يبدو أن الأوضاع السياسية المعقدة حالياً في العراق تتّجه إلى سيناريو مشابه لما جرى في عام 2018 من توافقات سياسية على اختيار المرشحين للرئاسات الثلاث، على الرغم من أن القوى السياسية ترغب في تفادي هذا السيناريو المحتمل، والذي وضعته نتائج الانتخابات المبكرة.
انتخاب الرئاسات
وقال عضو "تحالف السيادة" أمجد الدايني في تصريح صحافي، إنه تم حسم إحدى "الصلاحيات الدستورية الثلاث، وهي اختيار رئيس البرلمان ونائبَيه"، مشيراً إلى أن "هناك مفاوضات بين الأطراف الكردية للخروج بمرشح واحد في مجلس النواب ليكون رئيساً للجمهورية"، متوقعاً أن تكون "المفاوضات جدية أكثر كلما اقترب موعد تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، يرافقها تقديم تنازلات وتقريب وجهات النظر في ما بين الكتل". وأضاف الدايني، أن "اختيار مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الحكومة المقبلة سيكون بالتوافق مع الكتلتين السنية والكردية، والرؤية التي يراها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بتقريب بعض الأطراف المنضوية تحت مظلة الإطار وكسبهم لتشكيل الحكومة".
وبيّن الدايني أن "هذا الحدث سبق أن حصل في تشكيل حكومة 2018، بعد أن كان هناك انقسام كبير بين الكتل السياسية إلى أن اجتمع الأفرقاء السياسيون في ما بينهم لتشكيل الحكومة"، منوهاً بأن "السيد الصدر إذا أصرّ على تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية، فإنها حتماً ستضم أطرافاً من الإطار التنسيقي".
قلب المعادلة السياسية
بدوره، رأى الباحث السياسي علي البيدر، أن "قرار المحكمة الاتحادية الأخير حول جلسة اختيار رئيس الجمهورية قلب المعادلة السياسية ومنح الباحثين عن تعطيل الجلسة فرصةً أكبر لتوحيد شتاتهم ومواقفهم بعد أن أتاح لهم تعطيل الجلسة بحال تمكنهم من جمع أكثر من 110 نواب إلى صفوفهم".
وتابع أن "قرار المحكمة قد يجعل الأغلبية تبحث عن حلول لترضية الأقلية التي قد تضع شروطاً تعجيزية للوجود في جلسة اختيار رئيس الجمهورية كما أن موقف المستقلين وقوى تشرين داخل البرلمان سيكون مفصلياً بما يتعلق باكتمال النصاب الخاص بقانونية جلسة يوم الاثنين". ورجّح البيدر أن "كل السيناريوهات محتلمة وقد نشهد فراغاً دستورياً يزيد الأزمة السياسية تعقيداً وقد نشهد مفاجآت اللحظة الأخيرة عبر توافق مشروط بين طرفي المعادلة السياسية، وهما الإطار التنسيقي والثلاثي الأكبر المتمثل بالحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة والتيار الصدري". وأضاف، "حتى الآن، ما زال موقف التيار الصدري واضحاً لناحية عدم وضع قوى الإطار التنسيقي أي شرط للوجود في التحالف الذي يقوده الصدر، وهذا ما يؤزم المشهد السياسي أكثر".
وأكد الباحث السياسي، أن "الصورة لا تزال ضبابية، ولم يتم التوصل حتى الآن إلى أي توافق سياسي قبيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي قد تشكل بدايةً لمعالجة الأزمات. والتيار الصدري لا زال يرفع شعار الإصلاح، ولا يمكن للصدر التراجع عن مواقفه كونه سيكون محرَجاً أمام الشارع العراقي بشكل عام والتيار الصدري على وجه الخصوص".
واعتبر البيدر، أن "قوى الإطار التنسيقي أعلنت عن تماسكها وتجانسها وأنها قادرة على جمع الرقم النيابي المعطل لجلسة الاثنين المقبل، كما هناك دعوات صدرية مصحوبة بإغراءات سياسية لبعض قوى الإطار للوجود ضمن خيار الأغلبية، لكنها لم تلقَ التجاوب المناسب بعد".
وعبّر البيدر عن اعتقاده أن "قوى الإطار التنسيقي قد تذهب إلى المقاطعة أو المعارضة، وهذا الخيار بحد ذاته يُعتبر أداة تقويمية تسهم في تصحيح المواقف السياسية ومراقبة الأداء الحكومي، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على طبيعة عمل مؤسسات الدولة. كما أن الفراغ الدستوري المتوقع قد تطول مدته، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية بعد تعطيل عمل الكثير من المؤسسات الحكومية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد البيدر على أن "الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة ممكن أن يعالج مشاكل عدة تتعلق بواقع العراقيين، ومنها إقرار موازنة عام 2022 التي تسهم في توفير الخدمات وفرص العمل. وحتى الآن لم نشهد مبادرات سياسية ناجحة تقدم تنازلات واضحة لمعالجة الأزمة، وهذا ما يؤشر إلى عدم اكتراث المنظومة السياسية للواقع الذي يعيشه العراقيون. هناك سباق واضح على المناصب الحكومية ومواقع القيادي داخل منظومة السلطة".
المتغيرات كثيرة
ولدى طرح سؤال حول ما إذا كان سيناريو 2018 سيحضر في تشكيل الحكومة الجديدة، صرح الباحث السياسي، نبيل جبار العلي، بأن "المتغيرات كثيرة، والتوجهات السياسية معقدة، فما زال طرفا السياسة الكردية (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني) مختلفَين حول منصب رئيس جمهورية العراق، العائد للأكراد وفق الأعراف السياسية المتبعة منذ عام 2003، فالصراع محتدم حول الموضوع ويحاول الطرفان استمالة الأطراف السياسية الأخرى السنية والشيعية لصالح مرشحها، والسبب في التعقيد هو الاختلاف الشيعي أصلاً حول تشكيل الحكومة، بين التوافق أو الإقصاء".
وزاد العلي، "أما فرصة أن تكون جلسة مجلس النواب المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية العتيد شبيهة بجلسة عام 2018 التي شهدت حينها انتخاب رئيس جمهورية ضمن الفضاء الوطني وسُمح لأعضاء البرلمان أن يكونوا أحراراً في خياراتهم، قد تكون واردة جداً في هذه الدورة، والسبب يعود إلى مبدأ عدم الانحياز الذي يمكن أن تتخذه الأطراف الشيعية والسنية تجاه الأطراف الكردية المتصارعة". وأضاف، "قد ينجح الديمقراطي الكردستاني (بقيادة مسعود بارزاني) بعقد صفقات لتمرير مرشحه والفوز بمنصب رئيس الجمهورية على حساب الاستحقاق السياسي لحزب الاتحاد الكردي كما جرى عليه العرف السياسي".
التوافق السياسي
في سياق متصل، اعتبر الباحث السياسي، صالح لفتة، أن "تشكيل الحكومة وإن اختلف في بعض التفاصيل، لكن الحالة العامة هي التوافق وعدم دعم أي شخصية لرئاسة الوزراء إذا لم تحظَ بموافقة كل الأطراف والمكونات السياسية الرئيسة العراقية".
وأوضح، "صحيح أن الخطوة الأولى تبدأ من توافق المكون الشيعي وتنطلق إلى الفضاء الوطني، وهذه المرة أيضاً لا تختلف كثيراً عن المرات السابقة، سواء عام 2018، أو ما قبله. ولن يتم دعم أي شخصية لرئاسة الحكومة إذا لم تكن توافقية، لكن خطوات التوافق ستكون عكسية، بدءاً بتوافق المكونات الرئيسة أي من توافق الصدر وحلفائه، ثم تنزل لبقية الأحزاب الشيعية مع بقاء الكلمة الفصل لزعيم التيار الصدري بتحديد اسم رئيس الوزراء. وسترضى بقية الكتل والأحزاب الشيعية، وخصوصاً أطراف الإطار الشيعي بالأمر الواقع بأي شخصية يختارها مقتدى الصدر ومسعود بارزاني ومحمد الحلبوسي، فهم يدركون أن لا نفوذ لهم ولا قدرة على فرض أي شخصية، ولا يمكنهم تعطيل الاختيار، وستكون مهمتهم منصبة على الحصول على بعض المكاسب في مفاوضات تشكيل الحكومة لا تتضمن تحديد اسم رئيس الوزراء، بل تشمل مناصب وزارية وتنفيذية ووعود بعدم تهميشهم في القرارات والقوانين في الفترة المقبلة".