في وقت تخيم فيه على الرؤوس سحب التشاؤم، بدأت الولايات المتحدة وروسيا مفاوضات قابلة للانهيار السريع في جنيف الاثنين، 10 يناير (كانون الثاني)، في مسعى من جانب واشنطن لمنع غزو روسي جديد لأوكرانيا من دون الرضوخ للمطالب الأمنية الكبيرة من جانب الكرملين.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في مطلع الأسبوع، إن من المحتمل جداً أن تسقط الدبلوماسية بالضربة القاضية من أول اجتماع.
وحتى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن سعى لخفض سقف التوقعات لما يمكن أن تتمخض عنه محادثات تحاصرها المخاطر الكبيرة والتهديدات. وقال في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" الأحد، "في اعتقادي أن مفاوضات الأسبوع (الجاري) لن تثمر عن أي انفراجة".
وبدأت المحادثات الاثنين في جنيف قبل الانتقال إلى بروكسل وفيينا، في وقت بلغت فيه العلاقات الأميركية الروسية أشد مراحل التوتر منذ نهاية الحرب الباردة قبل ثلاثة عقود.
مناقشة "معقدة"
وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي أنه أجرى مناقشة "معقدة"، مساء الأحد، مع نظيرته الأميركية. ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء عن ريابكوف قوله بعد عشاء عمل استمر ساعتين في جنيف مع نائبة وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان، إن "المحادثة كانت معقدة. لا يُمكن أن تكون سهلة".
كما وصف ريابكوف المحادثة بأنها كانت "جدية"، في وقت تستمر فيه المفاوضات، الاثنين. وأضاف ريابكوف، "أعتقد أننا لن نهدر الوقت (الاثنين)".
وكانت الولايات المتحدة وروسيا قد اتخذتا مواقف حازمة قبل هذه المفاوضات. ففي حين حذرت واشنطن من مخاطر حصول "مواجهة"، استبعدت موسكو من جهتها، تقديم أي تنازلات.
وحضّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن روسيا على تجنب "عدوان" جديد بحق أوكرانيا، وعلى اختيار طريق الدبلوماسية، بينما يُطالب الكرملين الذي يواجه ضغوطاً لسحب قواته من الحدود الأوكرانية الغرب بتقديم ضمانات في شأن الأمن بأوروبا، بينها ضمان عدم توسع حلف شمال الأطلسي أكثر نحو الشرق.
خيبة أمل روسية
وأكدت شيرمان من جهتها خلال عشاء العمل "دعم الولايات المتحدة المبادئ الدولية (المتعلقة) بالسيادة والسلامة الإقليمية ولحرية الدول ذات السيادة في اختيار تحالفاتها"، بحسب بيان للخارجية الأميركية.
وقبل ساعات من عشاء العمل هذا، قال ريابكوف، إنه "يشعر بخيبة أمل إزاء الإشارات الواردة خلال الأيام الأخيرة من واشنطن، وأيضاً من بروكسل"، حيث مقر الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي، بحسب ما نقلت عنه وكالات أنباء روسية.
واستبعدت روسيا، الأحد، تقديم "أي تنازل" قبيل بدء المحادثات التي تتعلق بأوكرانيا، والهادفة أيضاً إلى تقريب وجهات النظر في ما يخص الأمن في أوروبا. وقال ريابكوف، "لن نقبل بأي تنازل. هذا أمر مستبعد تماماً".
وأضاف، "خاب ظننا بالإشارات الصادرة في الأيام الأخيرة من واشنطن، وبروكسل أيضاً". وبثّت وزارة الخارجية الروسية مشاهد تُظهر طائرة ريابكوف تصل إلى جنيف.
مسار المواجهة
من جانبه، حذر بلينكن روسيا قبل بدء المحادثات من خطر "مواجهة".
وقال لشبكة "سي أن أن"، إن "هناك مساراً للحوار والدبلوماسية لمحاولة حل بعض هذه الخلافات وتجنب مواجهة"، لافتاً إلى أن "المسار الآخر هو مسار المواجهة والتداعيات الهائلة على روسيا في حال جددت اعتداءها على أوكرانيا. نحن بصدد تقييم أي مسار يستعد الرئيس (فلاديمير) بوتين لاتخاذه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتواصل الأسبوع الدبلوماسي باجتماع بين حلف الأطلسي وروسيا، الأربعاء، في بروكسل، ومن ثم بلقاء الخميس في فيينا مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بُغية إشراك الأوروبيين الذين يخشون تهميشهم.
وأوضح مسؤول في البيت الأبيض، السبت، أن الروس والأميركيين "سيجريان محادثات تمهيدية على الأرجح مساء الأحد" قبل عقد "الاجتماع الرئيس الاثنين" في سويسرا.
تهديد بالعقوبات
وتتهم الدول الغربية وكييف روسيا بحشد نحو مئة ألف جندي عند حدود أوكرانيا تحضيراً لغزو محتمل. وقد هددت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعقوبات "هائلة" وغير مسبوقة في حال هاجم جارته.
وقد تصل هذه الإجراءات إلى حد منع روسيا من التعامل مع النظام المالي العالمي، أو منع تشغيل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الذي تريده موسكو بقوة.
وتريد الدول الغربية أن تثبت أنها أكثر حزماً وتصميماً من عام 2014، عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانية من دون أن ينجح التحالف الأميركي - الأوروبي في جعلها تتراجع عن خطوتها.
واعتبر بوتين الذي أجرى محادثات مع نظيره الأميركي جو بايدن مرتين منذ بدء هذه الأزمة الجديدة، أن فرض عقوبات جديدة سيشكل "خطأ فادحاً"، وهدد بدوره برد "عسكري وتقني" إذا واصل خصومه "هذا النهج العدائي".
الحل الدبلوماسي لا يزال ممكناً
وقال بلينكن، "بالتأكيد، يندرج تقديم لائحة مطالب غير مقبولة، ضمن استراتيجيتهم للادعاء بعد ذلك أن الطرف الثاني لا يدخل في اللعبة، ولاستخدام ذلك مبرراً لشن عدوان".
لكنه أكد أن الولايات المتحدة "لن تتلهّى" بـ"النقاش حول حلف شمال الأطلسي" الذي يطالب به بوتين لأن "موضوع الساعة هو العدوان على أوكرانيا".
وأكد وزير الخارجية الأميركي، أن "من الصعب جداً إحراز تقدم فعلي مع مسدس موجه إلى رأس أوكرانيا"، لكنه مدّ اليد لروسيا، مؤكداً أن "الحل الدبلوماسي لا يزال ممكناً" في حال أرادت ذلك.
تحذير روسيا من "كلفة عالية"
وحذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، روسيا الاثنين من "كلفة عالية" ستتكبدها في حال شنت هجوماً جديداً على اوكرانيا، مؤكداً دعم الحلف لحق كييف "في الدفاع عن نفسها".
وقال ستولتنبرغ خلال اجتماع مع نائب رئيس الوزراء الأوكراني، "نريد أن نوجه رسالة واضحة إلى روسيا بأننا موحدون وبأن روسيا ستتكبد كلفة عالية اقتصادية وسياسية في حال استخدمت مجدداً القوة العسكرية ضد أوكرانيا".
وكان ستولتنبرغ يتحدث قبل اجتماع للجنة الأطلسي-أوكرانيا مع نائبة رئيس الوزراء الأوكرانية أولغا ستيفانيشينا. وشدد المسؤولان على ضرورة الحوار مع موسكو لتجنب استخدام وسائل عسكرية.
وقالت ستيفانيشينا، "لا شيء بشأن أوكرانيا يجب أن يتم من دون أوكرانيا". وأضافت، "علينا أن ندرك جميعنا أنه لا يمكن اعتبار مطالب روسيا من الحلفاء موقفاً تفاوضياً... المعتدي ليس في وضع يخوله فرض شروط طالما أن الدبابات الروسية لم تغادر الحدود الأوكرانية".
ويقدم الحلفاء بشكل ثنائي تجهيزات وتمويلاً لتحديث القوات المسلحة الأوكرانية، كما أوضح الأمين العام لحلف الأطلسي. وأضاف، "من غير الواقعي ترقب أن تحل المشاكل بحلول نهاية هذا الأسبوع مع انتهاء الاجتماعات المقررة". وقال، "ما نأمله هو أن نتمكن من الاتفاق على النهج الواجب اتباعه، سلسلة لقاءات وعملية".
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قدمت روسيا مجموعة ضخمة من المطالب من بينها حظر توسيع حلف الأطلسي ووضع حد لنشاطه في دول وسط أوروبا وشرقها التي انضمت إليه بعد 1997. لكن الولايات المتحدة والحلف يرفضان قسماً كبيراً من المقترحات الروسية، ويصفانها بأنها لا تمثل أساساً يمكن البناء عليه.