يبدو أن الحكومة العراقية بدأت بشكل جدي تستعرض خيارات حل أزمة الكهرباء التي كانت تتفاقم بشكل كبير على مدى الأعوام الماضية، إذ لا تنتح البلاد من الكهرباء إلا 19 ألف ميغاواط، في حين تبلغ حاجتها الفعلية من الطاقة الكهربائية 30 ألف ميغاواط، ما جعل بغداد تلجأ إلى خيارات الاستيراد من دول الجوار، إيران بالتحديد لسدّ هذه الفجوة، على الرغم من أنها أحد أبرز المنتجين الدولين للنفط.
وظل حل الاستيراد من الجارة الشرقية قائماً حتى برزت خلافات بين البلدين في ما يتعلق بدفع تكاليف استئجار الطاقة الكهربائية، بعد أن أوقفت طهران خطوط الإمداد إلى بغداد بحجة تراكم الديون، ما وضع هذه الأخيرة تحت الابتزاز السياسي والاقتصادي.
حل محتمل
وبالنظر إلى الخيارات المتاحة، يقدم الجوار العربي بدائل قد تشكل جزءاً من الحل، إذ وقّع وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان اليوم الثلاثاء، مذكرة تفاهم في مجال الربط الكهربائي مع أمين مجلس الوزراء العراقي حميد الغزي ومشاركة وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار ووزير الكهرباء العراقي المكلف عادل كريم، عبر الاتصال المرئي.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية "واع" عن كريم قوله إن مشروع الربط الكهربائي بين البلدين هو "الخطوة الأولى للتعاون، وستكون هذه المرحلة الأولى لمجموعة من المشاريع".
ولفت الوزير السعودي إلى أن "هذه المذكرة جاءت وفق دراسة كاملة بين البلدين لمشروع الربط الكهربائي وتحقيق مردودات اقتصادية ودخول الطاقة المتجددة، إضافة إلى تعزيز سوق الإنشاءات الكهربائية بين الجانبين".
المشروع السعودي - العراقي
يبدو أن مشروع إنارة العراق من قبل السعودية الذي يتم تداوله منذ أعوام بات أكثر قرباً، ففي أغسطس (آب) 2020 كشف المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد العبادي عن وصول الأعمال الفنية الخاصة بربط الشبكة الكهربائية مع السعودية إلى مراحل متقدمة.
وبحسب ما أعلن في وقت سابق، سيكون خط الربط الأول باتجاه البصرة ويزوّدها بنحو 500 ميغاوات، والخط الثاني سيكون باتجاه السماوة بنحو 300 ميغاوات لتقليل انقطاع الكهرباء عن المحافظتين، ولم يعلن البلدين عن تكلفة هذا المشروع الذي يأتي ضمن إطار حرص الرياض على توثيق العلاقة مع بغداد، وتعزيز الارتباط بها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يكن التعاون في مجال الكهرباء الأول من نوعه بين الجانبين، فقد أبرمت وزارة الكهرباء العراقية خلال 2019 اتفاقية مع دول مجلس التعاون الخليجي لتزويدها بالطاقة الكهربائية، وأعلن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي عن بدء الربط الكهربائي مع دول الخليج وإنجاز بلاده نحو 85 في المئة، مرجحاً اكتمال المشروع بحلول عام 2022.
الالتفات إلى الابتزاز الإيراني
وبقي العراق يعتمد على الإمداد الإيراني في الثلث تقريباً من إجمالي إنتاجه من الكهرباء، لذلك تدرك إيران مدى تأثير الأزمة الكهربائية كورقة ضد جارها الذي تختلف معه في السياسات أخيراً.
ويتركز الإمداد الإيراني في المناطق الوسطى والجنوبية من العراق، ومن أبرزها الناصرية والبصرة وديالى والسماوة.
وفي 2021، بدأت إيران نفسها تعاني من أزمة في الطاقة، بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها، فخفضت إمداداتها من الغاز إلى العراق في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وذكرت وزارة الكهرباء أنه جرى خفض إمدادات الغاز الإيراني التي توردها لمحطات الطاقة الكهربائية المغذية لجنوب ووسط البلاد بواقع 19 مليون قدم مكعبة يومياً، ما أفقدها نحو ألف ميغاواط من الكهرباء.
وفاقمت طهران من الأزمة في العراق العام الماضي، وأعلنت إيقاف خطوط إمداد الكهرباء إليه بشكل كامل، وألقت باللوم عليه في عدم دفع فواتير الكهرباء وتراكم الديون، وجرى التنسيق على مستوى عالٍ بين البلدين وتوقيع اتفاقية تزويد العراق لمدة عام واحد.
ملتقى الأعمال
وتأتي هذه الاتفاقية على هامش "ملتقى الأعمال السعودي العراقي"، وجاء هذا التفاهم ضمن عدد من المبادرات، كان بينها إنشاء مركز بيانات للفرص والحلول والقرارات التي تخدم مجتمع الأعمال بين البلدين، وأخرى للعمل على إقامة ملتقى اقتصادي سنوي، إضافة إلى مبادرة القوافل المتخصصة التجارية بين الجانبين وتشجيع الاستثمارات السعودية.
ويأتي هذا الملتقى في إطار تحقيق ما يسعى إليه البلدين لجهة تعزيز التعاون بينهما، فكان تأسيس مجلس الأعمال السعودي العراقي، ثم إعادة افتتاح منفذ جديدة عرعر الذي يمثل البوابة التجارية الرئيسة بين الدولتين.
وتشير بيانات نشرتها وكالة الأنباء السعودية إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري عام 2020 بنسبة 15 في المئة، مبيّنة أن العراق يأتي في المرتبة 11 من بين دول عربية في حجم التبادل التجاري مع المملكة.