أفصح البنك الدولي عن توقعاته بخصوص الاقتصاد المغربي لعام 2022 في ظل عدم وضوح الرؤية التي ميزته كباقي الاقتصادات العالمية العام الماضي، بفعل تأرجح قرارات الإغلاق لدى الحكومات خاضعة في ذلك لتطور ظروف الوباء.
وتوقع البنك الدولي في تقريره "الاقتصاد المغربي من التعافي إلى تسريع النمو"، الذي نُشر أخيراً "أن يصل النمو إلى 5.3 في المئة نهاية العام الماضي، مع رجوع الإنتاج الزراعي إلى مستوى متوسط، وأن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.2 في المئة عام 2022، وهو ما يرجع إلى انتظارات بتقلص الإنتاج الزراعي بشكل طفيف"، لكنه وصف التوقعات بغير المؤكدة بالنظر لتأثير الجائحة في القطاع الخاص المغربي وتضييق الأفق على الاقتصاد العالمي بالتوازي مع ظهور متحورات الفيروس بشكل مُتوالٍ.
وجاء في التقرير ذاته أنه "بعد أزمة ركود قياسية عام 2020، يدخل المغرب مرحلة تسريع مستدامة بشكل رئيس من خلال انتعاش القطاع الزراعي وانتعاش الطلب الخارجي".
وأشار التقرير إلى عدم تجانس الانتعاش الاقتصادي، حيث لا تزال قطاعات مثل السياحة، تعاني آثار الإغلاق على كل مكوناتها في ظل استمرار الأخطار الوبائية والمالية ومع عدم عودة مؤشرات الحياة إلى فترة ما قبل الجائحة.
تنويع مصادر النمو
الاقتصادي بالبنك الدولي خافيير دياز كاسو، تحدث في لقاء صحافي عن آفاق نموذج التنمية الجديد وربطه بضرورة تنويع المغرب لمصادر نموه، وقال، "إن ما ورد بالتقرير يتطرق لإنتاجية النساء والشباب وإشراكهم في سوق العمل"، واصفا الأمر "بالضروري لتسريع تقارب المغرب مع البلدان ذات الدخل المرتفع".
في السياق ذاته، ذهب المحلل يونس خضرة ليؤكد وجوب إشراك العنصر البشري في عملية التنمية والتخفيف من آثار الجائحة في الفرد والقطاعات الحيوية، مضيفاً، "أن للمغرب مزايا نمكنه من عملية العودة مثل البنيات التحتية والنظام المالي المستقر والاستقرار الأمني والموقع الجغرافي"، ونبه في الوقت نفسه من "أن وجود ثغرات تخص رأس المال البشري في قطاعي التعليم والصحة والسياحة مثلاً وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات قد تعوق ذلك".
العودة لمؤشرات 2019
يضيف يونس خضرة "أن العودة لأرقام المغرب الاقتصادية لسنة 2019 لن تكون بالسهلة كما هو حال باقي الاقتصادات العالمية، بخاصة أن السياسات الحكومية لا تزال خاضعة لتقلبات ظروف الوباء". أضاف "أن المغرب تبنى منذ الأيام الأولى للجائحة سياسة تفضل نوعاً ما صحة المواطن، وعليه ترتبت أزمات قاومها الاقتصاد المغربي بفضل خطوات استعجالية كالسياسة النقدية التوسعية، والدعم النقدي المقدم من بنك المغرب اللذين ساعدا على الصمود في وجه العاصفة، لكن آثار الإغلاق كانت بادية كما هو حال معدل القروض المتعثرة الذي يستمر في الارتفاع".
وخلال لقاء إعلامي صرح جيسكو هينتشل، مدير العمليات لمنطقة المغرب العربي بالبنك الدولي بأن "نموذج التنمية الجديد ينص على وجه الخصوص على تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق، تهدف إلى تعزيز الاستثمار الخاص، وتحفيز الابتكار، بما يشمل إدماج النساء في سوق العمل وزيادة رأس المال البشري".
وبالعودة لتقرير البنك الدولي "فإن معدلات الفقر ستنتظر حتى 2023 قبل الرجوع إلى مستويات 2019، على الرغم من مجهودات ونتائج برامج التحويلات النقدية الحكومية التي بدأت أثناء الإغلاق، فيما يقلص الانتعاش الملحوظ في الإيرادات العامة من عجز الميزانية، إذ اعتمد القائمون على القرار الاقتصادي بشكل أساسي على الأسواق المحلية لتلبية احتياجاتها التمويلية".
التقرير أشار كذلك إلى "أن ارتفاع أسعار الطاقة وانهيار عائدات السياحة تعدى التدفقات الإضافية الناتجة عن الأداء الجيد للصادرات الصناعية وتحويلات مغاربة الخارج، ما نتج عنه زيادة عجز الحساب الجاري للبلاد"، مضيفاً أن "انتعاش الإنتاج الزراعي هذا العام أسهم في خفض البطالة بشكل ملحوظ في المناطق القروية، بينما عرفت مؤشرات سوق العمل في المناطق الحضرية نوعاً من الانتعاش فقط في الربع الثالث من عام 2021، بعد أن بلغت ذروتها عند نحو 6.4 في المئة عام 2020".
الأسواق الدولية تساعد في تمويل الاقتصاد المغربي
تقرير البنك الدولي تحدث عن تعامل السلطات المغربية بشكل جيد مع القروض الثنائية ومتعددة الأطراف والأسواق المالية والشراكات الدولية، وهو ما قد يساعد في تمويل الاقتصاد والحفاظ على الاحتياطيات الدولية عند مستوى مريح.
وتوقعت ذات الوثيقة تراجع عجز الميزانية بنسبة 6.7 في المئة من الناتج الداخلي الخام خلال 2021، على أن يستمر العجز في التقلص بين سنتي 2022 إلى 2024 بفضل انتعاش الإيرادات الضريبية واعتدال الإنفاق العام، ما يمكن من تحقيق استقرار نسبة الدين مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما من المتوقع أيضاً أن تشهد الاحتياجات التمويلية الإجمالية للخزينة العامة نوعاً من الاستقرار عند عام 2024، وأن تصل في المتوسط إلى 16.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، مقارنة بـ20.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2020.
فيما ينتظر أن يعرف عجز الحساب الجاري ارتفاعاً يصل إلى 3.7 في المئة نهاية 2021، ثم ينخفض تدريجياً بحلول عام 2024.
2021 عام استعادة الناتج الداخلي الخام
واعتبر المتخصصون في وزارة الاقتصاد والمالية "أن آفاق نهاية عام 2021 تبدو جيدة للاقتصاد الوطني، ما يمكنه من تحقيق انتعاش في الناتج الداخلي الخام بنحو 6 في المئة".
وأوضحت مذكرة الظرفية الصادرة عن مديرية الدراسات والتوقعات المالية التابعة للوزارة، "أن النمو المنتظر سيسمح باستعادة نحو 99.5 في المئة من مستوى الناتج الداخلي الخام قبل سنة 2019 قبل ظهور الوباء". وتضيف المذكرة "أن المغرب سيعرف أحد أفضل معدلات النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ضمن سياق دولي يتميز بآفاق نمو مواتية تعززها دينامية اقتصادات الولايات المتحدة وبلدان أوروبا".
لكن ذات المعطيات أقرت بأنه على الرغم من الانتعاش الملحوظ، فإن المخاطر الباقية تهدد بوقف هذه الدينامية الاقتصادية، وعلى رأسها توالي ظهور متحورات جديدة لـ"كوفيد-19"، واضطرابات سلسلة التوريد على الإنتاج الصناعي وارتفاع أسعار السلع الأولية العالمية التي تغذي مؤقتاً الضغوط التضخمية.
اقتصاد مرن قاوم الجائحة
وكان للخطوات الاستعجالية المتخذة في إطار خطة الإنعاش أثر ملموس في تحقيق انتعاش اقتصادي ملحوظ، خصوصاً مع نهاية السنة الماضية، علاوة على ما حققه المغرب من انخراط قياسي في حملة التلقيح الوطنية وما سجله الموسم الفلاحي من نتائج استثنائية.
وبحسب معطيات الوزارة، فقد عرفت القدرة الشرائية للأسر تطوراً متواصلاً بفضل تحسن المداخيل الناتجة عن الأداء الجيد للموسم الفلاحي، إضافة إلى ما سجلته تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج من مستوى قياسي، وكذا ارتفاع قروض الاستهلاك في سياق تضخم معتدل بقي عند حدود 1.3 في المئة.
وعلى مستوى التجارة الخارجية، فقد تجاوزت الصادرات خلال السنة الماضية ما كانت عليه قبل الأزمة بنحو 10 في المئة. ويخص هذا الانتعاش أغلب القطاعات، بخاصة صادرات الفوسفات ومشتقاته والسيارات والصناعة الغذائية والإلكترونيات والكهرباء.
وبحسب متخصصين في مديرية الدراسات والتوقعات المالية فمن المنتظر أن تسمح الدينامية المتجددة للنشاط الاقتصادي بالدخول في مرحلة تحقيق انتعاش تدريجي للتوازنات الماكرو - اقتصادية مطلع السنة الحالية، مع عجز في الميزانية يرتقب أن يصل إلى 6.2 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي مقابل 7.6 في المئة السنة الماضية.
ارتفاع الطلب العالمي الموجه للمغرب بـ2 في المئة
توقعت المندوبية السامية للتخطيط، نمو الاقتصاد الوطني خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 2.8 في المئة قياساً بـ1 في المئة خلال الفترة نفسها من العام الماضي، إضافة لارتفاع القيمة المضافة غير الزراعية وتراجع القيمة المضافة الفلاحية.
وأشارت المندوبية في موجز الظرفية الاقتصادية أن النمو سيبقى مرتبطاً بتطور الوضعية الوبائية وتقدم الحملة التلقيحية عبر العالم، وكذلك الإجراءات الاحترازية المتخذة وتدابير السياسات الاقتصادية المعلنة في عديد من البلدان.
في المقابل، تترقب ذات المؤسسة أن تستمر الضغوط التضخمية الناتجة عن ارتفاع أسعار المواد الأولية والنصف مصنعة، بالموازاة مع تطور القدرات الإنتاجية واستقرار تكاليف الإنتاج. فيما تراهن على أن تحافظ المبادلات التجارية العالمية على تطورها مدعومة بارتفاع مبادلات البلدان المتقدمة والناشئة. وفي ظل ذلك، سيحقق الطلب العالمي الموجه إلى المغرب زيادة بنسبة 2.4 في المئة بحسب التغير السنوي.
وفيما يخص الطلب الداخلي فترى المندوبية السامية للتخطيط أنه سيواصل التحسن في الفصل الأول من العام الحالي، ولكن بوتيرة أقل من الفصل السابق، حيث ستشهد نفقات الأسر الموجهة نحو الاستهلاك بعض التباطؤ، فيما سيعرف الاستهلاك العمومي نمواً يناهز 4.5 في المئة، خلال الفترة نفسها، بالموازاة مع تطور النفقات العمومية. أما الاستثمار الخام فسيحافظ على ديناميته ليحقق زيادة تقدر بـ7.9 في المئة، بفضل ارتفاع الاستثمار في قطاعات الصناعة والبناء.