في أول زيارة له إلى مصر منذ توليه منصبه في نهاية 2019، والأولى لرئيس جزائري منذ أكثر من عقدين، وصل عبد المجيد تبون إلى العاصمة المصرية القاهرة، اليوم الاثنين في زيارة تستمر يومين يلتقي خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي لبحث عدد من الملفات الشائكة ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.
وإلى جانب التركيز على الملفات العربية والإقليمية، التي تتصدرها الأزمة الليبية والمصالحة الفلسطينية- الفلسطينية، والقمة العربية المرتقبة في الجزائر، فضلاً عن أزمة سد النهضة، تأتي الزيارة، التي أعلنتها الرئاسة الجزائرية بعد نحو أسبوع من زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى القاهرة، وكذلك قبل أيام من القمة الأفريقية المرتقبة في أديس أبابا المقررة في 5 و6 فبراير (شباط) المقبل، سيكون على رأس جدول أعمالها الفصل النهائي في موضوع منح إسرائيل صفة مراقب، في المنظمة القارية.
ملفات على الطاولة
بحسب ما ذكرت مصادر مصرية لـ"اندبندنت عربية"، "فإن الزيارة التي ستنطلق من مرتكزات العلاقات الثنائية التاريخية القائمة على التعاون والتضامن، وآفاق تعزيزها في مختلف المجالات، تجسيداً للإرادة الراسخة التي تحدو قيادتي البلدين، ستتصدرها ملفات رئيسة بينها الأزمة الليبية، والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية على وقع مبادرة جزائرية في هذا الشأن، والتحضير للقمة العربية المرتقبة، فضلاً عن ملفات أخرى من بينها سد النهضة والأمن في أفريقيا".
ففي الأزمة الليبية، ذكرت المصادر، أن "الجزائر والقاهرة، كثفتا التواصل في الأشهر الأخيرة باعتبارهما دول جوار يرتبط أمنهما القومي بجارتهما ليبيا، بهدف التنسيق وبحث سبل وضع خطة عمل مشتركة تدفع نحو استقرار ليبيا، ودعم العملية السياسية خلال الفترة المقبلة، وإقامة الانتخابات الليبية وخروج المرتزقة، للخروج من المأزق الحالي".
وبعد تأجيلها ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد طلب المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا باقتراح إلى مجلس النواب لتأجيل الانتخابات الرئاسية، لا تزال الخلافات قائمة بين الأطراف الليبية حول الأساس القانوني للعملية الانتخابية والقواعد الحاكمة له، ولا يوجد اتفاق إلى الآن بشأن الموعد المقرر لها، وسط توقعات باستحالة عقد الانتخابات قبل عام من الآن.
وتنخرط القاهرة والجزائر بشكل مباشر في الأزمة الليبية لما تمثله من عمق استراتيجي لهما، إلا أنه وبحسب مراقبين تتباين المقاربة المصرية عن الجزائرية في بعض خطوطها العريضة في التعامل مع الملف الليبي، برزت معالمه مع إعلان الرئيس الجزائري تبون، في يونيو (حزيران) 2021 أن "بلاده كانت مستعدة للتدخل بصفة أو بأخرى" في ليبيا، لوقف تقدم قوات المشير خليفة حفتر، المتمركز في شرق ليبيا نحو العاصمة طرابلس، وهو الطرف الذي لطالما دعمته القاهرة بهدف محاربة الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة في عموم ليبيا.
وبحسب المصادر المصرية، "ستركز كذلك القمة المرتقبة بين السيسي وتبون في القاهرة، على مناقشة الملف الفلسطيني، ومبادرة المصالحة الفلسطينية التي طرحتها الجزائر، خلال الاجتماع بممثلي بعض الفصائل الفلسطينية الشهر الحالي، إذ ترى الجزائر وفق مراقبين، أن القاهرة قد تساعد في إنجاح تلك المبادرة، تمهيداً لمؤتمر شامل تنوي إقامته السلطات الجزائرية في هذا الخصوص".
ومنتصف الشهر الحالي، كانت قد وصلت ستة وفود تمثل فصائل فلسطينية إلى الجزائر، لبحث ملف المصالحة مع جهات سيادية عليا في البلاد وتضم "فتح"، و"حماس"، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية، وذلك بعد أسابيع من لقاء جمع بين تبون والرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن في الجزائر في السادس من ديسمبر الماضي، اتفقا خلاله على استضافة مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية.
كذلك ستركز القمة على "دعم التنسيق المصري الجزائري في ما يتعلق بالقمة الأفريقية المرتقبة في أديس أبابا في الأسبوع الأول من شهر فبراير (شباط) المقبل"، إذ رجحت المصادر، أن تكون "قضايا الأمن في القارة السمراء، وملف منح إسرائيل صفة مراقب في المنظمة القارية (عارضته كل من مصر والجزائر) سيكون على رأس أولويات القمة الجزائرية المصرية المرتقبة". مشيرة إلى "أنه سيتم التطرق كذلك إلى ملف سد النهضة المثير للجدل بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، وكانت الجزائر قد طرحت أن تلعب دوراً للوساطة في هذا الملف المعقد العام الماضي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال زيارته لمصر، منتصف الشهر الحالي، بصفته مبعوثاً شخصياً من الرئيس تبون، قالت وزارة الخارجية الجزائرية إن الوزير رمطان لعمامرة، بحث مع نظيره المصري سامح شكري، الوضعين الأمني والسياسي في القارة الأفريقية، إذ اتفق الوزيران على "أهمية الرفع من وتيرة التنسيق بين وفدي البلدين داخل المنظمة القارية وفي مختلف هياكلها لدعم الحلول السلمية للأزمات وفق مقاربة تكرس مبدأ الحلول الأفريقية لمشكلات القارة وتتجنب منطق الإملاءات الخارجية التي تنتهك سيادة الدول وتعقد التحديات المطروحة".
من جانبها، ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية، أن زيارة "العمل والأخوة"، التي يقوم بها الرئيس تبون إلى القاهرة، تمثل "فرصة لتعزيز العلاقات التاريخية والسياسية بين البلدين وتوسيع مجالات التعاون الثنائي، ومواصلة التنسيق والتشاور حول أهم القضايا العربية والاقليمية ذات الاهتمام المشترك"، موضحة، أن "التنسيق والتشاور" يعدان من أهم ما تتسم به العلاقات بين البلدين، وهو ما تعكسه الاتصالات المستمرة بين قيادتي البلدين، لبحث آخر تطورات الوضع العربي والإقليمي، بخاصة ما تعلق بالأزمة الليبية والقضية الفلسطينية، والتحضير لإنجاح الدورة الـ31 للقمة العربية المقبلة التي ستحتضنها الجزائر، والدفع بالعمل العربي المشترك.
القمة العربية "الحرجة"
في الأثناء وبحسب المصادر المصرية، سيكون على رأس الملفات ذات الصدارة على جدول أعمال القمة المصرية الجزائرية، "التحضير للقمة العربية المرتقبة في الجزائر"، التي كان مقرر عقدها في 22 مارس (آذار) المقبل، إلا أن مسؤولاً في الجامعة العربية، صرح أخيراً أنه "تقرر إرجاؤها بسبب جائحة كورونا"، الأمر الذي قال عنه وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، إن "الحديث عن تأجيل القمة العربية هو من باب المغالطة، وإنه لم يتم تحديد موعد عقدها، وإن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سيقترح تاريخاً وطنياً وقومياً لانعقادها".
وخلال لقائه السفراء العرب المعتمدين لدى الجزائر، السبت الماضي، أكد لعمامرة، التزام الرئيس تبون "مواصلة عملية التشاور والتنسيق مع أشقائه قادة الدول العربية بمعية قيادة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية"، مبرزاً أن الأهداف المتوخاة من هذا المسار الذي استهلته الجزائر وفق مقاربة تشاركية، "تتمثل خصوصاً في التوصل إلى صيغ توافقية حول أبرز المواضيع التي ستطرح أمام القمة العربية المقبلة، بما في ذلك تحديد التاريخ المناسب لعقدها".
وقبل نحو أسبوع، أجرى لعمامرة، جولة عربية شملت كلاً من الرياض وأبو ظبي والقاهرة والدوحة، في إطار تحضيرات بلاده للقمة العربية المرتقبة. وتعليقاً على زيارة مصر، قالت وزارة الخارجية الجزائرية حينها، إن لعمامرة ونظيره المصري سامح شكري، أكدا "استعدادهما للعمل معاً لتحقيق نجاح القمة العربية في الجزائر"، كما تباحثا "حول آخر تطورات الأزمة الليبية وآفاق تفعيل الحل السياسي لإنهاء التدخلات الخارجية في هذا البلد الشقيق".
ومن بين الملفات العربية، التي تتصدر مباحثات تبون في القاهرة، سيكون وفق مراقبين، ملف "عودة سوريا إلى الجامعة العربية"، إذ تتوافق رؤى البلدين في ضرورة استعادة دمشق لمقعدها في الجامعة العربية.
ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال الرئيس الجزائري، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن "سوريا من المفترض أن تكون حاضرة في قمة جامعة الدول العربية"، موضحاً، "عندما ننظم قمة عربية نريد أن تكون جامعة، وانطلاقة للم شمل العالم العربي الممزق"، وذلك بعد انقطاع دام 10 سنوات لسوريا عن اجتماعات جامعة الدول العربية. وتلت تصريحات تبون، تصريحات مماثلة من وزير خارجيته، في الشهر ذاته، قال فيها إنه "آن الأوان لعودة سوريا إلى الجامعة العربية ومقعدها في الجامعة يجب أن يعود إليها"، معتبراً أن "تعليق عضويتها لم يسهم في حل أزمتها، ونحن نسعى للتطلع إلى خطوات طموحة عبر بناء توافق حول القضية ومباركة كل الخطوات التي ترمي إلى خلق جو من التوافق".
في السياق ذاته، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، قبل يومين من سلطنة عمان، إن "بلاده تتطلع إلى أن تتوافر ظروف عودة سوريا إلى النطاق العربي"، موضحاً، "سنستمر في التواصل مع الأشقاء العرب لتحقيق هذا الغرض، ونتطلع إلى أن تتخذ الحكومة السورية الإجراءات التي تسهل عودة سوريا إلى الجامعة العربية".
ومنذ نوفمبر عام 2011، وعضوية سوريا مجمدة في الجامعة العربية، بعد قرار وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ إثر اندلاع العنف في البلاد، وحينها كانت الجزائر من المتحفظين على قرار تجميد عضوية سوريا.
وخلال الفترة الأخيرة، أعيد فتح ملف عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، بالتزامن مع استعادة دمشق علاقاتها الدبلوماسية مع عدد من البلدان العربية.
هل تحلحل الزيارة الملفات الشائكة؟
بحسب مراقبين، "فإن زيارة تبون إلى القاهرة تحمل أهميتها من ثقل البلدين على المستويين الإقليمي والعربي، وحجم انخراطهما وتأثيرهما في عديد من الملفات الشائكة، ما قد يمثل فرصة لحلحة بعض الأزمات".
ويقول إبراهيم المنشاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، "تأتي زيارة تبون في توقيت مهم بالنسبة إلى عديد من الملفات التي تهم مصالح البلدين، وما تتطلبه من عمل جماعي لحلحتها ومواجهة تحدياتها الكثيرة"، موضحاً "أن من بين أبرز الملفات التي قد تستهدفها الزيارة، الأزمة الليبية والقمة العربية المرتقبة في الجزائر، وما تشمله من ملف عودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، والرغبة الجزائرية الكبيرة في إتمامها على الرغم من معارضة دول عربية أخرى".
ويتابع المنشاوي، "ما يثير التفاؤل بعض الشيء في القمة المرتقبة، هو وجود نوايا مصرية جزائرية للعمل على معالجة ملفات إقليمية وعربية، تتداخل فيها مصالحهما، بينها الملف الليبي والقضية الفلسطينية، الأمر الذي لن يتم سوى بتكثيف التنسيق والتعاون بين البلدين".
من جانبه، يرجح إسماعيل بوقنور، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قالمة الجزائرية، أن ينعكس صدى زيارة تبون إلى مصر سريعاً على القضايا المتشابكة إقليمياً وذات الاهتمام المشترك، قائلاً، "يمتلك البلدان ثقلاً في عديد من الملفات العربية والأفريقية، كما تحكم تحركاتهما مجموعة من المبادئ الأساسية المشتركة، ومنها الحلول السلمية للقضايا والنزاعات، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فضلاً عن القدرة على التوسط لحلحلة الأزمات العالقة، وهو ما تحتاجه عديد من القضايا في الوقت الراهن".
يشار إلى أن هذه الزيارة إلى القاهرة تعد الأولى للرئيس الجزائري منذ توليه الحكم في ديسمبر عام 2019، والأولى "الرسمية" لرئيس جزائري منذ نحو عقدين، إذ جاءت زيارة الرئيس الجزائري المؤقت الراحل عبد القادر بن صالح في يوليو (تموز) 2019، بهدف حضور نهائي كأس الأمم الأفريقية الذي كانت تستضيفه مصر.