أحيى أطفال الجزائر يوم الطفل العالمي على وقع أزمة سياسية امتدت إلى نواحٍ حياتية عدة، وكانوا هم من بين ضحاياها، بسبب ما يعانونه من مشاكل في ظل استمرار غياب الاستقرار، الذي يُعد تحقيقه أهم ركيزة لضمان صعود نشء متزن. واعتمد اليوم العالمي للطفولة شعار "طفولة آمنة... مستقبل زاهر"، فبعد معاناة الأطفال مع الفقر والأمراض والحروب، جاء الدور على الاعتداءات الجنسية والتسول والزواج العرفي، مع تسجيل أكثر من 16 ألف حالة تبليغ عن سوء معاملة الأطفال في الجزائر.
الطفولة... ضحية "العصابة"؟
ودفعت الطفولة الجزائرية ثمن السياسات الفاشلة لـ"العصابة" (الطقم الحاكم خلال عهد الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة) كبقية فئات المجتمع، وعلى الرغم من براءتها إلا أنها أبت إلا أن تخرج إلى الشارع للمطالبة بالتغيير.
وطالب عبد الرحمان عرعار، رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل المعروفة بـ "ندى"، بضرورة تعزيز الاستراتيجية الخاصة بالطفولة مع ضبط القوانين المسيرة لمؤسسات استقبال هذه الشريحة الهشة، داعياً إلى الإسراع في إصدار المراسيم التنفيذية المتبقية المتعلقة بقانون حماية الطفولة، وكشف عن تسجيل أكثر من 16 ألف بلاغ عن سوء معاملة الأطفال، منها 1110 قضايا سوء معاملة جسدية ونفسية، 342 حالة تسول، و322 حالة زواج عرفي، محذراً من أن كلها ظواهر في تنامٍ مستمر.
أرقام... وأرقام
من جهة أخرى، أكدت غنية الدالية، وزيرة التضامن والأسرة وقضايا المرأة في الجزائر، أن أجهزة الوزارية أنجزت 5889 تحقيقاً اجتماعياً، واستقبلت وعالجت 1041 إخطاراً عن أطفال في وضعية الخطر، اتُخذ بموجبها 428 تدبيراً لفائدة الطفل أو الأسرة لرفع حالة الخطورة، وذلك خلال عام 2018 والأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي. وأشارت الوزيرة الدالية إلى مساعي إنشاء وتفعيل الخطوط الخضراء للتبليغ والإخطار عن حالات العنف والوضعيات الاجتماعية الصعبة.
في السياق ذاته، كشفت "هيئة حماية وترقية الطفولة الجزائرية"، أن الإخطارات التي أجراها مواطنون أو حتى أطفال أنفسهم، تتعلق بعضها بحالات سوء المعاملة أو العنف أو الاستغلال الاقتصادي للأطفال أو التسول. وأشارت إلى أنها تلقت أكثر من 400 ألف مكالمة هاتفية، بعضها تناول حالات المساس بحقوق الطفل، وأخرى تمثلت في طلب توجيهات واستفسارات، أو تتعلق بانشغالات ترتبط بمسألة الطفولة أو مهمات الهيئة، وذلك منذ بداية العام الحالي.
تنامي ظواهر استغلال الأطفال
في السياق ذاته، أرجع مختصون تنامي ظواهر التعدي واستغلال الأطفال إلى المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها الشعب الجزائري، وأهمها الفقر والطلاق. وأوضح أستاذ علم الاجتماع، أحمد ولد علي أنه "بقدر ما يعرف المجتمع الجزائري تطوراً، فإنه يشهد في المقابل توسع دائرة الفقر، وبقدر ما تتوسع دائرة الحريات، ترتفع معها حالات الطلاق. وفي كلتا الحالين يدفع الأطفال الثمن". وتابع أن "الاعتداءات الجنسية على الأطفال واستغلالهم في بعض الأعمال المحظورة، ظهرت جراء تطور المجتمع سلباً مع ارتفاع نسبة تناول المخدرات والاتجار بها، إضافة إلى بروز المعلوماتية في التعامل اليومي بشكل لافت".
الوزيرة الجزائرية للتضامن والأسرة وقضايا المرأة، أعلنت من جهتها، إجراءات جديدة لتوحيد الجانب التربوي في المؤسسات الخاصة، مثل دور الحضانة وروضات الأطفال، بعد رصد نشاط 50 في المئة من روضات الأطفال بصورة غير قانونية، ما أدى إلى إقفال 100 روضة كانت تنشط في ظروف سيئة ولم تحترم دفتر الشروط، مشيرةً إلى أن العاصمة الجزائرية وحدها تضم 453 روضة معتمدة من قبل الوزارة تتكفل بـ50 ألف طفل. وأضافت الوزيرة أن هذه المؤسسات تلعب دوراً كبيراً في تربية الأطفال، ومسؤولية كبيرة تقع على عاتق مديريها، بهدف حماية الأطفال.
خطر "الأمية"
ويرى المتخصص في علم النفس أنس سيفاوي أن أطفال الجزائر تهددهم "الأمية" بسبب التسرب المدرسي الذي ينتشر بسرعة، خصوصاً في المناطق النائية، حيث تبعد المؤسسات التربوية كيلومترات في ظل غياب وسائل النقل وضعف إمكانات الوالدين المادية، على الرغم من إجراءات السلطات المعنية، مبرزاً أن فئة الإناث أكبر متضرر من هذه الظاهرة. وتابع أن "أطفال المدن يعانون كنظرائهم في الأرياف، غير أن المعاناة تختلف بسبب الظروف والتقاليد، فمشاكل أطفال المدينة تتمثل في التسول وتناول المخدرات والعمل المتعب، الاعتداءات الجنسية والجسدية واللفظية، وغيرها، في المقابل يعاني أطفال الريف من الأعمال الشاقة، والتسرب المدرسي، والاعتداءات الجنسية، والفقر والأمراض.
أطفال يطالبون بالتغيير
واحتفل أطفال الجزائر بيومهم العالمي هذه المرة، في ظل شعارات تطالب برحيل نظام تسبب في مضاعفة معاناتهم، من ضمن الحراك الذي تشهده البلاد منذ 22 فبراير (شباط) الماضي، إذ اختار الأهل اصطحاب أطفالهم في مسيرات الجمعة الـ15، بعدما كان يتم إحياء اليوم العالمي للطفولة داخل قاعات الحفلات بحضور ممثلي السلطة. إلا أن هذا العام اختار أطفال الجزائر أن يكونوا جزءاً من الحراك، وصنّاع التغيير من أجل مستقبل أفضل.