تعرضت مقار تحالفي "العزم" و"تقدم" في العاصمة بغداد إلى سلسلة هجمات بالعبوات الناسفة والقنابل اليدوية بعد التاسع من الشهر الجاري، عقب انتخاب زعيم "تقدم" محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان لولاية ثانية بغالبية 200 صوت، بعد اتفاق كل من الكتلة الصدرية وتحالف "تقدم" و"العزم" و"الديمقراطي الكردستاني".
وجاءت الهجمات بعد اعتراضات واسعة من قبل التحالفات والجماعات الخاسرة في الانتخابات والموالية لإيران، والمكونة للإطار التنسيقي الشيعي، على جلسة انتخاب الحلبوسي وطعنه بشرعية الجلسة واعتبارها غير دستورية لكونها جرت من دون التوافق معه، الأمر الذي اعتبرته قيادات ومتحدثون عن الإطار محاولة من القوى السنية والكردية لتفتيت البيت الشيعي وتقسيمه.
وقدمت الكتلة الصدرية المكونة من 76 نائباً، طلباً إلى الحلبوسي يتضمن إعلانها الكتلة الكبرى في البرلمان، ما يعطيها وفق الدستور حق ترشيح الشخصية المكلفة لتشكيل الحكومة.
وعلى الرغم من محاولة الإطار التنسيقي تقديم نفسه الكتلة الكبرى في مجلس النواب، وهي مكونة من 88 نائباً، فإن خمسة نواب مستقلين نفوا الانضمام إلى الإطار، وأكدوا عدم صحة تواقيعهم المرفقة في الوثيقة، الأمر الذي أدى إلى تراجع صدقية الإطار في الحديث عن كونه الكتلة الكبرى شيعياً.
واستهدفت الهجمات مقار تحالف "تقدم" الذي يتزعمه الحلبوسي في منطقة الأعظمية شمال بغداد، ومقراً لتحالف "العزم" بزعامة الخنجر في حي اليرموك غرب بغداد، فضلاً عن استهداف منزل القيادي والنائب عن "تقدم" عبد الكريم العبطان في منطقة السيدية جنوب بغداد.
هجمات على مصارف وسط العاصمة
وعقب هذه الهجمات، شهدت بغداد اعتداءات أخرى بالعبوات الصوتية على مصرف ومحال لبيع المشروبات الكحولية في منطقة الكرادة وسط العاصمة، أسفرت عن أضرار مادية بواجهات الأماكن المستهدفة وإصابة شخصين بجروح، بحسب بيان قيادة العمليات المشتركة.
مطالبات بالحزم
وطالب التحالف الذي يضم كلاً من (العزم وتقدم) بموقف حازم ورادع للجماعات التي تمارس أعمال وصفها بـ"الإرهابية" تحت أغطية شتى، مشدداً على ضرورة حماية أعضاء التحالف ومكاتبه من هذه الاعتداءات التي وصفها بـ"الإجرامية".
وأكد أنه سيقوم برفع دعوى قضائية ضد كل من هدد أو حرض ضد التحالف ومحاسبته وفقاً للقانون.
قرارات جديدة
ودفع تصاعد العمليات المسلحة مجلس الأمن الوطني الذي يرأسه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلى عقد اجتماع طارئ لمناقشة الأوضاع الأمنية الذي شهدتها المنطقة، لا سيما بعد تفجيري منطقة الكرادة.
وأكد المجلس في بيان له أن "العمليات الإرهابية التي شهدتها العاصمة في الساعات الماضية تهدف إلى زعزعة الأمن والسلم المجتمعي، وسيتم اتخاذ إجراءات مشددة لوضع حد لمثل هذه الأعمال التخريبية التي تهدد الأمن في البلاد"، متعهداً بإعادة النظر بالقيادات الأمنية التي شهدت قطعاتها خروقات أمنية، وأنه ستكون هناك محاسبة لمن يثبت تقصيره في أداء مهامه الأمنية.
وقرر المجلس تشديد الالتزام بقرارات سابقة تقضي بمنع حمل الدراجات النارية لأكثر من شخص، وتقييد حركتها في شوارع المدن العراقية ابتداءً من الساعة 6 مساءً حتى 6 صباحاً، وتقييد حركة السيارات الحكومية ومنعها من الخروج بعد ساعات الدوام الرسمية إلا بورقة عمل، وإلزام جميع المحال التجارية بوضع كاميرات مراقبة في أماكن عملهم.
إدانات من الإطار
وفيما دانت قوى داخل الإطار التنسيقي عمليات استهداف مقرات الأحزاب والمنطقة الخضراء، فقد شجب رئيس تحالف "الفتح" هادي العامري "الاعتداءات الأخيرة على المنطقة الخضراء ومقرات الأحزاب السياسية بشكل عام"، معتبراً أن هذه الأعمال غير مبررة وعلى الأجهزة الأمنية أن تقوم بواجباتها في ضبط الأمن وحماية المواطنين وممتلكاتهم.
من جانبه، اعتبر زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، أن استهداف مقرات أحزاب وقوى سياسية ينذر بوجود مخطط مريب لزعزعة استقرار العراق وتهديد أمنه، داعياً إلى عدم مرورها من دون محاسبة الضالعين ومن يقف وراءها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الفصائل حاضرة
بدوره، رجّح الخبير الاستراتيجي والأمني جمال الطائي وجود عدد من الاحتمالات بشأن المسؤول عن التفجيرات الأخيرة على مقرات تحالفي "العزم" و"تقدم"، من ضمنها "فصائل شيعية من أجل عرقلة تشكيل الحكومة".
وأضاف "أن توقيت الانفجارات على مقرات تقدم والعزم، وكذلك العمليات التي قام بها داعش من خطف في أماكن معينة وتصفيتهم، كلها تشير إلى وجود فراغ سياسي وأمني وضغوطات حول تشكيل الحكومة، لذلك كل الاحتمالات مطروحة".
عرقلة تشكيل الحكومة
ولفت الطائي إلى أن الاحتمال الأول هو عرقلة تشكيل الحكومة، لأن تحالف "تقدم" و"العزم" و"الديمقراطي" عازمون على تشكيل حكومة الغالبية السياسية مع التيار الصدري، مرجحاً قيام "بعض الفصائل المسلحة الشيعية بهذه العمليات لعرقلة تشكيل الحكومة".
واعتبر أن الاحتمال الثاني هو لخلط الأوراق، فهناك تدخلات إقليمية ودولية تستغل الفراغ السياسي والمشكلات والاضطرابات السياسية حول تشكيل الحكومة، من أجل خلط الأوراق بهدف توجيه أصابع الاتهام لجهة معينة بالتزامن مع نمو "داعش" ونشاطه نتيجة الفراغ الأمني والمشكلات السياسية.
لا يوجد بيت شيعي
وأشار إلى أن "تقدم" و"العزم" تعهدا للإطار الشيعي بعدم الدخول في تحالف إلا بعد توحيد البيت الشيعي، وهذا البيت غير موحد اليوم لكون الكتلة الصدرية في جهة والإطار في جهة أخرى. ولهذا فقد اعتبرت الفصائل الشيعية أن القوى السنية والكرد لم يوفوا بوعدهم للإطار التنسيقي، ولذلك جميع هذه الاحتمالات واردة.
التفجيرات لن تستمر
ورجح ألا تستمر التفجيرات وأن ينقسم الإطار على نفسه، "هناك من سيتحد مع التيار الصدري، وهناك مفاوضات يقوم بها هادي العامري لتهدئة الموقف"، مرجحاً أن ينفصل العامري عن الإطار، لا سيما مع جود خطوط حمراء على نوري المالكي، وتماسك " تقدم" و"العزم" مع التيار الصدري والكرد في تشكيل حكومة الغالبية السياسية.
"عقابية تحذيرية"
بدوره، وصف الباحث في الشأن السياسي إحسان الشمري، التفجيرات بأنها عقابية وتحذيرية لبعض الأطراف التي خرجت عن التوافق ما بين القوى السياسية وتتجه نحو الغالبية الوطنية.
وقال إن "هذه التفجيرات تحذير وتهديد في الوقت نفسه لبعض الأطراف بأن عليها مراجعة حسابتها السياسية، وبخلاف ذلك فإن الجهات المسؤولة عنها يمكن أن تنقل مساحة الاستهداف إلى الجغرافيات التي تتواجد فيها هذه الأحزاب، مبيناً أن الهجمات تهدف إلى قيام الجهات المستهدفة إلى مراجعة حساباتها وأن لا تمضي بأي اتفاقات سياسية.
مخاوف من الملاحقة
وأضاف الشمري أن المسؤولين عن هذه التفجيرات يجدون أن غيابهم عن السلطة وأي محاولة إقصاء لهم هي بداية النهاية بالنسبة لمستقبلهم السياسي وبداية لملاحقتهم، لكون الصدر يركز على ملاحقة السلاح خارج إطار الدولة وحصره، ويسمي هذه الجهات بـ"الميليشيات الوقحة"، مرجحاً استمرار هذه الهجمات ما لم تكن هناك ضمانات لهذه الجهات التي تجد نفسها أمام محاولات لإبعادها وإقصائها عن المشهد السياسي.
رسائل تخويف
بدوره، قال الكاتب والصحافي علي بيدر إن استهداف المقرات تشير إلى أن هذه الأطراف قادرة على تجاوز الحدود في العمل السياسي، مؤكداً أن عدداً من قيادات التنسيقية غير راضية عن هذه الأعمال وتقف ضدها.
وأضاف بيدر "هذه الهجمات هي رسائل تحذيرية وتخويفية تشير إلى أنها قادرة للوصول إليكم وتجاوز حدود الصد والحماية، ولستم في مأمن بعد اتخاذكم موقف سياسي معين تجاه قضية"، لافتاً إلى أن هذه القضية تعتبرها تلك الأطراف من المحظورات في شق البيت الشيعي والمساهمة في تشظيته، وهي رسالة من عناوين نفذت ما وعدت به.
ولم يستبعد استخدام رسائل أعنف ما لم تتخذ السلطات الحكومية "إجراءات احترازية أو تتكفل المنظومة السياسية بمعالجة ذلك، وفق اتفاقيات ومفاهيم سياسية جديدة".
ورأى البيدر أن الإطار التنسيقي فيه شخصيات تستخدم الوسائل السياسية فقط، لكن هناك أطرافاً سياسية تحاول زج الإطار التنسيقي في دائرة العنف مجدداً، لا سيما أن عمليات الاستهداف بدائية وتشير إلى بصمة تخريبية أكثر من استهدافية من أجل حسبها على الإطار.