لم يكن اتهام منظمة العفو الدولية "أمنستي" لإسرائيل بأنها دولة "فصل عنصري تمارس اضطهاد الفلسطينيين كافة وتنكر حقوقهم"، إلا إشارة البداية لحملة دولية تهدف إلى "تفكيك بنية نظام الفصل العنصري عبر فضحه دولياً، ومساءلة رموزه، وحظر الأسلحة على إسرائيل".
ويمكن أن يشكل التقرير دعماً للفلسطينيين في التحقيق الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية حول ارتكاب "جرائم إسرائيل ضد الإنسانية، وجرائم حرب في الأراضي الفلسطينية".
فالتقرير رصد "قوانين وسياسات إسرائيلية تقوم على تفوّق اليهود بين النهر والبحر ضد الفلسطينيين كافة في أماكن وجودهم في الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل إسرائيل".
معاداة السامية
وحتى قبل صدوره رفضت إسرائيل التقرير، ووصفته بـ"الكاذب" وبازدواجية المعايير، وبأنه يهدف إلى "نزع شرعية إسرائيل وشيطنتها"، ودعت إلى سحبه "لمعاداته السامية".
وأصدر وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد بياناً قال فيه، إن "منظمة العفو كانت يوماً ما منظمة موقرة نحترمها جميعاً"، مضيفاً، "اليوم هي على عكس ذلك تماماً". وتابع "بدلاً من البحث عن الحقائق، تستشهد منظمة العفو بأكاذيب تنشرها منظمات إرهابية".
ولفت لبيد إلى أن دولة "إسرائيل ليست كاملة لكنها ديمقراطية ملتزمة بالقانون الدولي ومنفتحة على التدقيق".
كما اتهم لبيد منظمة العفو الدولية بمعاداة السامية، قائلاً، "أكره استخدام الحجة بأنه لو لم تكن إسرائيل دولة يهودية، فلن يتجرأ أحد في منظمة العفو الدولية على التحدث ضدها، لكن في هذه الحالة لا يوجد احتمال آخر".
وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار لوكالة الصحافة الفرنسية، "كنا نود إجراء محادثة مع وزير الشؤون الخارجية عندما اتصلنا به أولاً وعرضنا التحدث إليه حول التقرير، كان هذا في أكتوبر (تشرين الأول)".
وأضافت "لم يستجب لعرضنا في ذلك الحين. الوقت بات متأخراً جداً الآن لدعوتنا لعدم نشر التقرير". وردت كالامار بأن "انتقاد ممارسات دولة إسرائيل لا يعد على الإطلاق شكلاً من أشكال معاداة السامية".
ترحيب فلسطيني
من جانبها، رحبت السلطة الفلسطينية بشدة بالتقرير ووصفه رئيس الوزراء محمد اشتية، بأنه "من أكثر التقارير الحقوقية الدولية مهنية، ومصداقية، وشفافية، ويشكل وثيقة أممية على درجة عالية من الأهمية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووصف اشتية التقرير بـ"انتصار جديد لقضية الشعب الفلسطيني العادلة، وأنه إنصاف لضحايا سياسة الفصل العنصري الإسرائيلية". وطالب اشتية الدول الداعمة لإسرائيل بوقف دعمها "لدولة الفصل العنصري، وفرض قيود عليها كتلك التي فرضت على دولة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا".
وبدأت سفارات فلسطين وممثلياتها في مختلف أنحاء العالم تحركاً مكثفاً مع الجهات الحكومية والبرلمانية والسياسية ومراكز صنع القرار ومنظمات المجتمع المدني بهدف "حشد أوسع اعترافات دولية بأن إسرائيل كقوة احتلال ترتكب جريمة الفصل العنصري، والضغط عليها لتفكيك نظامها للفصل العنصري".
وفور نشر التقرير بدأت الأمانة العامة لمنظمة العفو الدولية "حملة دولية تستمر خلال الأشهر والسنوات المقبلة لفضح ممارسات الفصل العنصري والجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين"، بحسب الأمينة العام للمنظمة أنياس كالامار.
وحددت المنظمة هدفاً نهائياً لها يتمثل "بتفكيك بنية نظام الفصل العنصري في إسرائيل في مهمة قد تستمر لعقود حتى تؤتي أكلها"، بحسب مدير منظمة العفو الدولية في فلسطين صالح حجازي، مشيراً إلى أن ذلك يحتاج إلى "محاسبة المسؤولين عن نظام الفصل العنصري، وفرض حظر على مبيعات الأسلحة لإسرائيل".
وأضاف حجازي لـ"اندبندنت عربية" أن "الخطوة الأولى لتحقيق ذلك الهدف تبدأ بإقناع دول العالم عبر صناع القرار فيها بالاعتراف بأن إسرائيل دولة فصل عنصري"، قائلاً إن "منظمة العفو الدولية حركة عالمية للدفاع عن حقوق الإنسان، ولديها أكثر من 10 ملايين عضو حول العالم، وشراكة مع 80 مؤسسة حقوقية عالمية".
وعقب ساعات من إصدار التقرير، التقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار في رام الله؛ مؤكداً أن دولة فلسطين "ستتابع مع جميع دول ومنظمات العالم من أجل شرح ما جاء في التقرير وتنفيذ إجراءات تحمي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتؤدي إلى إنهاء الاحتلال لأرض دولة فلسطين، ونيل الشعب الفلسطيني الحرية والاستقلال".
لكن الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي طالب الرئيس عباس "بتبني نهج مختلف يقوم على المطالبة بإسقاط نظام الفصل العنصري في إسرائيل بدل الاستمرار في الحديث عن المفاوضات معها".
وأوضح البرغوثي أن التقرير "يقدم وثيقة علمية ومهنية تؤكد ارتكاب إسرائيل جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين". ودعا البرغوثي إلى القيام "بحملة دولية واسعة للمطالبة بفرض عقوبات على إسرائيل ومقاطعتها، وحظر تزويدها بالأسلحة"، مشيراً إلى أن "التقرير يفتح الباب أمام ذلك".
هذا واعتبر مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الانسان أن تقرير منظمة العفو الدولية يشكل "مؤشراً على إجماع دولي جديد يتوافق مع حقيقة أن إسرائيل تدير نظام تفوق يهودي في المنطقة الممتدة بين النهر والبحر".
هذا وقالت منظمة الضمير الحقوقية الفلسطينية، إن التقرير "يفتح الباب أمام مطالبة الأمم المتحدة بإرسال لجنة تحقيق دولية للتحقيق في التمييز العنصري، وتحديد جريمة الفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية استناداً على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".