منذ أن اتسعت رقعة الانشقاقات داخل "حركة النهضة" في تونس، احتجاجاً على فشل محاولات إصلاح الحزب من الداخل، وعدم إقرار القيادة الحالية بتحمّل مسؤولياتها الكاملة لما وصلت إليه الحركة من عزلة داخل الساحة الوطنية، سارعت العشرات من القيادات السابقة في الحزب الإسلامي إلى توسيع رقعة النقاشات من أجل إيجاد بديل آخر للحركة، التي فقدت ثقلها في البلاد.
وقد شهدت الحركة بعد تفعيل الفصل 80 من الدستور، وإقرار التدابير الاستثنائية من طرف رئيس الجمهورية، والتي أفضت إلى تجميد أنشطة البرلمان، ورفع الحصانة عن أعضائه، وإقالة رئيس الحكومة، موجة استقالات لقيادات وأعضاء من المكتب التنفيذي للحركة، وصل عددها لأكثر من 100 عضو.
توسيع المشاورات
وحول مساعي بعض الشخصيات الإسلامية المنشقة عن "حركة النهضة" لتأسيس حزب جديد، أو إيجاد بديل يجمعهم، وفي اتصال مع يمينة الزغلامي، النائبة السابقة، والقيادية في حركة "النهضة"، قالت إنها غير مخولة للحديث وإن أي كان من حقه تأسيس حزب.
من جهته، يقول القيادي السابق في الحركة، سمير ديلو، إنهم لا يزالون في طور الحوارات. وبدا ديلو متحفظاً ولا يريد الحديث كثيراً عن تفاصيل ما يحدث في الكواليس.
وتابع حديثه في تصريح خاص قائلاً، "نحن نناقش متطلبات المرحلة والشروط التي يجب أن تتوفر، خصوصاً أننا عشنا تجربة سابقة في حزب النهضة، يجب أن نقوم بعدها بنقد ذاتي وبعض المراجعات". ويواصل، "إذاً هي عملية معقدة جداً"، مضيفاً في السياق ذاته، "صحيح نحن استقلنا من (النهضة)، لكننا لسنا في عجلة من أمرنا لتأسيس حزب جديد الآن".
ويؤكد ديلو، أن "النقاشات والحوارات من أجل التفكير في تأسيس حزب جديد، لا تجمع فقط المستقيلين من حركة النهضة، بل شخصيات وطنية أخرى لا علاقة لها بالإسلام السياسي".
ويتابع، "نحن منخرطون في النضال من أجل استعادة الديمقراطية في تونس، ونناقش ملامح التجربة الجديدة، التي لا تزال في بدايتها، ولم نقرر بعد ملامحها ومواصفاتها".
يُذكر أن سمير ديلو من القيادات الإسلامية التي تحدث كثيراً عن انتهاء الإسلام السياسي بصيغته القديمة، والتي وجدت بعد الثورة، كما تحدث عن تطلعاته لتأسيس حزب جديد من دون مرجعية دينية وذي رؤية وطنية يكون شبابياً، وتترأسه امرأة ويحافظ على الهوية الوطنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رابط عقائدي
من جهته، يعتقد المحلل السياسي مراد علالة، أن "التاريخ يكشف من خلال تجارب الإسلام السياسي، عن أن الخروج عن الجماعة أمر صعب للغاية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بشخصيات شغرت وظائف حساسة في التنظيم، وحظيت بثقة المرشد وأسراره المالية والشخصية وعلاقاته الدولية، وغالباً ما ينتهي الموضوع بعودة الإبن الضال، كما يقال، أو التصفية، أو في أفضل الأحوال التقاعد والانقطاع عن الشأن العام"، مواصلاً، "لنا في تاريخ (النهضة)، الاتجاه الإسلامي، أمثلة كثيرة قريبة من ذلك تحيلنا إلى مسيرة عبد الفتاح مورو مثلاً أو حمادي الجبالي أو رياض الشعيبي أو سمير ديلو وغيرهم"، وهم من أبرز قيادات الحركة.
ويتابع علالة، "تلويح بعض المستقيلين القافزين من مركب (النهضة) بتأسيس حزب جديد، لا يمكن النظر إليه خارج معادلة تقاسم الأدوار وحماية ماكينة التنظيم تحسباً للطوارئ في مشهد سياسي مهتز ومفتوح على عديد السيناريوهات، حيث لا يمكن أن نغضّ الطرف عن حديث بعض هؤلاء المستقيلين باسم (النهضة) بصفة عفوية كلما اقتضى الأمر الدفاع عنها والدفاع عن المرجعية الإسلامية".
ويعتقد في السياق نفسه، أن "قطع أي حزب يُولد من رحم (النهضة) علاقته بها أمر صعب، لأننا إزاء جماعة دينية، الرابط بينها عقائدي، والتحدي الذي فشل فيه الإسلاميون في بلادنا هو التونسة، بالتالي فإن مرجعيتهم ستبقى إخوانية وإن تعددت كياناتهم وتعبيراتهم، التي تلتقي في الشدائد، إن جاز القول".
أما العلاقة بأي استحقاقات انتخابية قادمة وفي صورة إقرار الإسلاميين بالمشاركة فيها من عدمه، فيرى علالة أنه "يصعب أن يتدافع الإسلاميون وأن يتصارعوا فيما بينهم، وسيكون لهم في النهاية حضور أقل بكثير مما كان عليه في الاستحقاقات السابقة في 2011 و2014 و2018 و2019، لكنهم سيظفرون بمقاعد وحجم انتخابي لن يكون محدداً في قلب معادلات الحكم، وحتى المعارضة كما كان الحال عليه خلال العقد الأخير".