ألغى مجلس النواب الأردني بأغلبية 113 صوتاً، تعديلاً دستورياً مقترحاً كان سيمنح ملك الأردن عبدالله الثاني رئاسة مجلس الأمن القومي الجديد المَنوِي تأسيسه فيما بدا وكأنه استجابة لضغوط داخلية.
واقترحت الحكومة في وقت سابق جملة تعديلات دستورية من أبرزها حق العاهل الأردني في تشكيل ورئاسة مجلس الأمن القومي، الأمر الذي أثار اعتراضاً وجدلاً واسعَين، بسبب ما اعتُبر حصراً مطلقاً للصلاحيات بيد الملك.
وبرّر رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب، عبدالمنعم العودات، إلغاء التعديل بالقول، إن "الملك أصلاً رئيس لكل السلطات"، لكن مراقبين يرون في هذه الخطوة محاولةً لامتصاص الغضب والنقمة التي سرت في أعقاب الإعلان عن معظم بنود التعديلات الدستورية.
توسيع صلاحيات الملك
وقوبلت تعديلات مقترحة على الدستور الأردني من قبل الحكومة، برفض واسع، إذ يحصر أغلب الصلاحيات والسلطات بيد الملك عبدالله الثاني، كما أنها تتعارض مع مخرجات وتوصيات لجنة الإصلاح السياسي التي ألّفها الملك، وتدعو إلى تشكيل حكومات برلمانية حزبية، والتوسع في العمل الحزبي ووقف التدخلات الأمنية وسطوة أجهزة الدولة.
ومن بين التعديلات، بالإضافة إلى التوصية الملغاة، تعيين وقبول استقالة قاضي القضاة، ورئيس المجلس القضائي الشرعي، والمفتي العام، ورئيس الديوان الملكي، ووزير البلاط الملكي الهاشمي، ومستشاري الملك، وعضوي مجلس الأمن الوطني، بإرادة ملكية من دون تنسيب من رئيس الوزراء.
ورأى نواب ونقابيون وحزبيون في هذه التعديلات ردةً عن نهج الإصلاح، واعتداءً صارخاً على صلاحيات السلطة التنفيذية، وعبثاً بالدستور، وإلغاء مبدأ الفصل بين السلطات الذي يشكّل أحد مقومات الدستور الأردني.
ومن بين الانتقادات، تلك التي تتعلق بحصر صلاحية تعيين قادة الأجهزة الأمنية بيد الملك بعد أن كانت بيد السلطة التنفيذية، وتبرر أطراف حكومية هذه التعديلات بالخوف من سيطرة الحكومات الحزبية والبرلمانية المقبلة على الأجهزة الأمنية والجيش.
في المقابل، يقول مراقبون إن الخشية الحقيقية هي من وصول جماعة "الإخوان المسلمين" إلى السلطة والسيطرة على مقاليد الأمور.
الحكومة تبرر
من جانبها، تؤكد الحكومة أن تشكيل مجلس أمن وطني، هدفه تسهيل التعاون والتنسيق بين المؤسسات العسكرية والمدنية.
ويبرر وزير التنمية السياسية تشكيل هذا المجلس بمواجهة التحديات الخارجية والداخلية، وخصوصاً الأمنية، والمتمثلة بتهديدات الإرهاب والنزاعات والصراعات.
وبعيداً عن الاجتهادات والتفسيرات التي تقول إن مؤسسة العرش الأردني تمهد الطريق لتقوية ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله في حال توليه الحكم، يشير فقهاء دستوريون من بينهم الوزير السابق نوفان العجارمة، إلى أن العاهل الأردني، وفقاً للنظام البرلماني القائم، يحق له أن يحكم ويتمتع بصلاحيات بطبيعة الحال، ولكنه غير مسؤول سياسياً عن تدخله في شؤون الحكم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ملكية دستورية
يأتي ذلك بموازاة تصاعد المطالبات التي تتبنّاها تيارات سياسية أردنية منذ بداية فترة "الربيع العربي" بتقليص صلاحيات العاهل الأردني تحت لافتة "الملكية الدستورية"، بحيث يصبح دور الملك كما هو الحال في النظام الملكي البريطاني.
وتُحاجج المعارضة الأردنية وجماعة الإخوان، وهما الجهتان الأكثر اعتراضاً على التعديلات الدستورية، بأن ما يحدث في حقيقته توريط للعاهل الأردني وتهديد للنظام النيابي الملكي الوراثي، ومخالفة للمبادئ الدستورية التي تقول إن الأمة هي مصدر السلطات.
ويحتاج إقرار المواد الجديدة في التعديلات كي تصبح نافذةً، إلى المرور بمراحل دستورية، من بينها موافقة مجلس الأعيان، ومن ثم رفعها للملك للمصادقة عليها لتصبح سارية المفعول بعد إعلانها في الجريدة الرسمية. وشهد مجلس النواب الأردني، الأسبوع الماضي، مشاجرات وتبادلاً للكمات خلال أول جلسة لمناقشة التعديلات الدستورية المقترحة.
ضرورة أم ترف؟
ويرى مراقبون، ومن بينهم الصحافية الأردنية رنا الصبّاع، أن "فكرة إنشاء مجلس أمن قومي في الأردن مرتبطة بتحديات داخلية عدة في الأشهر المقبلة من بينها الانتخابات البلدية والتشريعية، ورغبة الملك بإحداث تغيير في آلية صنع القرار في البلاد، بخاصة مع وجود مرحلة سياسية في إقليم مضطرب يشهد تحولات عميقة في دول الجوار". وتضيف الصباغ أن "فكرة هذا المجلس برزت في عام 2005 حين عيّن الملك عبدالله الثاني مديراً جديداً لدائرة الاستخبارات العامة، وطلب من مديرها السابق استحداث هيئة باسم وكالة الأمن الوطني بعد ترقيته وتعيينه مستشاراً للملك لشؤون الأمن".
وتعتبر الصباغ أن "الفرصة قد تكون مُواتية اليوم لإحياء مشروع مجلس الأمن القومي، على غرار مجلس الأمن القومي الأميركي، الذي يقدّم النصح والإرشاد للرئيس في مجالَي الأمن القومي والسياسة الخارجية بمنهجية مؤسسية منذ إنشائه في عام 1947".
في المقابل، يتساءل مراقبون آخرون عن مبررات إنشاء مجلس أمن قومي في وقت يوجد فيه مركز لإدارة الأزمات منذ سنوات في المملكة، وبمهام مشابهة.