بعد هدوء نسبي شهدته الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي تمثل بوقف الفصائل الشيعية هجماتها الصاروخية وبالطائرات المسيرة على أماكن وجود القوات الأميركية في مطار بغداد الدولي وقاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار، عاودت الهجمات بكثافة على هذه الأماكن خلال الأسبوع الأول من العام الجديد.
وتبنت مجاميع غير معروفة الهجمات عبر حسابات على "تلغرام" تابعة للميليشيات الشيعية، من دون أن يتبنى أي فصيل شيعي موالٍ لإيران العمليات بشكل مباشر.
ومنذ إعلان قيادة العمليات المشتركة نهاية العام الماضي انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف الدولي وتحول عملها إلى استشاري، شككت أغلب الفصائل الشيعية في الأمر، وتوعدت بشن هجمات على القواعد الأميركية في حال عدم انسحابها من العراق بشكل كامل.
ومثَّل الاتفاق العراقي - الأميركي على انتهاء الأعمال القتالية للقوات الأميركية في العراق نهاية العام الماضي وإبقاء هذه القوات لأغراض التدريب ومساندة القوات العراقية، الذي تم الإعلان عنه خلال استقبال الرئيس الأميركي جو بايدن، رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، في البيت الأبيض في يوليو (تموز) الماضي - خطوة مهمة لسحب جميع الذرائع التي كانت تسوقها الميليشيات الشيعية لاستهداف المصالح الأميركية في البلاد.
صواريخ في عين الأسد
وأعلنت خلية الإعلام الأمني في وزارة الداخلية يوم الأربعاء عن استهداف قاعدة عين الأسد الجوية بخمسة صواريخ.
وأكدت الخلية في بيان لها أن "القوات الأمنية تجري عملية تفتيش وتباشر بالتحقيق في حادثة الاستهداف"، موضحة أن الصواريخ سقطت على بعد مسافة من محيط القاعدة.
ونشرت خلية الإعلام الأمني مقطع فيديو يظهر تفجير طائرتين مسيَّرتين قيل إنهما حاولتا الاقتراب من قاعدة عين الأسد الجوية العراقية في محافظة الأنبار، مؤكدة أنه تمت المعالجة خارج محيط القاعدة.
وبات عرض صور ومقاطع الفيديو للطائرات المسيرة المحطمة مألوفاً، ففي 4 يناير (كانون الثاني) عرضت الخلية صوراً لطائرتين مسيَّرتين قيل في حينها إنه تم إسقاطهما خارج محيط القاعدة من دون أضرار أو إصابات.
وفي 3 يناير استهدفت طائرتان مسيرتان محيط مطار بغداد وتم إسقاطهما من دون وقوع أضرار بشرية أو مادية.
الكاظمي ينفي وجود قوات قتالية
بدوره اعتبر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي "أن استهداف معسكرات عراقية يعكر صفو الأمن والاستقرار"، مضيفاً "نؤكد مجدداً انتهاء الدور القتالي للقوات الأميركية وقوات التحالف الدولي في العراق".
وتأتي زيادة وتيرة الهجمات المسيرة بعد إحياء إيران وحلفائها في العراق الذكرى السنوية الثانية لمقتل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني ورئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس في غارة جوية قرب مطار بغداد في 3 يناير عام 2020.
دعم ملف إيران النووي
من جانبه قال مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل إن الفصائل المسلحة تريد تحقيق عدة أهداف من خلال زيادة هجماتها بالطائرات المسيرة على القواعد التي توجد فيها القوات الأميركية.
وأضاف فيصل أن "هناك عدة أهداف من زيادة وتيرة هجمات الطائرات المسيرة على قواعد التحالف الدولي، من ضمنها تسليط الضغوط على الولايات المتحدة بشأن الملف الإيراني ولتحقيق أقصى المكاسب في العراق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطوات تدعم الإرهاب
ولفت إلى أن ما تقوم به هذه الفصائل "هو نوع من الازدواجية، فهذه القوات الدولية الموجودة بالعراق هي لمواجهة الإرهاب في ديالى وكركوك والأنبار وجنوب الموصل وصلاح الدين"، معتبراً الوقوف ضد القوات الدولية في الحرب على الإرهاب يمثل وقوفاً بجانب المنظمات الإرهابية وهذا تناقض للتنظيمات التي تطلق على نفسها أنها "مقاومة إسلامية".
وجود قانوني
وبين أن القوات الأميركية موجودة ضمن اتفاقيات الإطار الاستراتيجي منذ 2008، الذي وقعه الجانب العراقي مع كل من رئيسي الولايات المتحدة جورج بوش وباراك أوباما، مشيراً إلى أن قصف السفارة الأميركية وقصف المواقع التي يوجد فيها مستشارو التحالف الدولي يمثل توجهاً رافضاً لاستراتيجية الحكومة العراقية في الحرب على الإرهاب التي تقوم بها قوات التحالف الدولي.
الحل موجود
وأكد عبد الحميد أن الإدارة الأميركية أوجدت الحل للطائرات المسيرة عبر منظومة "السيرام" (C-RAM)، وبالتالي ممكن إسقاط هذه الطائرات بسهولة أو حرف مسارها، وبالتالي بدأت تفقد فعاليتها وتشكل خطورة على المدنيين. مرجحاً تصاعد عمليات الفصائل، لأنها تريد أن توصل رسالة مفادها أنها حررت العراق من الوجود الأميركي.
و(السيرام) منظومة وظيفتها صنع مظلة للمواقع المهمة مخصصة للتعامل مع القنابل والمقذوفات التقليدية، كالصواريخ غير الموجهة وقنابل الهاون الصغيرة التي تعتبر من أصعب الأهداف الجوية.
ونصبت هذه المنظومة في عدد من المواقع التي تضم وجوداً أميركياً كالسفارة الأميركية في بغداد وبعض القواعد العسكرية، واستطاعت الحد من نشاط صواريخ الكاتيوشا والطائرات المسيرة التي توجهها بعض المجاميع المسلحة ضد أهداف أميركية.
واستبعد عبد الحميد أن يكون هناك رد عراقي على هذه الهجمات، لأن الحكومة العراقية تتجنب الحل العسكري، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تذهب حالياً للحل الدبلوماسي، لكنها قد ترد عسكرياً مع استمرار الهجمات على قواتها في العراق وسوريا.
مظهر المنتصر
بدوره قال الكاتب والصحافي علي بيدر إن الفصائل المسلحة الشيعية تريد أن توصل رسالة مفادها أنها هي من أخرجت القوات الأميركية من العراق، وتحاول أن تظهر بمظهر المنتصر سياسياً وأمنياً ومجتمعياً، من أجل تحفيز جماهيرها على التشبث بها، بعد أن فقدت الكثير من الزخم المجتمعي، بخاصة في الانتخابات الأخيرة. متوقعاً ازدياد عمليات تلك الجماعات.
وتبدو الحكومة عاجزة عن وقف تلك العمليات، وهي تتخوف من أن توجه الطائرات نحوها كما حصل في استهداف منزل رئيس الوزراء، والجميع يخشى من انتقامها، حسب ما قال بيدر، الذي يرى أنه من الصعوبة على جهة إيقاف تلك العمليات لوجود غطاء سياسي واسع لها.
ولم يستبعد عملاً عسكرياً أميركياً ضد تلك الجماعات إذا استمرت في عملياتها ولم تجد أي ردع من قبل الجهات الحكومية العراقية، مشيراً إلى أن تلك الفصائل متقاربة في ما بينها بشأن موقفها في ضرب القواعد الأميركية.
واستبعد بيدر أن ينهي الجانب الأميركي وجوده في العراق، كون هذا الأمر مرتبطاً بالملف الإيراني.
تُضعف محاربة "داعش"
ورجح أن يكون هناك زيادة في عمليات الفصائل المسلحة بالعراق على المستوى الكمي، والقوات الأمنية العراقية ستكون منشغلة بتلك العمليات، لافتاً إلى أن هذه العمليات ستضعف الزخم المحلي والدولي في محاربة تنظيم "داعش"، الذي ما زال يشاغل الكثير من الجبهات لا سيما في المناطق المتنازع عليها بين المركز والإقليم.
وأعاد تنظيم "داعش" خلال الأشهر الماضية نشاطاته في مناطق واسعة من أطراف محافظة نينوى، خصوصاً في المناطق المحاذية للحدود السورية، التي يبدو أنه موجود فيها بشكل واضح أمام أعين السكان.