يسلط هجوم تنظيم "داعش" الذي بدأ قبل أيام على سجن خاضع لسيطرة القوات الكردية في شمال شرقي سوريا، الضوء على هشاشة السجون المكتظة التي يصعب تأمينها، في حين تعد مرتعاً للمتطرفين، فيما بات التحالف الدولي الذي حاربهم من مخلفات الماضي.
وشن أكثر من 100 من عناصر التنظيم المتطرف مساء الخميس، 20 يناير (كانون الثاني)، هجوماً على سجن غويران الذي تسيطر عليه القوات الكردية في محافظة الحسكة، فنجح عدد غير معروف من المتطرفين في الفرار منه، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. لكن وكالة "أعماق" الدعائية التابعة للتنظيم تحدثت عن فرار 800 عنصر.
ومثل هذا التهديد معروف منذ زمن طويل. فقد عملت قوات سوريا الديمقراطية التي تضم بشكل خاص عناصر أكراداً "على نحو جيد" في السنوات الأخيرة من أجل تأمين هذه السجون، كما قال سلمان شيخ، مؤسس مجموعة شيخ المتخصصة في حل النزاعات في الشرق الأوسط. وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية، "لكنهم حذروا منذ فترة من أنهم لا يستطيعون الاستمرار في ذلك لفترة طويلة".
عملية دهم
وتعمل القوات الكردية، الاثنين 24 يناير (كانون الثاني)، على دهم أقسام يتحصن فيها مقاتلو تنظيم "داعش" داخل سجن غويران، وسط مخاوف على مصير مئات القصّر من المحتجزين في السجن، بعد أيام من اشتباكات بين الطرفين أوقعت وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان 154 قتيلاً.
وأفاد المرصد، الاثنين، عن إدخال وحدات من قوات الأمن الكردية وقوات مكافحة الإرهاب في قوات سوريا الديمقراطية "عربات مدرعة إلى ساحة سجن غويران" بعد رفض "غالبية عناصر التنظيم الذين يتحصنون في مبنى في القسم الشمالي من السجن الاستسلام".
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية إن "المئات من عناصر التنظيم سلموا أنفسهم داخل السجن وفي محيطه" حتى مساء الاثنين. وأفاد عن "تحرير عدد من الأسرى من العسكريين والعاملين في السجن" الاثنين.
وأفاد المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، فرهاد شامي، "دهمت قواتنا أحد المهاجع حيث كان يتحصن معتقلو داعش ويواصلون عمليات العصيان".
وفي وقت لاحق، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية في بيان "استسلم نحو 300 مرتزق لقواتنا"، مشيرة إلى مواصلتها حملة "تمشيط حي غويران وملاحقة الخلايا الإرهابية التي حاولت مؤازرة" المقاتلين المعتقلين داخل السجن.
وشاهد مصور لوكالة الصحافة الفرنسية حافلات نقل ركاب لدى خروجها من حي غويران، وسط إجراءات أمنية مشددة، تقل على الأرجح عناصر من التنظيم. وأعقب خروج الحافلات سماع إطلاق نار كثيف في المكان.
شهادات الأطفال
وذكرت منظمة "سايف ذي تشيلدرن" (أنقذوا الأطفال) في بيان الاثنين، أنها "تلقت ومنظمات أخرى شهادات صوتية تؤشّر إلى وقوع العديد من الإصابات والوفيات في صفوف الأطفال".
وأوردت أن العديد من الفتيان المحاصرين وسط القتال محتجزون في سجن غويران منذ نحو ثلاثة أعوام. ويتحدرون من عشرات الدول الأجنبية، إلى جانب سوريا والعراق.
وقالت مديرة الاستجابة الخاصة في سوريا لدى المنظمة سونيا خوش إن "مسؤولية أي شيء قد يتعرض له هؤلاء الأطفال تقع أيضاً على عاتق الحكومات الأجنبية التي اعتقدت أن بإمكانها ببساطة التخلي عن رعاياها الأطفال في سوريا"، منبهة إلى أن تعرضهم "لخطر الموت أو الإصابة مرتبط بشكل مباشر برفض هذه الحكومات إعادتهم إلى بلادهم".
وقالت باحثة سوريا لدى منظمة "هيومن رايتس ووتش" سارة كيالي "هؤلاء الأطفال عالقون عملياً في سجن غويران"، موضحة أن أعمارهم تتراوح بين 12 و18 سنة.
وتلقت "هيومن رايتس ووتش" تسجيلات صوتية من قاصر مصاب بجروح داخل السجن، قال فيها "هناك جثث قتلى في كل مكان"، بحسب كيالي.
عودة التنظيم؟
وحتى مساء الأحد، قُتل 45 عنصراً من قوات سوريا الديمقراطية والقوات الكردية وحراس السجن في هذا الهجوم الذي أعقبته معارك، وكان ما زال مستمراً الاثنين وفق المرصد. وليس هناك ما يشير إلى أن هذه القوات ستكون أفضل تسليحاً في المرة المقبلة.
وقال كولن كلارك، مدير البحث في مركز "صوفان" في نيويورك، "تحتاج قوات سوريا الديمقراطية إلى استراتيجية للتعامل مع هذا التهديد. حتى الآن، كانت الاستراتيجية (التي اتبعها الغرب) تقوم على التهرب من مواجهة الأمر. أين المساعدات؟".
ولم تتضح بعد الملابسات الدقيقة لما حدث. هل كان نتيجة عمل تم تنسيقه على مستوى قيادة تنظيم "داعش"، أم نتيجة مبادرة من الخلية المحلية للتنظيم؟
وقال جيروم دريفون، المحلل في مجموعة الأزمات، إن التنظيم "ليس في الوضع نفسه الذي كان عليه عندما كان يسيطر على منطقة واسعة ويتخذ قراراته بطريقة هرمية". وأضاف أن العملية نُفّذت "إما لإرسال إشارة إلى عودة التنظيم. أو قد تكون ذات بعد محلي ونفذتها خلية تريد إطلاق سراح عناصر من هذا السجن بالتحديد".
إزالة الحواجز
على أي حال، يمكن لهذا الحادث أن يتكرر. إذ يتفق المحللون والمسؤولون العسكريون والسلطات المدنية منذ سقوط التنظيم على الاعتراف بأن هذه السجون ليست إلا أرضاً خصبة لتفريخ المتطرفين نظراً لأنها تؤوي عناصر محليين وأجانب.
فمن خلال احتجازهم معاً، يتواصلون في ما بينهم ويخططون للتحرك بمجرد مغادرتهم السجن وتدريب الأجيال الشابة ويستعدون لمعارك مستقبلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال كلارك مشيراً إلى خطاب ألقاه زعيم التنظيم في عام 2012 أبو بكر البغدادي، "سيعود تنظيم داعش إلى هذا التكتيك، ببساطة لأنه ناجح. سيعملون من جديد على هدم الجدران". قال البغدادي ذلك قبل أن يسيطر التنظيم تدريجاً على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، ويعلن "الخلافة" التي استمرت خمس سنوات (2014-2019).
وهي قراءة تحققت من خلال الهجمات والاعتداءات التي نفذها التنظيم حول العالم، وفق ما رصدته شركة "جهاد أناليتكس" (Jihad Analytics) المتخصصة في تحليل الأنشطة المتطرفة على الأرض وفي الفضاء الإلكتروني.
وقال مؤسس الشركة داميان فيريه، لوكالة الصحافة الفرنسية، "منذ عام 2013، نفذت الجماعة 22 هجوماً على سجون في العراق وأفغانستان والفيليبين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيا والنيجر والسعودية وطاجيكستان ومن ثم في سوريا".
وأضاف أنه على الرغم من تكتم التنظيم المتطرف نسبياً في الأشهر الأخيرة، "تُظهر هذه العملية أنه ما زالت لديه القدرة على تنفيذ هجمات كبيرة، وأن إطلاق سراح عشرات السجناء بما في ذلك بعض القياديين، سيسمح له بتعزيز صفوفه".
اعتراف ومساعدات
وفي تصريحاتهم الرسمية، يقر الأميركيون والأوروبيون والعرب بأن القتال ضد تنظيم "داعش"، وسائر التنظيمات المتطرفة بشكل عام، لم ينتهِ بعد، كما يتضح من نشاط عديد من فروعه وفروع تنظيم "القاعدة" المنافس له.
لكن هذه التصريحات لا تخفي انعدام أي عمل ملموس على الأرض. إذ عبر سلمان شيخ عن أسفه في هذا الصدد على "عدم وضوح الأميركيين والمجتمع الدولي" في ما يتعلق بأهدافهم.
وقال إن الهجوم على سجن غويران في الحسكة "يعكس هشاشة المنطقة". وأضاف أن التعاون الدولي والإقليمي والمحلي يجب أن يعطى الأولوية "لدعم جهود الإصلاح المبذولة في شمال شرقي سوريا".
وشدد على أن المكونات المختلفة التي تسيطر على المنطقة المتمتعة بحكم شبه ذاتي في شمال شرقي سوريا "تحتاج إلى اعتراف دولي بها وإلى مساعدات مالية".