مع انتشار بوادر صعود الصين إلى مكانة القوة العظمى تزداد الرغبة في واشنطن للانفصال عن "منافسها الاستراتيجي". ولكن في عام 2022، من المقرر أن يتسبب العالم ثنائي القطبية بشكل متزايد الناتج من هذه الديناميكية الأساسية في إحداث مجموعة من المشاكل الجيوسياسية للقوى الأصغر والشركات متعددة الجنسيات.
ركز تقرير ضمن ملف حمل عنوان (العالم في 2022) أعدته "فايننشال تايمز"، على صعود التكنولوجيا الصينية وكيف تقف وراء اشتداد حدة المنافسة مع الولايات المتحدة؟ وبحسب التقرير فقد تميز النصف الثاني من عام 2021 بالكشف عن انتعاش حاد في القوة الاستراتيجية للصين. في حين فاجأت بكين وزارة الدفاع ومجتمع الاستخبارات الأميركية في يوليو (تموز) الماضي، بإطلاقها سلاحاً تفوق سرعته الصوت، في اختبار أشار إلى أن الجيش الصيني يمكن أن يضرب أهدافاً في أي مكان بالولايات المتحدة بأسلحة نووية.
ورد الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للولايات المتحدة، بالقول "إن الحدث كان قريباً من (لحظة سبوتنيك)، في إشارة إلى إطلاق قمر اصطناعي من قبل الاتحاد السوفياتي في عام 1957، الذي أظهر براعة موسكو المتزايدة وتكثيف مسابقة الحرب الباردة".
في مقال أوائل ديسمبر (كانون الأول)، جادل غراهام أليسون من جامعة هارفارد وإريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، بأن "الصين ستقود الولايات المتحدة قريباً في مجال التكنولوجيا".
التقنيات الحيوية الناشئة في الصين وتطويرها العسكري
مع تنامي المعرفة التكنولوجية في الصين، تزداد قوة التراجع من واشنطن. في أحد الأمثلة الحديثة، ووضعت الولايات المتحدة الشهر الماضي الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية العسكرية و11 معهداً لأبحاث التكنولوجيا الحيوية التابعة لها على القائمة السوداء، بزعم أنها تساعد الجيش الصيني على تطوير أسلحة "التحكم في الدماغ".
لا يزال ما تستتبعه هذه الأسلحة ضبابياً، لكن مسؤولاً أميركياً كبيراً قال، "إن الصين تستخدم التقنيات الحيوية الناشئة لتطوير التطبيقات العسكرية المستقبلية، بما في ذلك "تحرير الجينات، وتحسين الأداء البشري وواجهات الدماغ والآلة".
وحدد مايكل أورلاندو، رئيس مركز الأمن والاستخبارات الوطنية الأميركية، التكنولوجيا الحيوية كواحد من خمسة قطاعات رئيسة يحاول فيها اللاعبون الصينيون الحصول على التقنيات الأميركية.
عمق التنافس الأميركي الصيني
وتُظهر هذه التطورات، مجتمعة، عمق التنافس بين الولايات المتحدة والصين الذي يبدو أنه سيميز عام 2022. وليس فقط صعود الصين نحو الارتفاعات القيادية للتكنولوجيا واضحاً في العديد من القطاعات، ولكن الخط الفاصل بين الاستخدامات المدنية والعسكرية للتكنولوجيا أصبح أرق أيضاً.
شي جين بينغ، زعيم الصين قال العام الماضي، "لقد أصبح الابتكار التكنولوجي ساحة المعركة الرئيسة في الملعب العالمي، وستنمو المنافسة على الهيمنة التقنية بشكل غير مسبوق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نتيجة لذلك، يتزايد الزخم نحو "الفصل" في كلا البلدين. يُمنع المستثمرون الأميركيون من الاستثمار في حوالى 15 مجموعة صينية تم وضعها على قائمة سوداء لوزارة الخزانة. وتتهمهم واشنطن بالتورط في مجمع صناعي عسكري صيني بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد الأويغور والأقليات العرقية الأخرى في منطقة شينجيانغ الشمالية الغربية.
من جانبها، قالت بكين "إن الشركات المحلية يجب أن تحصل على الموافقة قبل الإدراج في الخارج إذا كانت تعمل في قطاعات تعتبر محظورة على المستثمرين الأجانب. يبدو أن هذه الخطوة ستلقي بظلالها على عمليات الإدراج للشركات الصينية في الأسواق الأميركية، مما يعرض للخطر طريق جمع الأموال الذي سمح لـ248 شركة صينية بقيمة إجمالية قدرها 2.1 تريليون دولار في مايو (أيار) من العام الماضي لإدراجها في البورصات الأميركية.
الصراع على تايوان
كل هذه الضغوط تلعب دوراً وتستمد الزخم من أكبر مصدر قلق استراتيجي بين القوتين العظميين: تايوان. الجزيرة التي على بعد 161 كلم من الساحل الجنوبي الشرقي للصين هي نقطة الانطلاق لحقد القوى العظمى. حيث تدّعي بكين أن تايوان جزء من أراضيها وتهدد بالهجوم إذا أعلنت استقلالها. بالنسبة لواشنطن تعد تايوان حليفاً مهماً في آسيا، على رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين واشنطن وتايوان.
في ديسمبر من العام الماضي، حذر أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، من "عواقب وخيمة" في حالة الغزو الصيني. وقال "نحن ملتزمون بمساعدة تايوان على التطوير والحفاظ على قدرتها على الدفاع عن نفسها"، مضيفاً "أنه لا أحد يريد أن يرى صراعاً يتطور".
الازدهار المشترك والتداول المزدوج
بعيداً من الجغرافيا السياسية، يتغير دور الصين في العالم بطرق مهمة أخرى. لعدة سنوات، أسهمت في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي أكثر من أي دولة أخرى، وقبل انتشار جائحة كورونا، غالباً ما كانت تمثل ما يقرب من ثُلث النمو في العالم.
لكن في عام 2021، أسهمت الصين بنحو ربع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي فقط، حيث فقد قطاع العقارات زخمه، وتراجعت معدلات المواليد، وارتفعت مستويات الديون. ومن غير المحتمل أن تتبدد هذه الرياح المعاكسة في أي وقت قريب. ما هو متوقع الآن هو تحول في طبيعة نموذج النمو الصيني في أن يكون أقل اعتماداً على الاستثمار في العقارات والبنية التحتية وأكثر اعتماداً على التصنيع عالي التقنية والإنفاق الاستهلاكي لدفع تكوين الثروة.
في هذا الصدد، طرحت بكين عبارتين سياسيتين كبيرتين: الازدهار المشترك والتداول المزدوج. ومن المرجح أن يتم التأكيد على كل منها بشكل أكبر هذا العام وفي السنوات المقبلة.
ويشير الرخاء المشترك إلى نية بكين رفع مستويات المعيشة لنحو 600 مليون صيني من "الفقراء". ويستلزم التداول المزدوج تحولاً نحو زيادة الاعتماد على الذات، وذلك في المقام الأول من خلال توطين سلسلة التوريد في الصين.
حقيقة الأمر إن مكانة الصين في العالم آخذ في التغير؛ من منظور دولي، يبدو أن قوتها المتنامية ستؤجج المزيد من التنافس مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى. وفي الوقت نفسه، في الداخل، قد يجعل ملف النمو الناضج، إلى جانب حافز قوي للتوطين، السوق الصينية الأسطورية صعبة بشكل متزايد بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات للتنقل فيها.