يواصل الجيش الوطني اليمني مع ألوية العمالقة والمقاومة الشعبية تحقيق الانتصارات في جبهات عدة ضد الحوثيين، الذين تكبدوا خسائر بشرية ومادية جسيمة، وسط ضربات جوية فتاكة لقوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، والدور الاستخباراتي الهائل في الاختراق الأمني الذي طال قيادات حوثية عليا في مخابئهم السرية وأماكن تنقلاتهم الخاصة، وسواء قُتل زعيمهم عبد الملك الحوثي أو لا، فالنزاع القيادي يتصاعد في ما بينهم، وتعرّض محمد علي الحوثي إلى محاولة اغتيال أسفرت عن مقتل اثنين من مرافقيه وسط مدينة صنعاء في 12 من الشهر الحالي.
وكان طلب إيران من السعودية السماح بنقل حسن إيرلو جواً، سفيرهم لدى الحوثيين، الذي أُصيب بجروح بالغة أدت إلى وفاته لاحقاً، بمثابة جرس إنذار خطير للنظام الإيراني على أن مشروعهم في اليمن دخل مرحلة الانكسار، إذ إن إيرلو من قياديي الحرس الثوري، وكان يخطط ويشرف على المعارك الميدانية.
من هنا، تحاول طهران دفع عجلة التفاوض مع الرياض بما يخص الوضع في اليمن، بيد أن الجانب السعودي يريد التفاوض على أساس الحزمة الواحدة أو الشروط الخمسة، وهي اليمن والعراق وسوريا ولبنان والملف النووي. ويبدو أن إيران تهدف من هذا الطرح المفرد إلى إطالة المدة الزمنية بغية ترميم الأوضاع، فهزائم الحوثيين عسكرياً في اليمن، رافقتها خسائر الموالين لها سياسياً في العراق.
وفي مقابلة على قناة "الجزيرة" الأسبوع الماضي، نستشف من كلام حسين عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، حالة التعجيل التفاوضي مع الطرف السعودي، إذ قال: "لقد أجرينا أربع جولات من المحادثات الإيجابية والبناءة مع المسؤولين السعوديين في العراق. ما ذكرناه كموقف رسمي هو أن العلاقات بين البلدين ستعود إلى طبيعتها، وقتما شاء الجانب السعودي. إيران جاهزة وترحب بإعادة فتح السفارات والقنصليات".
وعلى هذا النمط، أكد إبراهيم عزيزي، نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، استعداد بلاده لاستئناف العلاقات مع المملكة، شريطة "وجود الرغبة واتخاذ إجراءات من قبل الطرف السعودي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما كشف النائب الإيراني جليل رحيمي جهنا أبادي في تغريدة على "تويتر" في منتصف الشهر الحالي، عن أهمية استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات في كل من الرياض وطهران. وأضاف أن "إعادة فتح السفارات تحمل تداعيات مهمة للحدّ من التوترات الإقليمية وزيادة التماسك العالمي".
وبما أن النظام الإيراني يعطي الأولوية إلى العراق في مشروعه الطائفي، كونه المدخل المباشر إلى الأمة العربية، سارع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بعد استشارة علي خامنئي، لسحب الملف السياسي العراقي من إسماعيل قاآني قائد الحرس الثوري، وتسليمه إلى محمود علوي، وزير الأمن القومي سابقاً ورئيس جهاز الاستخبارات "إطلاعات"، والإبقاء على الملفين الأمني والعسكري في حوزة قاآني.
بلا أدنى شك، أن محاولة إيران المسارعة في ترميم مشروعها الطائفي في اليمن والعراق، ترمي إلى وقف أو في حد أدنى إلى تقليل حدة التراجع الحاصل، فتداعيات ذلك ستنعكس سلباً على ذراعها "حزب الله" في لبنان، وكذلك على وجودها العسكري في سوريا.
هل باستطاعة إيران تحقيق ذلك؟
الجواب عن السؤال أعلاه يتعلق بالتطورات الحاصلة في الساحتين العسكرية في اليمن، والسياسية في العراق.
ففي اليمن، قوات الجيش الوطني وألوية العمالقة الـ 17، وكذلك مقاتلو المقاومة الشعبية القبلية، أنجزت تقدمات وانتصارات ميدانية باهرة، فمن تحرير محافظة شبوة إلى جبهات محافظات مأرب والبيضاء والحديدة، وإذا استمر هذا التماسك العسكري، فالاتجاه نحو تحرير العاصمة صنعاء سيكون قريباً، علاوة على الدعم والإسناد الجوي والبري لقوات التحالف العربي، وبذلك يقترب تحقيق الهدف بالقضاء على الميليشيات الحوثية وإنهاء المشروع الإيراني في اليمن.
وأقرّ القيادي الحوثي فارس الحباري، محافظ ريمة عندهم، في تغريدة على "تويتر" أواسط هذا الشهر يناير (كانون الثاني)، بضرورة الانسحاب من مأرب جراء الخسائر البشرية الكبيرة في صفوفهم، منتقداً القيادة بقوله "سلامة الرجال أهم من المواقع يا قيادة، إفهموا الانسحاب والتراجع مش هو عيب، العيب أنه نضحي بالمقاتلين من دون نتيجة على الأرض سوى الموت".
ولكي يتظاهر الحوثيون بأن خسائرهم الميدانية لم تؤثر فيهم، قاموا بعدوان سافر على الإمارات بطائرات مسيّرة استهدفت مطار أبو ظبي الدولي، وأدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح ستة آخرين من المدنيين الأبرياء.
أما في العراق، فإن قوى "الإطار التنسيقي" الذي يضم ائتلاف دولة القانون وتحالف قوى الدولة وتحالف النصر وحركة عطاء وحزب الفضيلة وتحالف الفتح (فصائل الحشد الشعبي)، وهذه القوى الشيعية موالية لإيران تعاني من رفض سياسي وشعبي، خصوصاً بعدما بطشت ميليشياتها بالرصاص الحي والقنابل الصوتية بالشباب المنتفض في محافظات الوسط والجنوب والعاصمة بغداد ضد الهيمنة الإيرانية. كما زادت هذه المعاناة للقوى الولائية بعد هزيمتهم المريرة في الانتخابات العامة، وكذلك فشل إسماعيل قاآني بالتوسط بينهم والتيار الصدري لخلافات مزمنة بين نوري المالكي ومقتدى الصدر.
ومع ذلك، فإن زيارة قاآني الحالية إلى النجف ولقاءه مقتدى الصدر الاثنين الماضي، لاقت فشلاً آخر ولم تفضِ إلى حل تصالحي بين الصدر والمالكي. كما أن خلاف "الإطار التنسيقي" تجاه بقية كتل العملية السياسية، وما جرى من استهداف مقار أحزاب سنية وكردية في بغداد، واستمرار عمليات الاغتيالات والهجمات المتبادلة بين القوى الموالية لإيران والتيار الصدري، فربما تتطور وتؤدي إلى صراع مسلح يؤثر مباشرة في المشروع الإيراني بالعراق.
لذلك، تحاول طهران الآن من خلال العمل السياسي والدبلوماسي لملمة هذه الانكسارات لأذرعها في اليمن والعراق. وبحسب تصوّري، ليس بمقدورها التلاعب وتمرير الهدف الذي تريده، إن لم تكُن جادة تماماً في التجاوب مع إرادة الشعبين اليمني والعراقي، وكذلك في مفاوضاتها مع السعودية، إذ لم يبقَ في القوس منزع في الجانب العربي لكي تراوغ إيران بحيلها وخبثها، لا سيما أن خبرات وممارسات أربعة عقود في المنطقة عرّتها من كل حجة وتستر. وعلى الرغم من ذلك، فلا أتوقع أن تستجيب إيران للإرادة العربية وتتخلى عن مشروعها الطائفي، الذي يمثل أصل كيانها العقدي والفكري والسياسي.