فاجأ المعارض السياسي الجزائري، كريم طابو، السلطة والطبقة السياسية والشارع، بتوجيه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يشكو وضعية حقوق الإنسان في بلاده، ويدعوه إلى التدخل لوضع حد للتجاوزات الحقوقية، وهي الخطوة التي أثارت استغراب الجزائريين.
وفي خضم تقارير دولية "سلبية"، وفي ظل وضع اجتماعي على صفيح ساخن، خرج الناشط السياسي المعروف بمعارضته "الشرسة" للنظام، كريم طابو، برسالة انتقاد واستنجاد "شديدة اللهجة" بعث بها إلى الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش، جاء فيها دعوة إلى "الضغط على النظام السياسي الجزائري من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع يد السلطة عن القضاء والإعلام والسماح للجميع بالتعبير عن آرائهم ومواقفهم في مختلف المجالات".
وأبرز طابو، الذي يعد أحد الوجوه التي صنعت الحدث خلال الحراك الشعبي، وتسبّبت تحركاته وتصريحاته في اعتقاله عدة مرات وسجنه بعد تقديمه للمحاكمات، أن "انعدام وسائل الإنصاف المحلية واستمرار العنف ضد جميع قوى التغيير والغلق السياسي والإعلامي لم تترك لنا خياراً سوى اللجوء إلى المنظمات الدولية لفضح السلطة وممارساتها، وتتعلق أيضاً بمخاطبة ضمير المجتمع الدولي عن الانتهاكات الجسيمة والوحشية لحقوق الإنسان في بلدنا"، مضيفاً أن "المشهد قاتم مع الآلاف من المتابعات القضائية، والمئات من معتقلي الرأي يقبعون في السجون في انتظار المحاكمة، واعتقال المدونين والمؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر إشاعات عن اعتقالات من قبل أجهزة السلطة لترويع المواطنين، مثل المداهمات الليلية المتكررة، هذا المشهد يراد منه زرع الخوف والرعب".
وتابع المعارض السياسي رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي غير المعتمد، في رسالته: "لقد تابعتم بكل تأكيد وباهتمام المظاهرات السلمية التي جرت خلال عامين متتاليين في الجزائر، نزل الملايين من الجزائريين إلى الشوارع بسلمية للمطالبة بشيء واحد فقط هو تغيير نظام الحكم وبناء دولة سيادة القانون التي تضمن استقلال القضاء، والتي تكرس بشكل لا رجعة فيه حق تقرير المصير للشعب الجزائري"، مشيراً إلى "عدم الاستجابة للمطلب التاريخي للملايين من الجزائريين من خلال تغيير نمط الحكم، واستمرار السلطة في تنظيم انتخابات مزورة وإطلاق وعود كاذبة بالقوة والمناورة والمكر، ما أدى إلى تحويل الجزائر التي تعد واحدة من أجمل دول العالم، وذات مساحة شاسعة غنية بالموارد الطبيعية، وشباب ديناميكي رائع، إلى البؤس الاجتماعي والركود الاقتصادي والشلل السياسي". وأضاف أن "بلدنا رهين نظام فاسد ومفسد، شمولي وسلطوي يعتمد على القمع. إن القضاء الذي يفترض فيه ضمان احترام القانون وحماية الحريات أصبح أداة طيّعة في يد السلطة السياسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موقف السلطات الجزائرية
وفي محاولة للحصول على رد من الجهات الرسمية، تواصلنا مع وزارتي الخارجية والداخلية، لكن من دون جدوى، ماعدا حديث جانبي يشير إلى احتمال صدور بيان مرتقب في الساعات المقبلة.
بالمقابل، رئيس الهيئة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الأنسان سابقاً، التابعة لرئاسة الجمهورية، مصطفى فاروق قسنطيني، صرح لـ"اندبندنت عربية"، أن الحكومة مدعوة للرد على رسالة رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي غير المعتمد، كريم طابو، على اعتبار أنها المعني الأول والأخير، مشدداً أنه "ننتظر رداً من الحكومة دفاعاً عن سمعتها"، وتابع أن "الرسالة في غير محلها وقد فاجأتنا"، مستغرباً طلب تدخل خارجي في شأن داخلي، و"أنه أمر غير مقبول وتبرير غير معقول"، مضيفاً أن المشاكل الجزائرية يجب أن تتم مناقشتها وحلها بين الجزائريين.
اختيار التوقيت بدقة... ونقاشات
ويبدو أن المعارض طابو، الموجود تحت الرقابة القضائية، اختار توقيت توجيه الرسالة بدقة، فقد تزامنت مع إصدار القضاء الجزائري حكماً بالسجن ضد منسق الحركة الديمقراطية الاجتماعية، فتحي غراس، بعد أن وُجّهت إليه تهم بث منشورات تمس بوحدة واستقرار البلاد وتهدد الوحدة، فضلاً عن فتح مقر الحزب لأنشطة غير مرخصة.
ولقد فتحت الرسالة نقاشات لحساسية اللجوء إلى الخارج لدى الجزائريين من أجل حل مشاكل الشأن الداخلي، وهو ما فهمته عدة أطراف على أنه محاولة تدويل ملف الحقوق والحريات وطلب التدخل، بخاصة أن صاحب الرسالة دعا في إحدى الفقرات، الأمين العام للأمم المتحدة من أجل التدخل لدى السلطات الجزائرية لرفع حالة الغلق والتضييق على الحريات الأساسية وحقوق الإنسان.
حساسية لدى أغلب الجزائريين
إلى ذلك، يرى الحقوقي، سليمان شرقي، في حديث لـ"اندبندنت عربية" أنه على الرغم من حساسية خطوة استدعاء الخارج للضغط على الداخل لدى أغلب الجزائريين، فإن الرسالة تجد في التعتيم الإعلامي والسياسي الذي تفرضه السلطة، والذي يتزامن مع الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، ما يبرر اللجوء إليها لدى هؤلاء، موضحاً أنه اتضحت بعد استنفاد أنصار ما يسمى بالمسار الدستوري لإعادة هيكلة الدولة، أن مسعاهم لم يحقق ذاك النجاح المأمول، وأن المؤسسات التي أفرزها أعجز عن تقديم الحلول والإجابات عن كل التساؤلات التي طرحها الحراك المجتمعي المتفجر منذ ما يقارب ثلاث سنوات.
ويواصل شرقي، أن مجال حقوق الإنسان ومواصلة اعتقال الكثير من النشطاء وصدور الحكم الأخير في حق منسق حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، فتحي غراس، بسنتين سجناً، أوضح دليل على استمرار الغلق، "ما يبرر لدى الكثيرين استعمال كل وسائل الضغط المتاحة ضد هذه الآلة القمعية المتواصلة في انتهاك الحقوق مهما اختلفنا في تلك الوسيلة وجدواها"، مضيفاً أنه يجب عدم تحميل الأمر أكثر مما يستحق، فطابو ناشط سياسي معروف، والهيئة المخاطبة دولية صادقت الدولة الجزائرية على اتفاقيات الانضمام لها، بالتالي فالرسالة لا تُعد استدعاءً للتدخل الأجنبي، طالما أن المخاطب له الحق في مناقشة وضعية حقوق الإنسان في البلد ضمن أطر الاتفاقيات المصادق عليها في سياق المبدأ المعروف بعدم التدخل في السيادة الداخلية للدولة الجزائرية.
لا فائدة من الرسالة
من جانبه، يُعلّق المعارض الجزائري المقيم بالعاصمة الأميركية واشنطن، أنور هدام، في تصريح مقتضب، أن "معركتنا واحدة، ولكل منّا مقاربته، وأنا لست هنا لانتقاد المعارضين، لكن نظراً لتجربتي الممتدة خلال الـ30 سنة الماضية، فإنني فقدت الأمل في المنظمات الدولية". وقال: "لا أرى أية فائدة من رسالة كهذه، ولا بد فعلاً من حل بين السياسيين والعسكر".