فيما يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على استخدام نظرياته الاقتصادية في إدارة الاقتصاد خلال مرحلة خطرة تمر بها البلاد، جاءت معدلات التضخم لتعلن العصيان على سياسات الرئيس التي لا تمت بأي صلة للنظريات الاقتصادية، سواء القديمة أو الحديثة.وبينما تواصل الأسعار ارتفاعها بما يعكس الضرورة الملحة للتدخل العاجل من قبل البنك المركزي التركي ليرفع أسعار الفائدة، لكن بتعليمات من أردوغان، قام البنك المركزي التركي بخفض أسعار الفائدة مرات متتالية عدة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، لتتفاقم الأزمة ويسجل التضخم أعلى مستوى له في 19 عاماً، حيث أدى انهيار العملة في مقابل الدولار الأميركي إلى ارتفاع كلفة الواردات، كما تسببت السيولة الضخمة مع نقص المعروض في أن تواصل الأسعار ارتفاعها لتحترق الأسر التركية بنيران التضخم.ووفقاً لمعهد الإحصاء التركي فقد ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 36 في المئة خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق. والأسعار ترتفع الآن بأسرع وتيرة لها منذ سبتمبر 2002 أي منذ وصل حزب الرئيس رجب طيب أردوغان إلى السلطة في وقت لاحق من ذلك العام.وجاءت الزيادة الأخيرة في الأسعار مدفوعة بارتفاع كلفة النقل بنسبة تقارب 54 في المئة على أساس سنوي، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 43.8 في المئة، وأيضاً ارتفعت أسعار المعدات المنزلية والضيافة بأكثر من 40 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
العملة التركية تواصل الانهيار
في الوقت نفسه، فقدت العملة التركية أكثر من 40 في المئة مقابل الدولار الأميركي خلال العام الماضي، وهو الانهيار الناجم عن إصرار أردوغان على اتباع البنك المركزي للبلاد سياسة غير تقليدية للغاية، تتمثل في خفض أسعار الفائدة بدلاً من رفعها لمواجهة الارتفاع السريع في الأسعار، وهو توجه يخالف تماماً كل السياسات والنظريات الاقتصادية التي تعتمدها البنوك المركزية العالمية قديماً وحديثاً.وألقى أردوغان باللوم في مشكلات تركيا الاقتصادية على التدخل الأجنبي، ويقول إنه يقود صراعاً من أجل مزيد من الاستقلال المالي للبلاد.وفي الوقت نفسه أجبرت الأسعار المتصاعدة وهبوط العملة الحكومة التركية بالفعل على اتخاذ إجراءات استثنائية لمحاولة حماية العمال والمدخرين.وخلال الشهر الماضي أعلن أردوغان زيادة بنسبة 50 في المئة تقريباً في الحد الأدنى للأجور في البلاد، كما أعلن عن خطة لنوع جديد من حسابات الودائع بالليرة التركية من شأنها حماية المدخرين من خفض قيمة العملة.كما حث الرئيس التركي الشركات والأفراد على الدفاع عن الليرة، وقال في تصريحات حديثة لجمعية رجال الأعمال في إسطنبول إنه "طالما أننا لا نأخذ أموالنا كمعيار، فإننا محكوم علينا بالغرق. الليرة التركية، أموالنا، هذا ما سنمضي فيه قدماً. ليس بالعملة الأجنبية".وأضاف، "نعمل منذ فترة على إخراج الاقتصاد التركي من دوامة أسعار الفائدة المرتفعة والتضخم المرتفع ووضعه على طريق النمو من خلال الاستثمار والتوظيف والإنتاج والتصدير وفائض الحساب الجاري".وخفض البنك المركزي التركي أسعار الفائدة للشهر الرابع على التوالي في ديسمبر الماضي، وعادة ما ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة عندما يرتفع التضخم لمنع الاقتصاد من الانهاك.
الرئيس "حزين" لارتفاع التضخم
وعلى خلفية ارتفاع معدلات التضخم، عبر الرئيس التركي عن حزنه لبلوغ التضخم السنوي في بلاده 36.1 في المئة خلال عام 2021، لكنه أكد أن حكومته مصممة على خفضه إلى خانة الآحاد.وفي حديثه بعد اجتماع لمجلس الوزراء، قال أردوغان إن ارتفاع التضخم يرجع أيضاً إلى زيادة أسعار السلع العالمية وتراجع الليرة التي فقدت ما يقرب من 44 في المئة من قيمتها خلال العام الماضي. وأوضح أن السلطات ستبحث الزيادات الباهظة في الأسعار، معلناً دعماً إضافياً لأجور الموظفين الحكوميين ومعاشات التقاعد.ورفع الرئيس رجب طيب أردوغان الحد الأدنى للأجور الشهري بنسبة 50 في المئة إلى 4250 ليرة (310 دولارات)، وهو أمر يخشى اقتصاديون من أنه سيفاقم التضخم بشكل أكبر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال خبراء لوكالة الأنباء الفرنسية إن تركيا تغرق في دوامة تضخمية، حيث انهارت الليرة عندما أطلق الرئيس رجب طيب أردوغان سلسلة من الخفوض الحادة في أسعار الفائدة.ويواصل الرئيس التركي تطبيق سياساته نفسها على الرغم من كل الصعاب، وأشاد مجدداً بالأداء الجيد للاقتصاد التركي مع معدل نمو سنوي بنسبة 7.4 في المئة خلال الربع الثالث من عام 2021، خصوصاً بفضل الصادرات التي زادت بسبب الأسعار المنخفضة.وأضاف، "بفضل الإصلاحات التي حققناها نجحنا في تحرير الاقتصاد التركي من قيوده، والديمقراطية التركية من الوصاية". وأشاد أيضاً بزيادة الصادرات بنسبة 32.9 في المئة خلال عام في 2021 إلى 225.37 مليار دولار.
انتقادات حادة لسياسات أردوغان
لكن الشهر الماضي وجهت نقابة أصحاب العمل الرئيسة التي تمثل 85 في المئة من المصدرين، تحذيراً شديد اللهجة للحكومة التركية وسياسات الرئيس أردوغان، ودعته إلى تصحيح الأوضاع.واعتبرت أن "الخيارات السياسية التي تطبق لم تخلق صعوبات جديدة وحسب لعالم الأعمال، ولكن أيضاً لمواطنينا"، داعية الرئيس إلى "العودة للمبادئ الاقتصادية المعمول بها في اقتصاد السوق".وعلى عكس النظريات الاقتصادية الكلاسيكية، يعتقد أردوغان أن معدلات الفائدة المرتفعة تعزز التضخم. ووفقاً لرغبة رئيس تركيا فقد خفض البنك المركزي معدلات الفائدة بخمس نقاط خلال أربعة أشهر، مما تسبب في كل مرة في انخفاض جديد لليرة التركية.ولتنفيذ سياسة خفض الفائدة في الوقت الذي تستدعي فيه الحاجة ضرورة رفعها، أقال أردوغان نحو ثلاثة حكام للبنك المركزي منذ يوليو (تموز) 2019، واستبدل وزير المال ثلاث مرات منذ يوليو 2018، آخرها في أول ديسمبر الماضي.ويقول اقتصاديون أتراك من مجموعة الأبحاث حول التضخم، إن المعدل الحقيقي للتضخم وصل إلى 82.8 في المئة على أساس سنوي، وهو أعلى بكثير من الأرقام الرسمية.
وبالنسبة إلى السكان أصبح من الصعب تحمل ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، ومنها الغذاء والطاقة على وجه الخصوص، فقد ارتفعت أسعار الغاز والكهرباء بنسبة 50 في المئة، و25 في المئة على التوالي في الأول من يناير الحالي.وكتب كبير الاقتصاديين في نقابة أرباب العمل التركية جيزيم أوزتوك ألتينساك عبر "تويتر"، "أخشى من أن تتلاشى جميع الزيادات في الأجور خلال شهرين".