علق رئيس الحكومة السابق، رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري عمله السياسي وعلق معه عمل تياره، مبرراً أسباب قراره لقناعته بـ"أن لا فرصة للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة".
وأعلن الحريري في مؤتمر صحافي عقده الاثنين في بيت الوسط، أنه يعلق العمل بالحياة السياسية ويدعو عائلته في "تيار المستقبل" لاتخاذ الخطوة نفسها، وبما يشبه الانسحاب من المعركة الانتخابية المحددة في مايو (أيار) المقبل، ترشحاً وحتى دعماً لأي مرشح في أي منطقة، أعلن عدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بترشيحات من "تيار المستقبل" أو باسم التيار. ولم يكن قد مر على مؤتمره الصحافي سوى ساعات قليلة حتى غادر الحريري بيروت عائداً إلى أبوظبي.
"تعليق العمل السياسي مرحلياً"
لم يكن اعتزال الحريري عن المشهد السياسي اللبناني مفاجأة، وهو مهد له مع المقربين منه قبل أشهر بعد دراسة معمقة لكل تداعيات القرار، كما أنه "تعليق العمل السياسي مرحلياً لمدة 4 سنوات" كما تقول مصادر نيابية مقربة منه، لكن المفارقة أن الحريري لم يكتف بالانسحاب وحده بل شمل قراره "تيار المستقبل" الذي بات أيضاً خارج المشهد السياسي في رسالة منه واضحة بأنه في غياب سعد الحريري لا وجود سياسياً لـ "تيار المستقبل"، وقد شكل قراره هذا مفاجأة لأقرب المقربين منه من النواب الحاليين الذين كانوا يستعدون للترشح معولين على فكرة ترك الحريري لهم حرية القرار بالترشح أو لاً، كل بحسب منطقته وتقديراته. الحريري أغلق الطريق أمام استمرار "تيار المستقبل" بممارسة العمل السياسي حتى في غيابه، في ما يشبه التأكيد من قبله برفض تسليم القيادة في غيابه لأحد حتى لأقرب المقربين منه أي عمته النائب بهية الحريري، أو نجلها الأمين العام لـ "تيار المستقبل" أحمد الحريري، بعدما سقطت أيضاً فكرة تولي رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة زمام الأمور في غيابه، كما رفض الحريري ذلك خوفاً من أن يشكل السنيورة أي تهديد لزعامة الحريري إن قرر وقف قرار تعليق العمل السياسي.
وقع القرار على نواب المستقبل
التزام "تيار المستقبل" تعليق العمل السياسي وعدم الترشح للانتخابات سيكون كاملاً، وفق ما أكدت مصادر نيابية في المستقبل، فيما أكد عضو كتلة المستقبل النائب هادي حبيش لـ "اندبندنت عربية" أن القرار بعدم الترشح هو قيد الدراسة. حبيش اعتبر أن "قرار الحريري العزوف عن العمل السياسي خلط الأوراق في لبنان، ولا شك أن غياب بيت الحريري عن المشهد السياسي، البيت الذي يشكل الاعتدال السني والذي لعب دوراً مهماً في اتفاق الطائف، غيابه سيفتح الباب أمام اشخاص ومجموعات ستنقل السنة إلى مواقع أخرى لم تكن فيها الطائفة في زمن الحريري". بحسب حبيش يبقى الأهم في قرار الحريري أنه عكس حقيقة مرة، بأن البلد ذاهب إلى الأسوأ، فلو كان الحريري مقتنع بأن هناك فرصة أو مرحلة جديدة من الاستقرار لما كان اتخذ قراراً كهذا.
لماذا وصل الحريري إلى الاعتزال؟
في مؤتمره الصحافي اعترف الحريري بعقد تسويات عديدة برر الموافقة عليها لمنع حصول حرب أهلية في لبنان، من احتواء تداعيات 7 مايو إلى اتفاق الدوحة إلى زيارة دمشق إلى انتخاب ميشال عون رئيساً إلى قانون الانتخابات وغيرها. واعترف الحريري بأن النفوذ الإيراني منع قيام الدولة على الرغم من كل هذه التسويات التي قام بها.
ويوافق النائب السابق فارس سعيد مع الحريري بأن "الاحتلال الإيراني منع قيام الدولة، لكنه يختلف معه بأن مواجهة الاحتلال كان يمكن أن تؤدي إلى حرب أهلية"، مذكراً بمرحلة الوجود السوري. وقال لـ "اندبندنت عربية" "واجهنا الاحتلال السوري للبنان وخرج السوري ولم تحصل أي حرب أهلية". ويختلف سعيد مع الحريري في قرار انسحابه من اللعبة السياسية في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ لبنان، معتبراً أن "رفع الاحتلال الإيراني هو مسؤولية وطنية مشتركة وليست حكراً على طائفة أو حزب أو تيار".
هل يؤثر غياب الحريري على السنة
فور إعلان الحريري قراره تعليق العمل السياسي، غرد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الشخصية السنية الأكثر ترجيحاً لوراثة زعامة الحريري، معبراً عن حزنه لقرار رئيس "تيار المستقبل" وقال، "كلام الحريري صفحة حزينة للوطن... سيبقى الوطن يجمعنا والاعتدال مسارنا ولو تغيرت الظروف والأحوال". بدوره، غرد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ، الحليف الدائم للحريري مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، فاعتبر أن قرار الحريري يعني إطلاق يد "حزب الله" والإيرانيين في لبنان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا السياق تحدث أيضاً النائب السابق فارس سعيد معتبراً أن غياب الحريري سيسهم في تسلل "حزب الله" انتخابياً إلى داخل الطائفة السنية، وسترتفع حصة الحزب داخل الطائفة السنية من 7 نواب كما هي الحال اليوم إلى أكثر. ويعتبر سعيد أن قرار الحريري باعتزال العمل السياسي هو منعطف سياسي وطني لن تقتصر تداعياته على الدائرة السنية فقط، "لأن التجربة اللبنانية تؤكد أنه عندما يكون هناك أي عطب في طائفة، ينسحب على جميع اللبنانيين وعلى بناء الدولة، فتصبح غير متوازنة. فكيف مع انسحاب الإدارة السياسية السنية في ظل النفوذ الإيراني وسلاح (حزب الله)".
وفي السياق نفسه يؤكد عضو "كتلة المستقبل" النائب هادي حبيش أن غياب الحريري عن الساحة السنية سيؤدي إلى غياب كتلة سنية وازنة مقابل تكون كتل صغيرة، كما هي الحال في الصف المسيحي والدرزي، بالتالي يكون التغيير قد حصل داخل كل الطوائف باستثناء الطائفة الشيعية التي تمكنت من الحفاظ على ميثاقيتها.
تجنب المواجهة القاسية
لم يكن لخبر عزوف الحريري عن السياسة الوقع الإيجابي على خصمه اللدود "التيار الوطني الحر". يقرأ النائب آلان عون في موقف الحريري إرادة منه بتجنب المواجهة القاسية في ظل غياب التسويات، وبأن الحريري فضل عدم العودة إلى المواجهة القاسية بعدما اختبرها طويلاً بعد عام 2005 ومؤشر اتجاه الأمور بحسب النائب عون، هو الورقة التي حملها وزير خارجية الكويت إلى لبنان.
يعتبر عضو "تكتل لبناني القوي" أن هناك ما وصفه ببعدين للمشكلة اللبنانية. بعد داخلي ناتج عن فشل على صعيد مؤسسات الدولة وغياب الإصلاحات، وبعد خارجي ناتج عن المشكلة الإقليمية بين إيران والدول العربية والولايات المتحدة الأميركية، بدأ منذ فترة يتخذ منحى تصعيدياً. وبحسب عون اختار الحريري في تعليقه العمل السياسي أن ينسحب من البعدين الداخلي والإقليمي، لأنه رأى أن لا إمكانية في التغيير أو التأثير.
ويعترف نائب "التيار الوطني الحر" بأن انسحاب الحريري سيكون له تأثير كبير على التوازنات الوطنية، لا سيما أن البديل لا يزال غير واضح. ويعتبر عون أن انسحاب الحريري سيؤدي إلى شرذمة وتشتت في التمثيل السني. الأكيد بحسب عون أن المعادلة القائمة على "القوي" من كل طائفة قد اختلت، ولم يعد واضحاً بعد اليوم كيف يمكن عقد تسويات كبيرة على مستوى رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية وحكومات الوحدة الوطنية. هل سيؤدي قرار الحريري إلى إطلاق يد "حزب الله" وإيران في لبنان كما أعلن جنبلاط، يجيب نائب "التيار الوطني الحر" "يدهم طليقة أصلاً، والمشكلة لم تعد في النفوذ السياسي، ولدى إيران ما يكفي من النفوذ في لبنان، المشكلة باتت في وضع البلد ومن هو القادر على انتشاله من كبوته ومصيبته، وإلا فنكون نقاتل على جيفة".
مواقف رافضة
فيما تفاوتت الآراء من خطوة الحريري، لا سيما لجهة التداعيات التي ستخلفها على الساحة الوطنية عموماً والسنية خصوصاً، عبر مؤيدو الحريري عن اعتراضهم على القرار وعمدوا إلى قطع عدد من الطرقات في بيروت احتجاجاً. وأعلن المتظاهرون في منطقة الطريق الجديدة ذات الأغلبية السنية المؤيدة لـ "تيار المستقبل" أنهم "سيقومون بإحراق مراكز الاقتراع في مناطقهم وسيعزفون عن التصويت مقابل عزوف الحريري عن الترشح".
وعلى المستوى السياسي توالت المواقف التي انقسمت بين من اعتبر أن المستفيد الأول من غياب الحريري سيكون "حزب الله"، فيما تخوف آخرون من أن يؤدي اعتكاف الحريري إلى "غياب الاعتدال السني لصالح التطرف"، وغرد نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي معتبراً أن "المعادلة اللبنانية أصيبت بنكسة كبيرة". وعلق رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية على "تويتر" قائلاً، "بمعزل عن من يتفق أو يختلف معه فإن الرئيس سعد الحريري وجه من وجوه الاعتدال في لبنان وغيابه عن الساحة السياسية سيخلق فرصة للضعفاء الذين سيعمدون إلى المزايدات التي تعزز التطرف، والتطرف هو أكبر خطر على مستقبل لبنان".