Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فستان الفأرة "ميني" يفتح صفحة "تحييد جندري" جديدة

"تقف البدلة الزرقاء بنقاطها السوداء وهالة الجدية والقتامة التي تفرضها على طرف نقيض من الفستان الزهري بنقاطه البيضاء وهالة النعومة والدلال التي تحيط به"

صورة لـ"ميني" ببدلتها الجديدة (صفحة ديزني لاند على تويتر)

استيقظ العالم ذات صباح ليباغته خبر جعله يفقد توازنه لبضع دقائق. المدققون الملتزمون سارعوا إلى الكشف عن مصداقية الخبر والتأكد من أنه حقيقة لا فبركة. ضعاف القلوب ورهاف المشاعر وكلاسيكيو الانتماء سكبوا الدموع على أطلال الماضي والذكريات، لكن فريقاً ثالثاً ابتهج وانتعش واعتبر الخبر المعلن نقلة نوعية جيدة نحو "الحياد الجنساني"، وخطوة عملية طال انتظارها في طريق تصحيح أخطاء التفرقة في الأدوار الجندرية والمهمات الجنسانية التي يسميها البعض بـ"صرعة الجنسانية" السائدة في جانب من الكوكب.
الكوكب الذي تربت مليارات متعاقبة من سكانه على "ميمي" أو "ميني"، صديقة "ميكي"، بفستانها الزهري المائل للحمرة المنقط بدوائر بيضاء في صولاتها وجولاتها مع ميكي وبندق وأحياناً بطوط وعم دهب، وبين الحين والحين، كركور وفرفور وزرزور، بات مهدداً بزوال الفستان واجتياح بدلة زرقاء منقطة بدوائر سوداء ترتديها الفأرة الأكثر شهرة في العالم.

معاداة الفئران

العالم الذي يعادي الفئران ويطاردها في المطبخ ويبتهج لدى الإيقاع بأحدها في مصيدة أو على ورقة لاصقة، يعتبر ميني وصديقها ميكي استثناءً واجباً. فهما ذكريات الطفولة وحتى تلك الأجيال التي ثارت على أفلام الكرتون التقليدية واحتمت بشاشات ألعاب الفيديو، تكن للفأرين الشهيرين حباً وعشقاً ولو على سبيل إكرام "جدو" و"تيتة" اللذين ما زالا يتابعانهما أو ماما وبابا المصرين على شراء بدلة ميكي للابن وفستان ميني الزهري للابنة.
حين أطلت ميني على الكوكب للمرة الأولى عبر فيلم لـ"والت ديزني" عنوانه "باخرة ويلي" في عام 1928 لم تكن ترتدي فستانها الشهير، وحتى وجهها كان يحمل ملامح مختلفة عن تلك المحفورة في أذهان الجميع اليوم. وظلت ميني حائرة بين تنورة صفراء وقبعة زرقاء مرة ثم فستان أصفر بنقاط بيضاء مرة أخرى ثم فستان أصفر سادة، إلى أن استقرت على فستانها الزهري الشهير بنقاطه البيضاء في بدايات الألفية الثالثة، وإن ظهر الفستان مرات عدة قبلها. وقبل أن تصل "ميني"، منذ أيام، إلى "كارثة" البدلة الزرقاء بالنقاط السوداء، خاضت معضلات وجودية عدة ومعارك حول الصوابية الاجتماعية والجندرية أو الجنسية، وهي على الأرجح التي أوصلتها إلى "بدلة ستيلا الزرقاء".

بدلة ستيلا الزرقاء

"بدلة ستيلا الزرقاء" ستطل بها "ميني" في "ديزني لاند" بباريس، في 6 مارس (آذار) المقبل، وذلك لتواكب ما يُعرف بـ"شهر تاريخ المرأة". وتقف البدلة الزرقاء بنقاطها السوداء وهالة الجدية والقتامة التي تفرضها على طرف نقيض من الفستان الزهري بنقاطه البيضاء وهالة النعومة والدلال التي تحيط به. الإحاطة التي قدمتها مصممة الأزياء البريطانية ستيلا ماكارتني التي صممت بدلة "ميني" الجديدة تفيد بأن تغيير زي "ميني" كان متوقعاً وجديراً بالحدوث منذ وقت طويل. وكتبت ماكارتني على صفحتها على "إنستغرام"، "فخورة بتصميم أول بدلة ببنطلون ترتديها ميني ماوس في ديزني لاند باريس، وذلك باستخدام أقمشة من مصادر تُعنى بالبيئة وهو ما يجعلها (ميني بزيها الجديد) رمزاً للتقدم والتمكين لجيل جديد".
لكن الجيل الجديد ليس مَن يعنيه فستان ميني المهدور وبدلتها، بل هي الأجيال الأكبر والأقدم التي بللت دموعها أثير العنكبوت. "لن أشاهد أو أزور أو أشتري أي منتج من (ديزني) بعد اليوم إلا لو عادت (ميني) بفستانها النسائي الجميل"، "وما الذي أزعجكم لهذا الحد في فستان (ميني) الجميل لتجعلوها ترتدي بدلة قبيحة لا معالم أو ملامح للأنوثة فيها؟!". تعليقات غاضبة عدة كتبها أشخاص ينتمون غالباً إلى الأجيال الأكبر سناً، وأولئك الذين لا يعترفون أو يميلون أو يقتنعون بالحياد الجندري والقضاء على فكرة الدور الاجتماعي المرتبط بالنوع وغيرها من مسائل الجندر وقضايا النوع التي تحظى بشعبية كبيرة وإقبال شديد في دول غربية عدة.

طوفان الجندر

لكن طوفان قضايا الجندر أقوى وقرار "ديزني" في باريس استبدال بدلة ستيلا القاتمة بفستان "ميني" المبهج، لا رجعة فيه. القرار لم يمضِ من دون ظهير شعبي مؤيد ومخفف من حجم الصدمة التي أصابت الفريق الداعم للفستان والمؤيد باطنياً للخطوط الفاصلة بين الجنسين.
"فليهدأ الجميع ويتوقف عن بكائيات الفستان. ما المشكلة أن ترتدي الفأرة بدلة ربما تواكب العصر أكثر أو تصنع لنفسها قاعدة معجبين في فئة عمرية أخرى؟!" سؤال طرحه شاب عشريني ضمن مناقشة حامية الوطيس على "فيسبوك".
لكن قرار البدلة أبعد وأكبر من مجرد "لوك" (look) مختلف، فـ"ديزني" ليست منفصلة عن توجهات عالمية -في الأقل في نصف الكرة الأرضية- تميل نحو الحساسية والصوابية الثقافية والجندرية. بمعنى آخر، فإن الكيانات الكبرى جزء من عالم متغيّر وعليها مواكبة التغيير وإلا تكون العواقب وخيمة. وشهدت العقود الثلاثة الماضية، تنامياً واضحاً في نبرات المطالبة بالتوقف عن تنميط الشخصيات الكرتونية الأنثوية باعتبارها الجميلة الرقيقة الهشة الضعيفة المنحصرة أدوارها في أدوار النساء التقليدية. كما شهدت دفعاً لأن تكون الأعمال الفنية على قدر أكبر من الصوابية في ما يتعلق باللون والإثنيات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وثيقة التنوع والشمول

يُشار إلى أن "وثيقة الالتزام بالتنوع والشمول" المشهرة من قبل شركة "والت ديزني" تنص على أن الشركة تشجع وتدعم الأفراد من كل أمة وعرق وإثنية ومعتقد وجنس وهوية جنسية وإعاقة وثقافة ليشعروا أنهم محل احترام وتقدير لتميّزهم من خلال أعمالنا، وأن مبدأ التنوع والشمول يذكّر الجميع بأننا جميعاً ننتمي إلى "ديزني" ومبادئها.
وتفاخر "ديزني" بإحصاءاتها التي تعكس عملياً مبدأ التنوع والشمول، فمثلاً 72 في المئة من العاملين في "ديزني" بالولايات المتحدة نساء وأشخاص ينتمون لإثنيات وألوان مختلفة. كما أن "ديزني" مصنَّفة ضمن أفضل عشرة أماكن عمل صديقة لـ"مجتمع الميم" (أصحاب الميول الجنسية المختلفة من مثليين وعابرين جنسياً وغيرهما). وما يزيد على 1500 موظف وموظفة من "ديزني" يشاركون في فعاليات "مجتمع الميم" سنوياً، وغيرها.
تغيير فستان "ميني" الزهري وارتدائها البدلة الزرقاء وثيق الصلة بمسار الدمج والشمول، لا سيما على صعيد الجندر والانتماءات الجنسية المتعددة. ميكي في المقابل لم يحظَ بأي تصميم جديد أو "لوك" فريد. أميرات "ديزني" في المقابل مهددات وفي أقوال أخرى موعودات بحملة تحييد جندري آتية لا محالة.

أصوات محافظة

المثير هو أن أصواتاً "محافظة" عدة في أميركا اعتبرت فرض البدلة وإقصاء الفستان محاولة لهدم قيم المجتمع وتفتيت قواعده المتعارف عليها. والمعروف أن "ديزني" ظلت معروفة بتبنيها مبدأ "الترفيه النظيف المحتوي على جوانب معرفية"، حيث الحرب بين الأشرار والطيبين ودائماً يكسب الطيبون، ما جعل لها جمهوراً عريضاً لدى أصحاب الميول المحافظة لا سيما في أميركا. لكن أمور "ديزني" تتبدل وتتحول وتجاري وتواكب وبدلاً من عقود كانت خلالها "ديزني صانعة السعادة" تصبح "ديزني المتيقظة لمواجهة الظلم الاجتماعي"، وهو ما يلقي بظلال على نوعية قاعدتها الجماهيرية التي تضم يساريين واشتراكيين ورافعي راية تحييد الجندر وتوسيع قاعدة الألوان والإثنيات والثقافات.

ردود الثقافة

على الجانب الآخر من العالم، ممنوعات تسير في اتجاه مختلف، حيث إن ردود الفعل عربياً تجاه بدلة "ميني" الجديدة ما زالت في حيز المقارنة بين اللونين وترجيح كفة التغيير درءاً للملل أو تفضيل الفستان لارتباطه بالذكريات وما فات.
الطريف أن المرشحة الرئاسية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون غردت مثنيةً على بدلة ميني الجديدة وكتبت بالفرنسية "تري شيك" (أنيقة للغاية). ومعروف أن كلينتون تميل إلى ارتداء البدل وليس التنانير أو الفساتين لدرجة أن كثيرين شبهوا بدلة ميني الجديدة ببدلها.
وتنبه البعض إلى مسألة تحييد الجندر، إذ هناك مَن لا يزال واقعاً تحت تأثير سجال "أصحاب ولا أعز" لاحتوائه على إشارة إلى المثلية، فيرى أن البدلة ربما تكون مقدمة للإعلان عن مثلية "ميني".


مصير الفستان

وإلى أن تكشف "ديزني" عن مصير فستان "ميني" وتبدأ "ديزني لاند" في باريس في تطبيق الزي الجديد على فأرتها، يمضي البعض وقته في التنقيب عما أثارته "ميني" وصديقها "ميكي" عربياً من جدالات تعلق بعضها بتحريمهما، والبعض الآخر بالنهي عن تعليق صورهما بحسب وجهات نظر لرجال دين معروفين بالتشدد.
والتشدد أنواع وأشكال، وهناك نوع منه يدفع المرء إلى التدقيق والتنقيب بحثاً عن ممنوعات تهيمن على تفكيره أو محظورات تسيطر على حياته. وكم من جهود يبذلها البعض لرصد ما يمكن أن يحتوي على إيحاءات جنسية أشهرها كان خطيئة التركيز في أحد الأفلام على الملابس الداخلية للأرنبة "جسيكا" زوجة الأرنب "روجر" والشهوة التي ظهرت في عيني "ياسمينا" حين رأت "علاء الدين" يخلع ملابسه.

 

المزيد من منوعات