مع استمرار حالة الجمود على الساحة السياسية في ليبيا، التي كانت سمتها البارزة منذ تأجيل الانتخابات العامة عن موعدها نهاية العام الماضي، والفشل في تحديد موعد بديل لها، على الرغم من دوران المفاوضات من جديد بين الأطراف البارزة لدفع العملية الانتخابية، باتت المخاوف من انفلات الأوضاع الأمنية الهشة هاجساً رئيساً للمرحلة المقبلة، بعد ورود تحذيرات رسمية من تجدد النشاطات الإرهابية في ربوع البلاد.
وتزامنت هذه التحذيرات، التي صدرت عن وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، مع ضبط عصابات عابرة للحدود مع الجزائر ومالي، تدير عمليات تهريب لكميات كبيرة من السلاح إلى جماعات متطرفة تنشط على الحدود المشتركة مع البلدين الجارين لليبيا.
سلاح عابر للحدود
أعلنت قوات الجيش الوطني الليبي، ضبط كمية ضخمة من الأسلحة والمتفجرات كانت بحوزة عصابة تنشط على مقربة من الحدود مع الجزائر.
وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي، اللواء خالد المحجوب، في بيان، إن "دوريات القوات المسلحة التي تجوب الصحراء في الجنوب الغربي لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، التي تعمل على تهريب البشر والسلاح والوقود، تمكنت من القبض على عصابة إجرامية تقوم بالتجارة في الأسلحة والتعامل مع الجماعات المتطرفة في الجزائر ومالي".
وأكد المحجوب أن "وحدة الكتيبة الصحراوية باللواء 106 مجحفل، أعدت كميناً على مقربة من الحدود الجزائرية، وتمكنت من ضبط الأسلحة والمواد المتفجرة التي كانت بحوزة تلك العصابة ومصادرتها، وإحالة أفرادها لاتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم".
وشدد أن "القوات المسلحة الليبية، تواصل جهودها لمكافحة نشاط المجموعات المتطرفة الإرهابية التي تهدد الأمن القومي لكامل المنطقة، والتي تنتشر في دول الطوق لتحاول الاستفادة من الظروف الأمنية التي تمر بها ليبيا".
فراغ على الحدود الصحراوية
فتحت هذه القضية من جديد العيون على الحدود الصحراوية لليبيا مع دول الجوار الأفريقي، التي تشهد فراغاً أمنياً استغلته عصابات منظمة لتهريب السلاح والبشر والمخدرات والسلع، على مدار العقد الماضي، وأسهمت في توتر الأوضاع الأمنية في عدد من هذه الدول، بخاصة تشاد ومالي، مستفيدة من التدفق الجنوني للسلاح الليبي المنفلت خارج سلطة الدولة، المقدر بحسب تقارير دولية ومحلية بأكثر من أربعين مليون قطعة سلاح، تفيض عن حاجة العصابات والميليشيات المحلية في بلد لايزيد عدد سكانه على سبعة ملايين نسمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، إلى أن السلاح الليبي وصل إلى أربعة عشر دولة أفريقية، وأسهم بقسط وافر في تأجيج الصراعات في عديد من هذه الدول، وساعد على توسع نشاطات الجماعات الإرهابية والمنظمات المتمردة على السلطة في أراضيها، مثل الجماعات الإرهابية في شمال مالي، وفصائل المعارضة التشادية المسلحة، التي تتحرك بأريحية منذ سنوات على الحدود مع ليبيا، واتخذت من الصحراء الليبية منطلقاً لهجماتها في عمق تشاد، مثلما حدث في مواجهاتها مع الجيش التشادي، في العام الماضي.
بينما تعاني الجزائر منذ سنوات من تدفق السلاح الليبي إلى أراضيها، وضبط الجيش الجزائري كميات كبيرة منه أكثر من مرة، آخرها عام 2018، حين كشفت وزارة الدفاع الجزائرية ضبط أسلحة في مخبأ تابع للإرهابيين في منطقة طارات، في إليزي الحدودية مع ليبيا.
بوكو حرام
ويعد تنظيم "بوكو حرام" المتطرف في نيجيريا، من أخطر التنظيمات الإرهابية في أفريقيا التي وصل إليها هذا السلاح في السنوات الماضية، كما تؤكد تقارير صحافية دولية معززة بوثائق ومقاطع مصورة، كشفت عن تأمين التنظيم طريقاً لتهريب السلاح من ليبيا إلى نيجيريا عبر تشاد، لتشارك به في عملياتها الإرهابية التي تمتد في نحو 4 دول، وأنه من بين السلاح المهرب مدافع مضادة للطائرات وقذائف "هاون" وصواريخ "أرض – جو".
وتوضح التقارير أن السلاح الليبي يدعم نشاطات تنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامـي، وحركات التمرد في شمال مالي، واستخدم في الهجوم على آميناس في الجنوب الشرقـي الجزائري، والهجمات الإرهابية التي تشهدها تونس من حين إلى آخر، وكل هذا يشير إلى خطورة الوضع على الحدود المنفلتة بين ليبيا وجيرانها الأفارقة.
الحل تضامني
في المقابل، يرى الصحافي الليبي يوسف الزواوي أن "الحل لمعضلة انفلات السلاح الليبي وتسربه إلى دول الجوار، لا يكون إلا بتضامن الدولة الليبية وسلطات هذه البلدان لمواجهة عصابات تهريب السلاح التي تشكل تهديداً للمنطقة كلها، عبر تفعيل اتفاقية الدفاع المشتركة، التي ظلت حبراً على ورق، على الرغم من توقيعها قبل سنوات، وتجديد الدعم لمضمونها في الجزائر، نهاية العام الماضي".
وأضاف "السلطات الليبية بظروفها وإمكاناتها الحالية لن تكون قادرة على مواجهة هذه العصابات لوحدها، وتحتاج إلى دعم لوجيستي من جيرانها لخوض هذه المعركة الشرسة، التي لامفر منها لاستعادة الاستقرار في المنطقة".
وتابع، "الصحاري الليبية شاسعة وتحتاج إلى جيش كبير لمراقبة الحدود مع دول الجوار لا تتوفر حالياً، مع انقسام المؤسسة العسكرية وقلة عدد منتسبيها، ولا بد من دعم جيوش البلدان المجاورة وتكثيف الدوريات المشتركة على الحدود، التي تمتد بين ليبيا والجزائر فقط، على سبيل المثال، لنحو 980 كيلومتراً، وتحتاج عملية المراقبة لشريط حدودي كبير مثل هذا الجيش من الطائرات لا تملكه ليبيا، ولا تستطيع توفيره بسبب حظر التسلح المفروض عليها منذ عام 2011".
تحذير من نشاطات إرهابية
ويبدو أن المواجهة مع عصابات التهريب العابرة للحدود، لن تكون الوحيدة التي على ليبيا خوضها في الفترة الحالية، بعد أن حذرت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الجهات التابعة لها من "هجمات إرهابية محتملة قد تستهدف التجمعات والمنشآت العامة والمقار الأمنية والأهداف الحيوية".
ووجهت الداخلية الجهات التابعة لها بـ"تشديد الحراسة واليقظة ومراقبة المشبوهين والوافدين ورصد تحركاتهم ورفع الحس الأمني".
ونشرت تقارير ومعلومات أمنية دقيقة وردت إليها تؤكد "وجود خطر من هجمات إرهابية محتملة قد تستهدف التجمعات البشرية والمنشآت العامة والمقار الأمنية"، من دون أن تحدد مكان هذه الهجمات المفترضة أو زمانها، والجهات التي قد تقوم بها.
وكانت الهجمات الإرهابية في ليبيا تراجعت بشكل واضح في العامين الأخيرين، بعد سنوات من المواجهات الدامية مع تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، انتهت بالقضاء على معظم عناصرهما وتحجيم أنشطتهما في البلاد، التي اقتصرت في العام الماضي على هجومين صغيرين في الجنوب، ضد قوات الجيش، خلفا خسائر بشرية ومادية ضئيلة.
ولم يكن هذا التحذير الحكومي الوحيد من نوعه في الشهر الحالي، بل سبقه تحذير مماثل جاء من وزارة الخارجية البريطانية، في السادس من يناير (كانون الثاني) الحالي، دعت فيه مواطنيها إلى تجنب السفر إلى ليبيا، وطالبت رعاياها المتواجدين بها بمغادرتها فوراً بأي وسيلة عملية ممكنة.
وقالت وزارة الخارجية البريطانية، إن "الأوضاع الأمنية في ليبيا هشة، ويمكن أن تتدهور بسرعة إلى قتال واشتباكات عنيفة دون سابق إنذار".
وأضافت "من المرجح جداً أن يحاول الإرهابيون تنفيذ هجمات في ليبيا، ولا يزال هناك تهديد كبير في جميع أنحائها من الهجمات الإرهابية واختطاف الأجانب".