جددت المؤسسة العسكرية في الجزائر التحذير من التهديدات التي تتربص بمنطقة شمال أفريقيا، بخاصة ما يتعلق بالتوترات الواقعة في الساحل وليبيا والصحراء الغربية مع عودة العمل المسلح، لكنها أشارت إلى أن تنامي الأجندات في المجال الإقليمي بات يخدم إسرائيل.
تغيير وتحذير
وغيّر الجيش الجزائري من لهجته، وأوضح "أن المجال الإقليمي للبلاد يشهد تعدد التهديدات والمخاطر المرتبطة بانتشار الجماعات الإرهابية والجرائم ذات الصلة مع تنامي الأجندات الأجنبية والوجود العسكري، وهذا ما زاد من شدة التوترات الإقليمية، خصوصاً مع تعقّد المعضلات الأمنية في الساحل وليبيا وعودة جبهة بوليساريو إلى العمل المسلح". وقال "بالنظر إلى تردّي الوضع على طول شريط حدودنا، إضافة إلى استهداف بعض الأطراف أخيراً لأمن المنطقة، فإن هذه التهديدات، وإن كانت غير مباشرة، تعنينا وتدفعنا إلى مواجهتها ونسفها".
كما أكدت افتتاحية مجلة "الجيش"، أن "أمام هذه الظروف الاستثنائية والسياق الإقليمي المتأزم، فإن الدولة الجزائرية تعزز صلابتها واستقرارها عن طريق إعادة هندسة النظام السياسي وفق مقاربة دستورية قائمة على الحقوق والحريات ومنطق الديمقراطية التشاركية بهدف الرفع من جودة أداء مؤسسات الدولة"، وأضافت أن "هذه المقاربة تقوم أيضاً على المهمة المقدسة للجيش والمؤسسات الأمنية في الدفاع عن أمن الوطن وحرمة المواطنين".
وحذر الجيش من أن "الجزائر في أتم الاستعداد للتصدي بحزم وصرامة لكل المخططات الدنيئة التي تحاك في السر والعلن لاستهداف كيان الدولة الوطنية ورموزها، معتمدة في ذلك على رصيدها التاريخي الزاخر ومبادئها الثابتة ووحدة شعبها".
تسابق عسكري
وتعليقاً على التحذيرات والتهديدات، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أبو الفضل بهلولي لـ"اندبندنت عربية" إن "منطقة شمال أفريقيا تشهد تسابقاً عسكرياً في سياق مجتمع دولي لا يرحم الضعفاء، وإن المنطقة تعرف تسارعاً في الأحداث ومتغيرات كبيرة وأبرزها انفلات السلاح من دولة ليبيا، وانتشار الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، إضافة إلى الاتفاق الأمني بين إسرائيل والمغرب، كلها متغيرات تهدد الأمن القومي الجزائري". وأشار إلى أن "هدف إسرائيل ضرب الدول المحورية في أفريقيا، بخاصة أنه من المعروف عنها دعم التيارات المعارضة والعمل على قلب أنظمة الحكم، وعليه فإن الاتفاق الأمني من شأنه أن يحوّل الأراضي المغربية إلى قواعد خلفية لجماعات تهدد المنطقة"، وختم أن "الجزائر مستهدفة بسبب المواقف الثابتة وعقيدة الجيش الراسخة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الجزائر ليست مستهدفة
في المقابل، يرى أستاذ العلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية مبروك كاهي في تصريح خاص أنه "لا يمكن القول إن الجزائر مستهدفة على الأقل بطريقة مباشرة، لأنها ركيزة أساسية في شمال أفريقيا وليس في مصلحة الضفة الشمالية للمتوسط انهيارها، لكن هذه القلاقل الهدف منها إنهاك قدرات البلاد وتحجيم دورها في منطقة المتوسط"، مبرزاً أن "التخوفات من المعضلات الجارية مشروعة، لارتباط الجزائر وجيشها بتقلبات المنطقة بشكل مباشر". وشدد أن "التوترات تخدم الأجندات الإسرائيلية عبر إضعاف دول المنطقة وإنهاكها ومن ثمّ يسهل عليها اختراق الأنظمة السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية".
ويواصل كاهي أن "منطقة الساحل تعيش الوضع الأسوأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مع حديث متناقض عن تهديدات القوى الغربية بسحب قواتها من المنطقة والتخلي عن محاربة الإرهاب، وإشارات إلى وجود مرتزقة لشركات أمنية خاصة في محيط هش للغاية، إضافة إلى تأجيل الانتخابات الليبية ومخاوف من فقدان الثقة وعودة الليبيين إلى السلاح بدل الاحتكام للصندوق. أما ما يحدث في الصحراء الغربية، فهناك معلومات مؤكدة بدعم المغرب بكمّيات معتبرة من الذخيرة الحية واستخدامها بشكل غير عقلاني، بالتالي فإن كل هذه المتغيرات والأحداث هدفها إنهاك الجيش الجزائري واستنزاف قواه عبر الحدود الشاسعة".
وتتوالى التحذيرات العسكرية الجزائرية منذ التقارب الإسرائيلي المغربي، فقد وجّه رئيس أركان الجيش السعيد شنقريحة، رسالة إلى القوات المسلحة بمناسبة السنة الجديدة، أكد فيها أن "ما تعيشه اليوم منطقتنا الإقليمية على وجه الخصوص من حالة لا استقرار أمني مزمن، هو مبعث آخر من بواعث التهديد لبلادنا، لذا فإنني أشدّ على أيديكم للحفاظ على الاستعداد في أعلى مستوياته، كونه السبيل الوحيد لمواجهة أعدائنا الذين يدركون أننا لا ولن نتساهل مع كل من تسوّل له نفسه المساس بحرمة أرضنا ومقدرات شعبنا".
وأضاف، "يئس أعداؤنا من إمكانية النيل منّا وجهاً لوجه، غير أنهم اليوم يحاولون تغيير تكتيكاتهم من خلال استخدام الفضاء السيبراني وشبكات التواصل الاجتماعي والحملات الإعلامية المضللة لمحاولة إحباط معنويات مستخدمينا وشعبنا وهو ما ندركه ونعمل على التصدي له"، داعياً الجميع إلى "الالتزام التام بالتعليمات الصادرة في هذا المجال، لأنها السبيل الوحيد لإحباط مخططاتهم الجهنمية تجاه مؤسستنا العتيدة ووطننا المفدّى".
لا يمكن الإنكار
توضح الباحثة في الشؤون الدبلوماسية سلمى تيوسارين أنه "لا يمكن إنكار هذه التخوفات. فعلياً، المجال الإقليمي يشهد تنامياً للأجندات التي تخدم إسرائيل ومصالح بعض الدول، وهذا ما يسبب توترات متصاعدة في قضايا متنازع عليها"، وأضافت أن "حقيقة الوضع الإقليمي العام متوترة، لكن وعلى قدر ما تبدو الأمور خطيرة ولها أبعاد تؤثر سلباً في الاستقرار، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن للجزائر كذلك حلفاء مستعدون لدعمها". وقالت "يبدو أن هناك ثباتاً على مواقف السياسة الخارجية الجزائرية واستراتيجية الجيش في التعامل مع هذه المشكلات الحدودية والأمنية".