ساعدت الإجراءات الطارئة التي أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي، الليرة التركية على تحقيق بداية هادئة نسبياً لعام 2022 بعد الفوضى التي سُجلت في ديسمبر (كانون الأول) 2021، حتى مع استمرار قلق المراقبين بشأن توقعاتها، إذ إن خطط الادخار الجديدة المدعومة من الحكومة التي كشفت عنها السلطات، إلى جانب خطوات أخرى بما في ذلك تدخّل بمليارات الدولارات من قبل البنك المركزي، أعادت الاستقرار المؤقت، لكن قِلّة من الباحثين ترى في هذه الإصلاحات حلاً دائماً لمُعضلة العملة التركية، نظراً إلى تصميم أردوغان على إبقاء أسعار الفائدة أقل بكثير من معدل التضخم الصاروخي في البلاد.
وقال إمري أكاكماك، العضو المنتدب في "غرين ويست" الاستشارية لـ"فاينانشيال تايمز"، "أرى ذلك على أنه علاج بالصدمات الكهربائية". وأضاف، "كان المريض على وشك الضياع، والآن عاد إلى الحياة، لكن هل هذا علاج المريض؟ لا أعتقد أنه حل طويل الأمد".
وأدى أمر أردوغان للبنك المركزي بخفض أسعار الفائدة أربع مرات، على الرغم من ارتفاع التضخم، إلى انخفاض قيمة الليرة التركية في الأشهر الأخيرة من العام الماضي. كما هددت بالخروج عن نطاق السيطرة في منتصف ديسمبر (كانون الأول)، وتحطمت من خلال أدنى مستوياتها القياسية من 16 و17 و18 ليرة تركية للدولار. وكشف الرئيس التركي عن خطة ادخار مدعومة من الدولة تهدف إلى جذب المدخرين الأتراك للعودة إلى العملة الوطنية.
المنتجات الوطنية
وكان الاهتمام بالمنتجات الوطنية، الذي يعد بتعويض المُدّخرين الذين يحتفظون بالليرة عن أي خسائر يتكبدونها في أسعار الصرف، محدوداً حتى الآن، وإن كان يرتفع باطراد. واعتباراً من 24 يناير (كانون الثاني) الحالي، تم تحويل 196 مليار ليرة تركية (14 مليار دولار) إلى الآليات الجديدة من إجمالي ودائع القطاع المصرفي البالغة 5.4 تريليون ليرة تركية، وفقاً للبيانات التي شاركتها وزارة المالية في أنقرة مع الصحيفة.
وكان أقل من 30 في المئة من هذا التحول مدفوعاً بتحويل المدخرين ما لديهم من الدولار واليورو إلى العملة المحلية.
ومع ذلك، ساعد الإعلان عن سحب الليرة من أدنى مستوياتها التاريخية، والنافذة غير العادية من الهدوء التي تلت، العملة التركية، التي فقدت 44 في المئة من قيمتها مقابل الدولار العام الماضي، إلى التراجع بنسبة اثنين في المئة فقط منذ بداية عام 2022، وفقاً لبيانات "رفينيتيف"، هذا بالمقارنة مع انخفاض بنحو 0.01 في المئة لمقياس مؤشر "أم أس سي آي" الواسع للعملات في الأسواق الناشئة.
كما خفت حدة اندفاع الأتراك لشراء الدولار واليورو والذهب، وهي ظاهرة تضغط على الليرة. وتراجعت ودائع السكان بالعملات الأجنبية لمدة ثلاثة أسابيع على التوالي في الفترة حتى 14 يناير، وفقاً لبيانات البنك المركزي. ويمكن تعزيز تطبيق نظام الادخار من قبل الشركات التي دعيت إلى الانضمام في 11 يناير، وحصلت على حافز ضريبي للمشاركة. ومن المفارقات، أن الاشتراك المفرط في الحماسة من شأنه أن يُعمّق المخاوف بشأن تكلفة الآلية التي تتحملها الدولة، والتي ستدفع فاتورة أي خسائر في أسعار الصرف. وأشاد المسؤولون الأتراك بالمخطط باعتباره انتصاراً، في وقت يعتقد فيه باحثون أن البنك المركزي لا يزال ينفق احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية على دعم الليرة، وإن كان ذلك بوتيرة أقل حدة مما كانت عليه في ديسمبر الماضي، عندما بلغت مستوى لا يقل عن سبعة مليارات دولار.
إجبار المصدّرين على بيع 25 في المئة من أرباحهم
من جهة أخرى، قال إبراهيم أكسوي، المحلل في بنك "أتش أس بي سي" في إسطنبول، إن "السلطات قد تستخدم عائدات اللوائح الجديدة، التي تم إدخالها في بداية يناير، والتي تجبر المُصدّرين على بيع 25 في المئة من أرباحهم من العملات الأجنبية للبنك المركزي التركي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال أكسوي، إن "الإجراء، الذي يقول المصرفيون إنه دخل حيّز التنفيذ بالفعل، يجب أن يساهم بنحو 1.25 مليار دولار في الأسبوع في احتياطيات البنك المركزي، على أساس صادرات بنحو 20 مليار دولار في يناير، إلا إنه لم يتم ملاحظة مثل هذه الزيادة".
وقال أكسوي، إن "استقرار الليرة يأتي من النجاح الجزئي قصير المدى لآلية الادخار ومن حقيقة أن البنك المركزي ربما يدعم الليرة".
ويذكر آخرون أسباباً مختلفة للهدوء الذي لوحظ في الأسواق التركية، إذ قال مصرفي كبير مقيم في إسطنبول، طلب عدم ذكر اسمه، إنه شهد دفعة كبيرة للدفاع عن مستوى 13.8 ليرة تركية للدولار، لكنه لم يرَ أي علامات على التدخل في الأسواق المالية على مدى الأسبوع الماضي. وأضاف أن أحجام التداول "المنخفضة للغاية" تعني أن "الليرة يمكن أن ترتفع حتى مع المعاملات الصغيرة مقارنة بالماضي". وتابع أن الشركات التركية الكبرى اشتكت من مواجهة ضغوط من السلطات لتجنب القيام بعمليات شراء كبيرة بالعملة الأجنبية إن أمكن.
زيادة الصادرات والاستثمار والتوظيف لخفض التضخم
وأعلن أردوغان، الذي تمتع بارتفاع طفيف في شعبيته مع استقرار الأسواق هذا الشهر، أن مخطط الادخار حقق نجاحاً كبيراً. وفي حديثه الأسبوع الماضي، قال إنه "أزال الرغوة" من سعر الصرف، مضيفاً، "لا نعتقد أننا سنشهد عودة التقلب المُفرط الذي يأتي من الطلب غير المتوازن على العملات الأجنبية في الأسواق".
وقال محافظ البنك المركزي، ساهاب كافجي أوغلو، الخميس (27 يناير)، إن خطة الحكومة بشأن "الليرة" ستجمع بين زيادة الصادرات والاستثمار والتوظيف لخفض التضخم الذي بلغ مستوى قياسياً في عقدين من الزمن بلغ 36 في المئة في ديسمبر 2021، وهي استراتيجية قوبلت بتشكك من الاقتصاديين بالنظر إلى أسعار الفائدة الحقيقية السلبية للغاية في البلاد.
الرهان على السياحة في 2022
في الوقت ذاته، يحذر الباحثون من أن مجموعةً من العوامل يمكن أن تُعطّل التوازن الهش، وقالت غولديم أتاباي، الباحثة في منصة "إسطنبول أناليتيكس"، إن "السلطات تبدو وكأنها تراهن على فكرة أن موسم السياحة القوي لعام 2022 سيحقق عائدات كافية من العملات الأجنبية للقضاء على اختلال التوازن التجاري في البلاد، وهو مصدر ضغط لفترة طويلة على الليرة"، لكنها حذّرت من أن ارتفاع أسعار الفائدة الوشيك من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد يمتص رأس المال من الأسواق الناشئة، وقالت إن "الارتفاع المحتمل في معدل التضخم في تركيا في الأشهر المقبلة قد يدفع الأتراك إلى البدء في شراء الدولار مرة أخرى". وأضافت، "أنهم يعتقدون أنهم ناجحون للغاية في محاربة قوى الاستهلاك، لكنني أخشى أن يأتي ذلك بنتائج عكسية على المدى المتوسط".