يمكن أن يؤدي التغيّب الناجم عن العزل الذي فرضته جائحة كورونا ونقص الموظفين إلى خسارة قدرها 35 مليار جنيه استرليني (47.5 مليار دولار) في الإنتاج خلال شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) من العام الحالي، أي ما يعادل 8.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في غضون شهرين. ويستند التحليل الذي أجراه مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال (CEBR) لصحيفة "ذا صنداي تايمز"، إلى افتراضات التخطيط الحكومية بمعدل تغيّب للموظفين بنسبة 25 في المئة.
وقال المركز إن تقديراً أكثر تحفظاً بنسبة 8 في المئة - ثلاثة أضعاف المتوسط الموسمي - سيؤدي إلى خسارة في الإنتاج خلال شهري يناير وفبراير بقيمة 10.2 مليار جنيه استرليني (13.8 دولار)، أو 2.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال بوشبين سينغ، الاقتصادي في مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال، إنه "حتى مع بلوغ الذروة 8 في المئة فقط، ستكون هناك تكلفة اقتصادية". وأضاف "ومع ذلك، نتوقع أن يتم تعويض معظم هذه الخسائر خلال الفترة المتبقية من العام."
وتأخذ تقديرات سينغ في الاعتبار أن حوالى نصف السكان يعملون من المنزل نتيجة لقيود "الخطة ب" التي نفذها رئيس الوزراء بوريس جونسون الشهر الماضي في إنجلترا.
وفي تحديث أُرسل للنواب قبل ثلاثة أيام، قال رئيس الوزراء إنه ستتم مراجعة إجراءات كوفيد مرة أخرى بحلول 26 يناير الحالي. وأضاف أنه لا يمكن إلغاء القواعد بالكامل لأن حالات الدخول إلى المستشفيات تتزايد بسرعة.
وتستمر" أوميكرون" في الانتشار على نطاق واسع، حيث تكافح بعض المستشفيات للتعامل مع ذلك.
وكان 3.7 مليون شخص في المملكة المتحدة أصيبوا بكوفيد في غضون أسبوع وصولاً إلى ليلة رأس السنة الجديدة، أي بنحو مليون شخص إضافي مقارنةً بالأسبوع الذي سبقه، وفق تقديرات مكتب الإحصاءات الوطنية. ويعادل هذا الرقم، واحداً من بين كل 15 شخصاً في إنجلترا، وواحداً من كل 20 شخصاً في اسكتلندا وويلز، وواحداً من كل 25 في إيرلندا الشمالية.
وكان التقدير الأعلى في لندن، حيث يُعتقد أن واحداً من كل عشرة أشخاص مصاب بكوفيد-19 على الرغم من أن مكتب الإحصاء الوطني قال إن هناك بعض الحالات "المبكرة" لم تعد تتزايد في العاصمة.
هذه الأرقام هي جزء من المسح الأسبوعي للعدوى الذي أجراه مكتب الإحصاء الوطني والذي يتتبع الجائحة من خلال أخذ عينات من السكان. في حين لا تشمل تلك الأرقام الأشخاص في المستشفيات ودور الرعاية.
مخاوف من تأثير "أوميكرون" في الاقتصاد
وتأتي المخاوف بشأن تأثير "أوميكرون" في الاقتصاد، في وقت يُتوقع أن تظهر البيانات الصادرة يوم الجمعة الماضي، أن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع بنسبة 0.4 في المئة في تشرين نوفمبر (تشرين الثاني)، وهو الشهر الذي سبق الإصدار الجديد الذي أطلق شرارة متطلبات "الخطة ب" لفيروس كورونا.
وفي الوقت نفسه، حذرت شركة "كي بي أم جي" العملاقة للتدقيق، من أن الاضطراب الذي سببه فيروس كوفيد قد يؤثر في نشر نتائج الشركة. وتجري الشركة "محادثات منتظمة" مع الشركات لفهم أي تحديات تواجهها، وفق ما ذكرت كاث بيرنت من "كي بي أم جي"، حيث قالت إنه "نظراً للانتشار السريع للمتحورة الجديدة، يُحتمل أن تتأثر الوظائف المالية في الشركات وفرق التدقيق بالغياب بسبب المرض المرتبط بكوفيد-19 خلال الأشهر الستة المقبلة، وقد يؤدي ذلك إلى تراجع الشركات عن إعلان نتائجها".
توقعات بتراجع الانتعاش الاقتصادي
وتوقع اقتصاديون بحسب استطلاع سنوي أجرته "فايننشال تايمز"، تراجع الانتعاش الاقتصادي للبلاد بسبب عدم اليقين السياسي والآثار اللاحقة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فمن بين حوالى 100 باحث اقتصادي، قالت الغالبية إن مستويات المعيشة في المملكة المتحدة ستزداد سوءاً في العام المقبل، وستتضرر الأُسر الفقيرة بشدة من ارتفاع التضخم والضرائب المرتفعة.
وكانت أكبر التحديات التي رصدها هؤلاء الباحثون، ارتفاع أسعار الطاقة والضغوط التضخمية الأوسع المرتبطة بالوباء والنقص المستمر في العمالة وتعطيل سلاسل التوريد، واستمرار موجات العدوى الفيروسية، والمخاطر المتزايدة لتغيّر المناخ.
لكن كثيرين جادلوا بأن المملكة المتحدة ستجد صعوبة في التعامل مع هذه الصدمات أكثر من نظيراتها في أوروبا، لأن الدعم المالي يتناقص، كما أضرّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالتجارة وزاد من اختناقات العرض. ويبدو أن عدم اليقين السياسي مرجّح بشكل متزايد لأن يردع الاستثمار.
وقال جاجيت تشادا، مدير المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، إن "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعدم اليقين السياسي سيستمر في إعاقة ما كان من الممكن أن يكون تعافياً قوياً".
من جانبه، رأى بول دي جراوي، الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد، "إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيفرض تشاؤماً مزمناً بشأن مستقبل اقتصاد المملكة المتحدة".
في ظاهر الأمر، قد يبدو هذا التشاؤم مبالَغاً فيه، حيث قال قسم كبير من الباحثين إن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة يجب أن يتجاوز أو على الأقل يتطابق مع منطقة اليورو في عام 2022، حتى لو كان من المرجح أن يدفع التحفيز توسعاً أسرع في الولايات المتحدة.
وقال كالوم بيكرينغ، كبير الاقتصاديين في "بيرينبيرغ"، إن المستهلكين يتمتعون بميزة "صافي الثروة القياسي، وأسواق العمل المزدهرة، وكومة ضخمة من المدخرات الزائدة"، في حين أن للشركات نوايا استثمارية قوية.
تشديد السياسة النقدية وإبطاء التعافي
لكن بول ديلز، كبير الاقتصاديين في المملكة المتحدة في شركة الاستشارات "كابيتال إيكونوميكس"، وصف النمو القوي بأنه "سراب إحصائي ناتج من الوباء". وأشار مع عدد كبير من الاقتصاديين الآخرين، إلى أن اقتصاد المملكة المتحدة كان ينتعش بشكل أسرع لأنه غرق في حفرة أعمق، مع مستوى الناتج المحلي الإجمالي الذي لم يسترد مستواه في عام 2019.
دخول الضوابط الجمركية حيز التنفيذ
ومع دخول الضوابط الجمركية الكاملة حيز التنفيذ في المملكة المتحدة في عام 2022، قال كثيرون إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيزيد حدة الخلاف التجاري المرتبط بالوباء، مع استمرار انسداد سلسلة التوريد ونقص العمالة مقارنةً بالدول الأخرى، كما أن الضغوط التضخمية باتت أكثر وضوحاً.
وقال جون ليولين، وهو مستشار مستقل، وسوشيل وادواني، مدير الأصول ومحدد أسعار الفائدة السابق في بنك إنجلترا، إن "هذا سيجبر بنك إنجلترا على تشديد السياسة النقدية أكثر من البنوك المركزية الأخرى، ما يؤدي إلى إبطاء تعافي المملكة المتحدة مقارنةً بنظرائها مع مرور الوقت".
وفي حين أعطى البعض الفضل للحكومة في تعاملها مع الوباء خلال العام الماضي، عبر سرعة طرح اللقاحات، لم تكن هناك ثقة كبيرة في أن الوزراء سيستمرون في دعم الانتعاش.
وأشار وادواني إلى "إحجام" الحكومة الواضح عن مساعدة الشركات المتضررة من متحورة فيروس كورونا "أوميكرون"، بينما أشار باريت كوبليان، كبير الاقتصاديين في شركة برايس ووترهاوس كوبرز، إلى "زيادات ضريبية تلوح في الأفق". وقال مورتن رافن، الأستاذ في جامعة كوليدج بلندن، إن الديون العامة المرتفعة في المملكة المتحدة تعني أنه سيكون "من الصعب هندسة إما حافز أو إصلاح ضريبي كبير".
سلسلة فضائح وسياسة غير مستقرة
بالنسبة للآخرين، كانت الحكومة نفسها جزءاً مركزياً من المشكلة، إذ أدت سلسلة فضائح إلى إضعاف تقييمات استطلاعات الرأي لرئيس الوزراء بوريس جونسون، وأثارت شبح "تحدي القيادة". وأشار المشاركون في الاستطلاع إلى "السياسات غير المستقرة" وغياب خطة موثوقة لتعزيز الإنتاجية على المدى الطويل.
وتوقع بانيكوس ديميترياديس، الأستاذ في جامعة ليستر، المحافظ السابق للبنك المركزي القبرصي، أنه "ستكون هناك تساؤلات حول التعامل مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأسلوب جونسون التعسفي، إن لم يكن الفوضوي، في الحكومة". وقال بيكرينغ في هذا الشأن إن تحدي القيادة المحتمل لجونسون قد "يشجع الشركات على البقاء في وضع الانتظار والترقب، وتأجيل قرارات الاستثمار حتى تصبح آفاق السياسة الاقتصادية أكثر وضوحاً".
صداع مالي حاد
كما طغى التضخم على التوقعات لمستويات المعيشة للأسر، حيث بلغ 5.1 في المئة في نوفمبر الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من عقد من الزمن، ومن المقرر أن يرتفع في الربع الأول من العام الحالي، ويظل أعلى بكثير من هدف بنك إنجلترا البالغ 2 في المئة في نهاية العام.
وقال جميع الذين أجابوا على الاستطلاع تقريباً، إن هذا سيجعل الناس أسوأ حالاً مادياً في نهاية العام، لأن متوسط الأجور لن يواكب الأسعار وارتفاع الضرائب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال المستشار المستقل، جون فيلبوت، إنه "بغضّ النظر عن مسار الوباء في عام 2022، يمكن لمعظمنا أن يتوقع صداعاً مالياً حاداً". وأضاف أن "العمال الذين يعانون من نقص في الوظائف أو أولئك الذين يستفيدون من ارتفاع كبير في الحد الأدنى القانوني للأجور، سيحققون نتائج جيدة نسبياً، لكن معظمهم لن تكون لديهم القدرة على المساومة الكافية لتأمين مكاسب حقيقية في الأجور إذا ظلت البطالة مستقرة".
وقال ألبيش باليجا، كبير الاقتصاديين في بنك "سي بي آي"، "نحن في طريقنا إلى ضغط متجدد على الأجور خلال معظم العام، ما سيؤثر في الأُسر ذات الدخل المنخفض على وجه الخصوص".
وقال بعض المستجيبين للاستطلاع إن الأسر ستستمر في الإنفاق على الرغم من ضغوط الأجور، لأنها يمكن أن تعتمد على المدخرات التي تم جمعها أثناء عمليات الإغلاق، بينما قال ديآني جوليوس، الزميل في تشاتام هاوس، إنه "إذا تركزت مكاسب الأجور بين ذوي الأجور المنخفضة، حيث كان النقص في العمالة أوضح، سيشعر كثير من الناس بحالة أفضل مما يشعرون به الآن".
لكن ميلاني بيكر، الخبيرة الاقتصادية في رويال لندن لإدارة الأصول، حذّرت من أن العام بدأ بشكل سيء بالفعل بالنسبة للعاملين في القطاعات المتأثرة بـ"أوميكرون"، مع عدم وجود خطة إجازة لدعم الأرباح المفقودة.
وقال ديفيد بيل، الأستاذ في جامعة "ستيرلنغ"، إن أزمة مستويات المعيشة ستكون "حادة" بالنسبة للأسر الفقيرة، التي تنفق نسبة أعلى من دخلها على الطاقة. وقال ديف إينيس، رئيس قسم الاقتصاد في مؤسسة جوزيف راونتري، إن دعم ملايين الأشخاص غير القادرين على العمل بسبب المرض أو الإعاقة سيكون في أدنى مستوياته بالقيمة الحقيقية منذ عام 1990.
ومع ذلك، وعلى الرغم من شبه الإجماع هذا حول التوقعات الكئيبة للتمويل الأسري، كانت هناك آراء متباينة على نطاق واسع حول ما يمكن أو يجب أن يفعله بنك إنجلترا لتجنب أزمة تكلفة المعيشة.
بنك إنجلترا ومهمة لا يُحسد عليها
شعرت إحدى المجموعات التي استُطلعت آراءها أن صانعي السياسة النقدية لا يمكنهم فعل الكثير حيال ارتفاع التضخم الذي يرجع إلى حد كبير إلى تأثيرات الوباء في تحريف الطلب نحو السلع مع تعطيل العرض - وهي ضغوط من شأنها أن تخف بحلول نهاية عام 2022، بغضّ النظر عن المسار الذي اتخذه البنك المركزي.
وقال كريستوفر بيساريدس، الأستاذ في "أل أس إي"، إن "التأثير الأكبر على الأسعار يبدو أنه تعديل في الأسعار النسبية، الأمر الذي يجب أن يأخذ مجراه"، مضيفاً أن "زيادة الأسعار قد تُضر بوزير الخزانة ريشي سوناك واستعداده لدعم الاقتصاد من خلال السياسة المالية".
وقالت آن بيتيفور، مديرة شبكة الاقتصاديين، إن المدى الذي يمكن أن تتحكم فيه البنوك المركزية في التضخم مبالَغ فيه إلى حد كبير. لكن مجموعة أخرى قالت إن بنك إنجلترا يجب أن يكون مستعداً لرفع أسعار الفائدة، وهو ما بدأ بعمله بالفعل، لمنع ارتفاع التضخم من أن يصبح سمة دائمة، حيث أصبحت الشركات والعمال يتوقعون نمو التضخم، ويضعون أسعارهم الخاصة ومتطلبات الأجور وفقاً لذلك.
وشعرت هذه المجموعة أيضاً أن بنك إنجلترا لديه "مُهمة لا يُحسد عليها"، وأنه "سيُحارب انحرافاً تصاعدياً في توقعات التضخم"، مع خطر أن يصبح التضخم المرتفع راسخاً إذا غيّر الوباء ديناميكيات سوق العمل، أو في حال استوطن كوفيد-19، فمع كل موجة جديدة من العدوى يتم إحداث تقلبات في الطلب بين السلع والخدمات.
وقالت كيت باركر، العضوة السابقة في لجنة السياسة النقدية، إن "الاستعداد للعمل الآن من شأنه أن يحد من الميل إلى ارتفاع معدل التضخم حتى يواكب التوقعات". وقالت ميليسا ديفيز، كبيرة الاقتصاديين في ريدبيرن، إن التحدي الذي يواجهه بنك إنجلترا سيكون "توجيه الملاحظة الصحيحة بين الحفاظ على المصداقية الآن وعدم تقويض الانتعاش في 2022-2023".
لن يكون كل شيء كئيباً
وعلى الرغم من التشاؤم السائد بشأن النمو والتضخم ومستويات المعيشة، كان العديد من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن عام 2022 لن يكون "كل شيء فيه كئيباً". ورأوا أن هناك مجالاً لتحقيق انتعاش طال انتظاره في الاستثمار التجاري، مدفوعاً بندرة العمالة، والرقمنة التي يسببها الوباء، والحاجة إلى اعتماد التكنولوجيا الخضراء، التي يمكن أن تدفع هذه الشركات إلى القيام بأنواع الاستثمار اللازمة لتقليل الاعتماد على الوظائف ذات الإنتاجية المنخفضة، وفقاً لنينا سكيرو، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات سيبر، على الرغم من أنها وآخرين شددت على أن "التقدم الحقيقي في الإنتاجية سيستغرق سنوات ويحتاج إلى دفعة أكبر بكثير من الحكومة".
ومع ذلك، بعد عام من الآن، يُرجَّح أن تعتمد حالة الاقتصاد البريطاني بدرجة أقل على ما حدث للتضخم أو الاستثمار بقدر اعتمادها على المسار الذي سلكه الوباء. كما أشار أندرو هيلتون، مدير مركز دراسة الابتكار المالي، إلى أن انخفاض الأجور الحقيقية أثر في المستهلكين بدرجة أقل من "الكآبة التي أثارها الخوف من الإغلاق المستمر".
وقالت ديان كويل، أستاذة السياسة العامة في جامعة كامبريدج، إنها الظاهرة الأكثر احتمالاً لرؤية نهاية عام 2022 بملاحظة متفائلة، مضيفة "دعونا نأمل في طفرة ما بعد الجائحة".
كما توقعت كيتي أشر، كبيرة الاقتصاديين في معهد المديرين، أوقاتاً أفضل في المستقبل. وقالت "إن اقتصادنا يريد أن ينمو". وأضافت "طالما يعتقد الناس أن أسوأ ما في الوباء بات وراءنا، فإن الطلب القوي سيبقي الأساسيات تتحرك في الاتجاه الصحيح".