ارتفعت أسعار النفط لليوم الرابع على التوالي محافظة على مكاسبها عند أعلى مستوياتها خلال سبع سنوات، وسط استمرار أزمات المعروض في ظل التوترات الجيوسياسية القائمة في منطقة الشرق الأوسط. وصعدت العقود الآجلة لخام "برنت" 55 سنتاً بما يعادل 0.6 في المئة إلى 88.06 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2014، وذلك بعد تقدمها 1.2 في المئة خلال جلسة الثلاثاء.كما حققت أسعار العقود الآجلة لخام "غرب تكساس" الوسيط الأميركي 68 سنتاً، أو 0.8 إلى 86.11 دولار للبرميل ، وهو أعلى مستوى له منذ التاسع من أكتوبر 2014، بعد أن سجلت زيادة 1.9 في المئة بالجلسة السابقة.
أزمة الإمدادات
وكانت أسواق الخام تعرضت إلى مخاوف بشأن أزمة إمدادات جديدة بعد أن قالت شركة "بوتاس" التركية الحكومية المشغلة لخطوط الأنابيب، إنها أوقفت تدفق النفط عبر خط أنابيب كركوك - جيهان في أعقاب انفجار لم يعلن عن أسبابه حتى الآن، مما زاد الضغط على الأسواق ودفع الأسعار إلى الارتفاع، إلا أن شركة النفط التركية الحكومية أعلنت استئناف الخام عبر خط الأنابيب.وينقل خط الأنابيب الإمدادات النفطخام من العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة "أوبك"، إلى ميناء جيهان التركي للتصدير.والحريق هو أحدث حلقة في سلسلة اضطرابات الإمدادات التي دفعت أسعار الخام العالمية إلى أعلى مستوياتها خلال سبع سنوات.وصرح مصدر أمني كبير لـ "رويترز" اليوم الأربعاء بأن انفجار خط أنابيب نفط كركوك - جيهان نتج من سقوط برج كهرباء وليس هجوماً.ويعد خط الأنابيب منفذاً رئيساً لنقل النفط من شمال العراق إلى أوروبا عبر ميناء جيهان، حيث يتم نقل أكثر من 450 ألف برميل يومياً عبر هذا الخط.
مخاوف جيوسياسية
وتزيد مخاوف الإمدادات في شأن روسيا، ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، والإمارات ثالث أكبر منتج في "أوبك".في غضون ذلك، تصطف القوات الروسية على حدود أوكرانيا، إذ وصف البيت الأبيض الأزمة بأنها خطرة للغاية، وقال إن موسكو يمكن أن تغزو كييف في أي وقت.
أزمة شح الإمدادات
إلى ذلك، قال محلل أسواق النفط العالمية أحمد حسن كرم إن تزايد مخاوف المستثمرين من أزمة محتملة في شح الإمدادات كان السبب الرئيس وراء صعود الأسعار، وسط تنامي الطلب على الخام، لا سيما عد توقف خط الأنابيب الممتد من العراق إلى تركيا، مما فاقم المخاوف بشأن توقعات تراجع الإمدادات وسط مشكلات جيوسياسية مقلقة في روسيا ومنطقة الشرق الأوسط.وأضاف كرم أنه في حال استمرار تلك التوترات فسيكون الطريق ممهداً للوصول إلى 100 دولار للبرميل.
تأثر المعروض
وأوضح رئيس قسم الأبحاث لدى "إيكويتي غروب" رائد خضر أنه "تسود توقعات بتأثر المعروض خلال 2022 مع استمرار تحسن الطلب بأكثر من المتوقع مع الانتشار الواسع لمتحورة أوميكرون، وهو ما قد يدفع أسعار الأسعار نحو مستويات أعلى".وأضاف "أن من العوامل التي دعمت صعود النفط أيضاً التوترات الجيوسياسية في روسيا وكذلك الإمارات التي تعرضت لهجمات من الحوثيين، وهو ما قد يؤدي لتعطل الإمدادات في الوقت الذي تجد فيه "أوبك+" صعوبة لتلبية الهدف المتفق عليه بإضافة 400 ألف برميل شهرياً".وأشار الخضر إلى أن "التحدي الذي قد يواجه النفط هو ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا، مما قد يؤدي لانخفاض الطلب بخاصة في الصين إذا اضطرت لعمليات إغلاق كبيرة تؤثر في استهلاك أكبر مستورد للنفط في العالم".
100 دولار للبرميل "غير مستبعد"
في الوقت ذاته، قال مسؤولون في "أوبك" لوكالة "رويترز" إن موجة صعود النفط الحالية قد تستمر خلال الأشهر القليلة المقبلة بسبب انتعاش الطلب والقدرة المحدودة لدى تحالف "أوبك+" على زيادة العرض، وإن الأسعار ربما تتجاوز الـ 100 دولار للبرميل.وكانت آخر الارتفاعات لسعر النفط وصلت 100 دولار للبرميل في 2014 بعد أن ظل متوسط الأسعار 110 دولارات على مدى العامين السابقين. وكان ارتفاع إنتاج النفط الصخري والتنافس بين كبار منتجي النفط في العالم في 2014 إيذاناً بفترة انخفاض في الأسعار يبدو أنها انتهت عندما بدأ الاقتصاد العالمي ينفض عن كاهله تداعيات جائحة كورونا.وحتى وقت قريب كان احتمال العودة ل سعر يتجاوز 100 دولار بعيداً، غير أن السوق تعافت سريعاً من ركود لم يسبق له مثيل في الطلب، أفرزته الجائحة في 2020 وأخذت فيه الأسعار في وقت من الأوقات منحى سلبياً.وقال مصدر في "أوبك" من إحدى الدول الكبرى المنتجة للنفط إن "الضغط سيزيد على أسعار النفط خلال الشهرين المقبلين على الأقل"، مضيفاً أنه "في ظل هذه الظروف ربما يكون السعر قريباً من 100 دولار، لكن من المؤكد أنه لن يكون مستقراً".ولا تنشر منظمة "أوبك" توقعاتها لأسعار النفط ولم تستهدف سعراً معيناً على المستوى الرسمي منذ سنوات.وكان تحالف "أوبك+" الذي تشكل في أواخر 2016 للتخلص من تخمة المعروض النفطي قرر خفوضاً قياسية في الإمدادات في 2020 بلغت 10 ملايين برميل يومياً، تعادل 10 في المئة من حجم الطلب العالمي، ويعمل التكتل على إعادة طرح هذه الكميات في الأسواق تدريجاً، فمع تعافي الطلب عمد التكتل إلى استهداف زيادة الإنتاج بواقع 400 ألف برميل شهرياً، غير أن الزيادات الشهرية الفعلية في الإنتاج أقل من ذلك لأن كثيراً من المنتجين لا يمكنهم ضخ مزيد من النفط، كما أن الدول التي يمكنها زيادة إنتاجها تلتزم بحصصها.وقال المصدر إن "(أوبك+) تجد صعوبة في الإنتاج بالمستوى المستهدف، لأن الاستثمار الضروري في صناعة النفط لم يتحقق خلال العامين الأخيرين، كما أن أثر أوميكرون على الطلب في الأجل القصير كان بسيطاً"، مضيفًا أن هذين هما العاملان الرئيسان اللذان يغذيان الموجة الصعودية.وفي خطوة نادرة من جانب أحد قادة تحالف "أوبك+" تنبأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أكتوبر بأن سعر النفط قد يبلغ 100 دولار للبرميل.وقال بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري أمس الثلاثاء إن مزيج "برنت" في وضع يؤهله للارتفاع عن 100 دولار في وقت لاحق من العام الحالي.
المعروض يتجاوز الطلب قريباً
من جانبها، قالت وكالة الطاقة الدولية "إن المعروض من النفط قد يتجاوز الطلب العالمي قريباً، إذ من المتوقع أن يقبل بعض المنتجين على ضخ الخام عند أو فوق أعلى المستويات على الإطلاق، في حين يظل الطلب مرتفعاً على الرغم من انتشار متحورة (أوميكرون)".وفي تقريرها الشهري عن سوق النفط، ذكرت الوكالة ومقرها باريس، أن كلاً من الولايات المتحدة وكندا والبرازيل من المقرر أن تضخ الخام بأعلى مستوى على الإطلاق، في حين قد تسجل السعودية وروسيا مستويات قياسية جديدة.وأضافت أن "الزيادة المطردة في الامدادات قد تؤدي إلى تسجيل فائض كبير خلال الربع الأول من 2022 وما بعد ذلك".وأشارت الوكالة إلى أن تخفيف إجراءات الإغلاق يعني استمرار الحركة النشطة، مما دفعها إلى رفع تقديراتها للطلب في العام الماضي والعام الحالي بنحو 200 ألف برميل يومياً، ليصل إلى 3.3 مليون برميل يومياً، لكنها حذرت من أن المخزونات التجارية من النفط والوقود في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بلغت أدنى مستوياتها في سبع سنوات، لذلك فإن أي صدمة في المعروض من شأنها أن تثير التقلبات في سوق النفط خلال 2022.وتوقعت وكالة الطاقة الدولية تجاوز الطلب العالمي على النفط مستويات ما قبل كورونا خلال 2022، مع ارتفاع معدلات التطعيم ضد الوباء ومحدودية تأثير "أوميكرون".وفي ديسمبر (كانون الأول) كانت وكالة الطاقة تتوقع نمو الاستهلاك العالمي للنفط بنحو 5.4 مليون برميل يومياً في 2021، وبنحو 3.3 مليون برميل يومياً في 2022.
زيادة الطلب العالمي
في حين أبقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الثلاثاء على توقعاتها بزيادة الطلب العالمي على النفط بشدة في 2022، على الرغم من سلالة أوميكرون المتحورة من فيروس كورونا والزيادات المتوقعة في أسعار الفائدة، متوقعة استمرار تلقي سوق النفط دعماً جيداً خلال العام.وجاءت توقعات "أوبك" المتفائلة مع وصول أسعار الخام إلى أعلى مستوى منذ عام 2014، وحصلت موجة الصعود على قوة دافعة من شح الإمدادات، وأظهر تقرير "أوبك" أيضاً أن المنظمة لم تزد إنتاجها في ديسمبر بالقدر الذي وعدت به.وقالت "أوبك" في تقرير شهري إنها تتوقع ارتفاع الطلب العالمي على النفط 4.15 مليون برميل يومياً هذا العام، من دون تغيير عن توقعاتها الشهر الماضي. وأضافت، "على الرغم من أن سلالة أوميكرون الجديدة قد يكون لها تأثير في النصف الأول من 2022، والذي يعتمد على أي تدابير إغلاق أخرى وتزايد معدلات دخول المستشفيات والتي تؤثر في القوى العاملة، فإن توقعات النمو الاقتصادي لا تزال قوية".
النفط الصخري الأميركي
ويراقب المتعاملون أي مؤشرات على تعاف كبير في إنتاج النفط الصخري الأميركي نظراً إلى أن ارتفاع الأسعار يدفع الشركات لزيادة الاستثمار وهو ما قد يسبب صعوبات لـ "أوبك+" في مساعيها إلى دعم السوق.ورفعت "أوبك" توقعاتها لنمو إنتاج النفط الصخري الأميركي في 2022 إلى 670 ألف برميل يومياً من 600 ألف، ولم تغير المنظمة توقعاتها لنمو الإمدادات الإجمالية من خارجها في 2022.وقالت المنظمة إنها تتوقع أن يبلغ الطلب العالمي على نفطها 28.9 مليون برميل يومياً في 2022 من دون تغير عن الشهر الماضي، وهو ما يسمح نظرياً بزيادات جديدة في الإنتاج.
نقص الاستثمار
وتعد القيود التي تكبل القدرة الإنتاجية لدى "أوبك+" جزءاً من اتجاه أوسع نطاقاً تسبب في معاناة صناعة النفط من نقص الاستثمار بفعل تداعيات جائحة كورونا، وكذلك فإن شركات النفط الأوروبية الكبرى تعمل على خفض استثماراتها في المشاريع النفطية وسط ضغوط من أجل التركيز على أنواع الوقود الأنظف.ونتيجة لذلك أصبح عدد قليل من كبار المنتجين من أعضاء "أوبك" مثل السعودية والإمارات والعراق يمتلكون القدرة على زيادة الإنتاج بدرجة كبيرة، فيما تملك إيران القدرة على ضخ مليون برميل أخرى يومياً، لكنها مقيدة في الوقت الحالي على الأقل بالعقوبات الأميركية.
أخطار على الطلب
ويسمح ارتفاع الأسعار لأوبك و"أوبك+" بتعويض الإيرادات التي انهارت في 2020، غير أن بعض أعضاء التحالف لا يشعرون بالارتياح لهذه المستويات المرتفعة.وقال مصدر آخر في "أوبك+" إن "هذه الأسعار تمثل مصدر خطورة على الطلب، ولا أؤيد سعراً أعلى من 85 دولاراً لفترة طويلة، فهو مرتفع بعض الشيء بما لا يسمح بنمو مستمر في الطلب".ولم يتوقع أن يصل السعر إلى 100 دولار ما دام الطلب على وقود الطائرات أقل من مستوياته قبل الجائحة.وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد وقت غير طويل من بلوغ مزيج "برنت" 86 دولاراً للبرميل، محققاً أعلى مستوى منذ ثلاث سنوات مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء والفحم، استندت منظمة "أوبك" إلى ارتفاع أسعار الطاقة في تقليص توقعاتها للطلب في تقريرها للربع الأخير من العام 2021.ولا يملك تحالف "أوبك+" القدرة على زيادة الإنتاج والتي تنحصر في عدد قليل من الدول، وعلى الأرجح سيتطلب ضخ هذا النفط في السوق قراراً بإعادة ترتيب حصص الإنتاج من خلال استبعاد الدول غير القادرة على زيادة الإنتاج، غير أن هذه لن تكون مهمة سياسية سهلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المعتقد في دوائر صناعة النفط أن قدرة الإنتاج الاحتياطية الفعلية كثيراً ما تكون أقل من الأرقام الرسمية المعلنة، ولم يسبق اختبار القدرة الإنتاجية الاحتياطية لدى السعودية في أقصى مستوياتها.وفي الرابع من يناير (كانون الثاني) الحالي عقد تحالف "أوبك+" اجتماعاً واتفق على المضي قدماً في طرح زيادة قدرها 400 ألف برميل في الإنتاج خلال فبراير (شباط)، فيما يشير إلى أن العجز بين الإمدادات الفعلية والإمدادات الموعودة قد يرتفع ما لم يتدخل كبار المنتجين لتعويض الفارق.
أدوات على الطاولة
وفي الوقت الذي تمثل فيه الأسعار المرتفعة ضربة لجهود الولايات المتحدة في احتواء الأسعار، أعلن البيت الأبيض أنه "ما تزال هناك أدوات مطروحة على الطاولة" إذا احتاجت الإدارة الأميركية إلى التعامل مع ارتفاع أسعار يهدد الانتعاش الاقتصادي.وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي إيميلي هورن، "نواصل العمل مع الدول المنتجة والمستهلكة، وكانت لهذه الخطوات تأثيرات حقيقية في الأسعار، وفي النهاية ما تزال الأدوات مطروحة على الطاولة بالنسبة إلينا للتعامل مع الأسعار".وأضافت، "سنواصل مراقبة الأسعار في ظل النمو الاقتصادي العالمي، وإشراك شركائنا في "أوبك+" على النحو المناسب".