نجح عدد من العلماء من فك لغز الطريقة التي أتاحت لديناصور عملاق، عاش قبل 67 مليون سنة، بأن ينجح في الطيران.
يعلم علماء الإحاثة [بالينتولوجيا] المتخصصون في دراسة المتحجرات بشأن وجود "كويتزاكوتلس" Quetzalcoatlus، الحيوان الزاحف العملاق ذي الجناحين الذي يزن أكثر من 250 كيلوغراماً ويبلغ امتداد جناحيه حوالي 12 متراً.
ولكن بقيت حبيسة الألغاز السبل التي مكنت حيوان ضخم على تلك الشاكلة من التحليق في السماء خلال عصر الديناصورات.
والآن، تكشف معطيات صدرت حديثاً ونُشرت في مجموعة من الدراسات الجديدة في "مجلة علم الحفريات الفقارية" Journal of Vertebrate Paleontology، كيف استطاع ذلك الوحش الضخم أن يحكم سيطرته في سماء الأرض طوال ملايين السنين.
وضع عدد من الباحثين افتراضاً مفاده أن ذلك التيروصور العملاق هز بطرفي جناحيه إلى الأمام كما يفعل عادة الخفاش مصاص الدماءvampire bat ، بينما اقترح باحثون آخرون أنه تمكن من تعزيز سرعته من طريق الركض والرفرفة بجناحيه على غرار ما يفعل طائر "القطرس" [آلباتروس albatross].
في المقابل، شكك البعض الآخر في أن الوحش المجنح قد حلق أصلاً في السماء يوماً ما.
في تصريح له في هذا الشأن، ذكر كيفن باديان، أستاذ فخري ومنسق في "جامعة كاليفورنيا" في بيركلي، إن "تلك الزواحف الطائرة الضاربة في القدم تعتبر أسطورية، على الرغم من أن معظم التصور العام لهذا الحيوان يبقى فنياً وليس علمياً".
وكذلك أشارت المعطيات إلى أن الزاحف العملاق استطاع الطيران بعد تنفيذ قفزة ابتدائية، بلغ ارتفاعها في الهواء 2.5 متر في أقل تقدير، قبل أن ينجح في الإقلاع عبر ارتداد جناحيه إلى الخلف.
كذلك أشارت الدراسة إلى أن جناحي التيروصور العملاق كانا سيعوقانه عن تنفيذ اندفاعة ركض سريعة في بداية عملية التحليق، لأنهما كانا سيصطدمان باليابسة بسبب حجمهما الهائل.
"إنها المرة الأولى التي ننهض فيها بهذا الشكل من الدراسة الشاملة. على الرغم من أن "كويتزاكوتلس" معروف منذ 50 عاماً، تبقى المعلومات بشأنه ضئيلة"، بحسب تصريح أدلى به ماثيو براون، مدير "جامعة تكساس" بمدينة أوستن، في مؤسسة "مجموعات علم الأحافير الفقارية" التابعة للجامعة.
في البحث، أجرى العلماء تقييماً لعظام تيروصورات عملاقة، وكذلك عظام أنواع أصغر حجماً تسمى "كويتزالكواتلس لوسوني"Quetzalcoatlus lawsoni ، يبلغ طول جناحيها حوالي ستة أمتار. وفي عملية محاكاة، أعاد الباحثون تركيب هيكل عظمي شبه كامل للأنواع الأصغر حجماً بناءً على التحليل الميكانيكي الحيوي لعظامها. ودرس العلماء السبل التي سمحت للأنواع الأصغر [كويتزالكواتلس لوسوني[ بالتحليق في السماء والتحرك، ثم طبقوا أفكارهم عينها على قريبها الأكبر [كويتزاكوتلس الهائل الحجم].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطراداً، أوضح الدكتور باديان، محرر مشارك في البحث إن "التيروصورات تمتلك عظام صدر ضخمة، تلتصق عليها العضلات المسؤولة عن التحليق، لذا لا شك في أن تلك الحيوانات أجادت التحليق بشكل رائع".
في منحىً متصل، سلطت الدراسة الضوء أيضاً على الخلفية الجيولوجية لهذه الزواحف، مشيرة إلى أن المكان الذي شكل موطناً لهذه الحيوانات العملاقة كان على الأرجح غابة دائمة الخضرة، وُجِدَتْ آنذاك بدلاً من صحراء اليوم.
انطلاقاً من هذا المنظور، ذكر العلماء إن "كويتزالكواتلس" الأكبر ربما عاش على غرار طيور "البلشون" heron اليوم، بمعنى أنه يصطاد بمفرده في الأنهار والجداول.
وعلى خلاف ذلك، ذكر العلماء إن الأنواع الأصغر من "الكويتزالكواتلس" ربما توافدت ضمن مجموعات إلى البحيرات على مدار العام أو موسمياً بغرض التزاوج، مع العثور على 300 حيوان منها في أقل تقدير في حفرية واحدة.
"لم يسبق أن جمع العلماء معلومات مفصلة كثيرة بشأن اجتماع "الأزداركيات" azhdarchids [عائلة التيروصورات التي تشتمل على "كويتزاكوتلس" [في المكان نفسه، ما يعني أن العمل سيكون بمثابة الدراسة الموحدة لهذه المجموعة على مدى سنوات، وربما عقود مقبلة، وفق دارن نايش، علماً أنه خبير في الزاحف المجنح لم يشارك في الدراسة المشار إليها آنفاً.
كذلك يعتقد العلماء بأن الحيوان الزاحف قد استخدم على الأرجح فكيه الطويلين الخاليين من الأسنان لتصفية وعزل السلطعونات والديدان والمحارات من قيعان الأنهار وأحواض البحيرة، والتغذية عليها.
في الواقع، بحسب إضافة من الدكتور باديان، إننا إزاء "النظرة الحقيقية الأولى على الجوانب كافة للحيوان الأضخم الذي حلق في السماء على الإطلاق، بحسب علمنا. إنها نتائج ثورية بالنسبة إلى دراسة التيروصورات، التي تعتبر الحيوانات الأولى، بعد الحشرات، في تطوير القدرة على التحليق عبر استعمال القوة".
© The Independent