلغت الزيادة في أسعار الغاز المستخدم لإنتاج الكهرباء نحو 15 في المئة.
أزمة سوق الصرف تتسارع بشكل عنيف
على صعيد الليرة، فقد كان عام 2021 هو الأسوأ بالنسبة للعملة التركية، وسجل الدولار الأميركي مستويات قياسية أعادت إلى الأذهان ما حدث في بداية الألفية الحالية حينما انهارت العملة التركية واتخذت الحكومة قراراً بحذف ستة أصفار منها مقابل الورقة الأميركية الخضراء.
وتشير البيانات التي أعدتها "اندبندنت عربية"، إلى أن الدولار الأميركي استهل عام 2021 عند سبع ليرات، ووصل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إلى مستوى 18.6 ليرة، ما يعني أنه سجل ارتفاعاً بقيمة 11.6 ليرة بنسبة ارتفاع بلغت نحو 165 في المئة، وفي الوقت نفسه يعني خسارة الليرة التركية نحو 62 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي متصدرة أسوأ عملات الأسواق الناشئة مقابل الدولار.
وتسارعت الأزمة التي تواجهها سوق الصرف التركية في الأشهر الأخيرة، وهزت اقتصاداً يبلغ حجمه 720 مليار دولار، ويرجع السبب في ذلك إلى حد بعيد إلى "البرنامج الاقتصادي الجديد" الذي يطبقه الرئيس أردوغان ويركز على الصادرات والائتمان على الرغم من انهيار الليرة والتضخم الذي قفز معدله لما فوق 21 في المئة.
وقبل أسبوعين، ولتخفيف حدة الاضطراب، كشف الرئيس التركي عن مخطط تحمي بموجبه الدولة الودائع المحلية المحولة من الخسائر أمام العملات الصعبة، ما أدى إلى زيادة حادة بنسبة 50 في المئة في قيمة الليرة بدعم من تدخل البنك المركزي وضخ كميات كبيرة من العملات الصعبة في السوق.
تحويل الذهب إلى البنوك
ودعا أردوغان، الذي تظهر استطلاعات الرأي تراجع شعبيته في فترة ما قبل انتخابات 2023، الأتراك للاحتفاظ بمدخراتهم بالليرة وتحويل الذهب إلى البنوك، قائلاً إن تقلبات السوق باتت تحت السيطرة إلى حد كبير. وأضاف، "نخوض حرباً لإنقاذ الاقتصاد التركي من دائرة ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم"، مكرراً وجهة نظره غير التقليدية التي تفيد بأن ارتفاع أسعار الفائدة يرفع الأسعار.
وفي رد فعل على القرارات الأخيرة، وبخاصة ما يتعلق بضمان الودائع التي أعلنتها وزارة الخزانة قبل أيام، فقد تراجع سعر صرف الدولار الأميركي إلى مستوى 13.63 ليرة في التعاملات الأخيرة، مقابل نحو 18.6 ليرة خلال منتصف ديسمبر الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق وكالة "رويترز"، فقد تقلصت مدخرات الأتراك في الأشهر الماضية بسبب انخفاض قيمة الليرة وبلوغها أدنى مستوياتها على الإطلاق عند 18.6 مقابل الدولار، لكنها تعافت بعد الإعلان عن البرنامج الحكومي لحماية الودائع المحلية من خسائر انخفاض القيمة مقابل العملات الأجنبية.
أردوغان يطالب الأتراك بالتدخل
وفي خطاب ألقاه في إسطنبول قال الرئيس التركي، "أريد أن يبقي جميع المواطنين مدخراتهم بعملتنا، ويديروا أعمالهم بعملتنا، وأوصي بذلك، دعونا لا ننسى ذلك، طالما لا نتخذ عملتنا كأساس فإن مصيرنا الغرق. الليرة التركية، نقودنا، هذا هو ما سنمضي به قدماً، وليس بهذه العملة الأجنبية، أو تلك"، كما دعا أردوغان، خلال حديثه لمجموعة تجارية، الأتراك إلى إدخال مدخراتهم من الذهب في النظام المصرفي، وأكد مجدداً أن أسعار الفائدة هي السبب وراء التضخم. وأضاف، "خضنا لبعض الوقت حرباً لإنقاذ الاقتصاد التركي من دائرة ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم ووضعه على مسار النمو عبر الاستثمار والتوظيف والإنتاج والصادرات وفائض المعاملات الجارية". وتابع، "دعونا نبقي انخفاض أسعار الفائدة أو ارتفاعها خارج حساباتنا، أسعار الفائدة تجعل الثري أكثر ثراء والفقير أكثر فقراً".
وعلى الرغم من تجاوز معدلات التضخم مستوى 21.4 في المئة خلال الفترة الأخيرة، لكن الرئيس التركي يصر على أن أسعار الفائدة هي السبب وراء الأزمة التي يواجهها الاقتصاد التركي، وبخلاف ما يحدث في الاقتصادات وفق النظريات الاقتصادية من استخدام الفائدة كسلاح لمواجهة التضخم المرتفع، فإن الرئيس التركي، وفي سبيل خفض أسعار الفائدة، أقال أكثر من محافظ للبنك المركزي خلال العامين الماضيين.
لكن موجة التضخم لم تهدأ ولم تتوقف الليرة عن التراجع مقابل الدولار، وفي سبيل السيطرة على سوق الصرف، يحرص البنك المركزي على التدخل بشكل دوري من خلال ضخ مليارات من الاحتياطي في الأسواق، ما تسبب في انهيار احتياطيات البلاد وتآكل العملة حجم الصعبة من الخزانة العامة.
احتياطي النقد عند مستويات خطيرة
وبسبب التدخلات المستمرة من قبل البنك المركزي التركي في سوق الصرف لوقف انهيار العملة، من خلال ضخ كميات ضخمة من الدولارات، فقد تآكل الاحتياطي بنسب كبيرة، وأظهرت بيانات حديثة للبنك المركزي التركي، أن صافي الاحتياطيات الدولية لدى البنك انخفض إلى أدنى مستوى منذ 2002 ليصل إلى 8.63 مليار دولار في 24 ديسمبر من 12.16 مليار قبل ذلك بأسبوع في ما يعكس تدخل البنك في سوق الصرف الأجنبي أخيراً.
وكان البنك المركزي التركي قد أعلن تدخله المباشر خمس مرات في السوق خلال الشهر الأخير من عام 2021 لوقف انهيار العملة. وقال مصرفيون إن حجم التدخل الإجمالي تراوح بين ستة مليارات و10 مليارات دولار، لكن لم تصدر إعلانات عن تدخل البنك المركزي منذ 17 ديسمبر الماضي، لكن مصرفيين قالوا إن انخفاض الاحتياطيات يشير إلى مزيد من دعم الدولة لليرة التركية، وخلال عامي 2019 و2020، انخفض صافي الاحتياطيات عندما باع البنك المركزي 128 مليار دولار لبنوك الدولة لتثبيت سعر الليرة التي واصلت تراجعها على الرغم من ذلك.
في الوقت نفسه، أظهرت بيانات حديثة لمعهد الإحصاء التركي، اتساع عجز التجارة الخارجية بنسبة 6.9 في المئة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على أساس سنوي، ليبلغ 5.402 مليار دولار وفقاً لنظام التجارة العام، وقفزت الصادرات التركية في نوفمبر بنسبة 33.7 في المئة، في حين زادت الواردات بنسبة 27.3 في المئة، لكن منذ بداية عام 2021 وحتى نوفمبر الماضي، تراجع العجز التجاري التركي بنسبة 13.2 في المئة، وبلغت قيمتها نحو 39.35 مليار دولار.