مع ترقب أسواق النفط العالمية اجتماع تحالف" أوبك+" الذي يضم 23 دولة بقيادة السعودية وروسيا الأربعاء المقبل، لا يزال ارتفاع الأسعار في أعلى مستوياته إلى أكثر من سبع سنوات، وسط استمرار التوترات "الجيوسياسية" التي هيمنت على المشهد العالمي من الشرق الأوسط إلى شرق أوروبا وحتى بحر الصين الجنوبي، وهذا الصعود السريع للنفط أثار مخاوف عدة حول إذا ما كان الاقتصاد العالمي بصدد الدخول في أزمة جديدة.
أزمات أوكرانيا
في الوقت ذاته يمكن أن يؤدي العمل العسكري الروسي في أوكرانيا إلى أزمة طاقة أكثر حدة من الأزمة التي تضرب أوروبا حالياً، إذ قد يرد الغرب على روسيا بعقوبات قاسية جديدة، وحينها قد يقطع الرئيس بوتين صادرات الغاز الطبيعي تاركاً القارة في عين العاصفة بمنتصف الشتاء.وتواصل أسعار النفط تلقي الدعم من المخاوف من أن تسبب الأزمة الأوكرانية اضطراباً في أسواق الطاقة، لكن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قال الجمعة "إن موسكو لا تريد الحرب مع أوكرانيا". ويثير الخلاف بين روسيا، ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، والغرب في شأن أوكرانيا مخاوف من تعطل إمدادات الطاقة إلى أوروبا، وذلك على الرغم من أن ملامح الأزمة تتركز على إمدادات الغاز وليس الخام.
أخطار محتملة
ويعتمد النظر إلى هذه الأخطار المحتملة في سوق النفط "على أن تكون ملعباً لموسكو للرد السريع، إذ إن السوق العالمية بات محدودة وعلى شفا تراجع شديد"، خصوصاً مع شعور الاقتصاد بثقل متحورة "أوميكرون"، إذ أشار صندوق النقد الدولي في أحدث توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي في عام 2022 إلى تراجع بمقدار 0.5 في المئة.
المضي في زيادة الإنتاج
وتوقع محللون نفطيون في تصريحات إلى "اندبندنت عربية" أنه من المرجح أن يمضي التحالف في زيادة شهرية أخرى متواضعة قدرها 400 ألف برميل يومياً خلال مارس (آذار).ومن المقرر أن يجتمع وزراء "أوبك+" عبر الإنترنت يوم الثاني من فبراير لبحث سياسات الإنتاج، وتجتمع قبل ذلك لجنة المراقبة الوزارية المشتركة (JTC) التي تراقب تطورات السوق النفطية، لمناقشة أساسات السوق. وشهد اجتماع "أوبك+" الأخير في الرابع من يناير (كانون الثاني) اتفاق ممثلي التحالف على رفع المستوى الإجمالي للإنتاج بمقدار 400 ألف برميل في اليوم لشهر فبراير (شباط) 2022، وذلك في سياق ما قامت به المجموعة خلال الأشهر الماضية.
وتزيد "أوبك+" المستوى المستهدف للإنتاج كل شهر منذ أغسطس (آب) بمقدار 400 ألف برميل يومياً، متخلية تدريجياً عن خفض قياسي للإنتاج عام 2020، وسط توقعات مراقبي السوق بعودة الطلب في عام 2022 لمستوياته المعتادة قبل جائحة فيروس كورونا.وأدت الزيادة في إنتاج النفط من قبل الدول المنتجة إلى استنفاد احتياط الطاقة الفائضة التي تحمي السوق من الصدمات المفاجئة، وزادت أخطار ارتفاع الأسعار أو حتى نقص الوقود.لكن التحالف النفطي واجه تحديات تتمثل في الطاقة الإنتاجية المتاحة والتي منعت بعض الأعضاء من زيادة الإنتاج وفقاً لحصصهم.
زيادات شهرية تدريجية
وعلى الرغم من التزام التحالف بجدوله الزمني الخاص بالزيادات الشهرية التدريجية في الإمدادات منذ إبرام هذا الاتفاق في يوليو (تموز) الماضي، إلا أنه من غير الواضح ما إذا سيكون قادراً بالفعل على إضافة هذا الإنتاج إلى السوق. ولم تستطع "أوبك" وحلفاؤها الوفاء بالتزام أعضائها بحصص الإنتاج الشهرية ضمن خطة المنظمة لزيادة الإنتاج، إذ تعاني بعض الدول مثل ليبيا ونيجيريا وكازاخستان اضطرابات تتسبب في تعطل الإنتاج. ويوفر تحالف "أوبك+" حوالى 45 في المئة من الطلب العالمي من النفط.
احتياط الطاقة الفائضة
وأدت الزيادة في إنتاج النفط من قبل الدول المنتجة إلى استنفاد احتياط الطاقة الفائضة التي تحمي السوق من الصدمات المفاجئة، وزادت أخطار ارتفاع الأسعار أو حتى نقص الوقود.وبحسب المحللين فإن ارتفاع أسعار الخام إلى أعلى مستوياتها منذ أكتوبر 2014 أضاف مزيداً من الترقب في أوساط قطاع النفط في ظل انتظار نتائج الاجتماع المنتظر هذا الأسبوع.
مستوى 90 دولاراً
وقفزت أسعار النفط، الجمعة، إلى أعلى مستوياتها خلال أكثر من سبع سنوات، متجاوزة مستوى 90 دولاراً للبرميل الأعلى في سبع سنوات، مع استمرار التوترات الجيوسياسية في إثارة القلق في شأن الإمدادات، وارتفعت أسعار خام "برنت" القياسي تسليم مارس 2022 بنحو 0.8 في المئة، إلى 90.03 دولار للبرميل، بعد أن ارتفعت فوق 91 دولاراً خلال الجلسة، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2014. كما صعدت أسعار خام "غرب تكساس الوسيط" تسليم مارس بنسبة 0.2 في المئة إلى 86.82 دولار للبرميل.
أطول سلسلة مكاسب أسبوعية
وسجلت المؤشرات القياسية للنفط سادس صعود أسبوعي على التوالي، وهي أطول سلسلة مكاسب أسبوعية سعرية للنفط منذ أكتوبر الماضي، عندما ارتفعت أسعار مزيج "برنت" لمدة سبعة أسابيع، في حين ارتفع خام "غرب تكساس" الوسيط على مدى تسعة أسابيع.وارتفعت أسعار الخام منذ بداية هذا العام بأكثر من 15 في المئة، وسط توترات جيوسياسية على خلفية تصاعد التوترات على حدود أوكرانيا، فضلاً عن التهديدات التي تتعرض لها الإمارات العربية المتحدة من ميليشيات الحوثي، مما أثار مخاوف في شأن إمدادات الطاقة.
الاستمرار في السياسة الحالية
من جهته، توقع الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن طارق الرفاعي أن يستمر تحالف "أوبك+" في سياساته الحالية بشأن زيادة الإنتاج تدريجياً كما فعلت في الأشهر الماضية، مما يعني أنه سيتم زيادة إنتاج مارس بمقدار 400 ألف برميل من الخام يومياً. وقال الرفاعي إنه من المرجح أن تكون تصريحات وزراء "أوبك+" لتهدئة الأسواق ورفع الثقة في قدرة التحالف النفطي لإجراء تغييرات في استراتيجيته لمواجهة أي تحديات في الاقتصاد العالمي، لا سيما وأن التحالف يريد أسواقاً مستقرة.
وأضاف، "نرى أسعاراً فوق 90 دولاراً مع الزحف نحو 100 دولار، وما فوق هذا المستوى سيكون له تأثير سلبي في الاقتصاد العالمي، ولذلك يجب أن يكون التحالف مستعداً لتغيير سياساته برفع الإنتاج عند الوصول إلى 100 دولار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" إلى أن الارتفاع الكبير لأسعار النفط العالمية سيضع بالتأكيد النمو العالمي على المحك، ويهدد تعافي النمو الاقتصادي الذي لا يزال يعاني تداعيات الجائحة.
زيادة إضافية محتملة
وقال المتخصص في الشؤون النفطية خالد بودي إن إبقاء "أوبك+" على سياسة الإنتاج الحالية هي الأكثر ترجيحاً، لكن لا أستبعد أن يقوم التحالف بزيادة إضافية محتملة لكبح جماح الأسعار، مضيفاً أن سعر النفط الذي بلغ أعلى مستوى في سبع سنوات فوق 90 دولاراً للبرميل قد يدفع التحالف النفطي إلى التفكير في خطوات أخرى.
وأضاف أن صعود الأسعار المتواصل قد يعرض منظمة "أوبك" وحلفاؤها إلى ضغوط دولية، مما يضطرها إلى تنفيذ سياسات تحد من ارتفاع الأسعار، لافتاً إلى أن هناك قلقاً من أن يؤدي صعود الأسعار إلى عودة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة للازدهار من جديد.
ولفت بودي إلى أن تصاعد النشاط الاقتصادي بسبب تراجع المخاوف من متحورة "أوميكرون" والذي جاء تأثيره خفيفاً ومؤقتاً، مما يبقي الباب مفتوحاً أمام زيادة أخرى في الإنتاج. وأشار إلى سيناريو وصول البرميل إلى مستوى الـ 100 دولار يبقى وارداً، ولكن في حال وصولها إلى هذا المستوى قد يتخذ "أوبك+" خطوات لإعادة الأسعار إلى مستويات بين75 و80 دولاراً للبرميل، والتي يمكن أن تكون مقبولة للجميع.
الطلب المتزايد
وقال محلل الأسواق العالمية أحمد حسن كرم إنه من المرجح أن يتمسك تحالف "أوبك+" بالزيادة المقررة في إنتاج النفط المستهدف لشهر مارس، في محاولة لتلبية الطلب المتزايد على النفط، علاوة على أن الأسعار الحالية تعتبر مرغوبة من جميع أعضاء التحالف.وأضاف كرم أنه في حال الاتفاق على هذا القرار في الاجتماع المقبل في ظل استمرار عجز السوق خلال الربع الأول من عام 2022 إلى جانب زيادة الطلب العالمي، ستصل الأسعار لمستويات قياسية أخرى تفوق الـ 100 دولار.
وأشار إلى أن أسعار النفط وصلت للمستويات القياسية الحالية والتي تفوق 90 دولاراً للبرميل، وهي معدلات جديدة مقارنة بالأعوام السابقة، وهذا ما تطمح إليه منظمة "أوبك" وحلفاؤها، وتحقيق أهدافها المنشودة من قراراتها السابقة. وتوقع مواصلة الأسعار الارتفاع في ظل استمرار سياسة "أوبك+" الحالية إلى جانب اضطراب الإمدادات المحتمل بسبب التوترات الجيوسياسية المتزايدة في الشرق الأوسط وبين روسيا وأوكرانيا، إضافة إلى تزايد أعداد متلقي اللقاح المضاد لكورونا، وعودة فتح الاقتصادات تدريجياً واستئناف خطوط الطيران ووسائل النقل كافة، وعودة المطارات بكامل طاقاتها السابقة.