يؤدي بوريس جونسون عملاً يشبه بصعوبته تلك اللعبة التي نجدها في مدن الملاهي، وتقضي بتمرير حلقة معدنية على شريط مكهرب غير مستقيم من دون أن تلمسه. إن احتكاك الحلقة بالشريط قد يطلق صفارة إنذار تفيد بخسارة اللاعب. وعلى جونسون أن يصل إلى نهاية الشريط، وهو موعد انتخابات 2024، من دون أن تحتك الحلقة بالشريط، وإلا فسيطرد من منصبه.
من المحتمل أن يتمكن من الاستمرار في منصبه إذا ضبط أعصابه وحالفه الحظ قليلاً. ولقد وُفقَ بضربة حظ عظيمة بعد الاشتباك البيروقراطي أخيراً بين تحقيقي كبيرة الموظفين الحكوميين سو غراي، وشرطة العاصمة "متروبوليتان بوليس" Metropolitan Police التي فتحت تحقيقاً مستقلاً لمعرفة ظروف الحفلات المخالفة لقوانين إغلاق كورونا التي أقيمت في مقر رئاسة الوزراء في "10 داونينغ ستريت". وفي المحصلة، لم تنشر كل المعلومات المسيئة بحق جونسون المتضمنة في تقرير غراي الذي اعتبر بمثابة "إحاطة مُحَدثة" [عما أحرزته المحققة من تقدم في مجريات تحقيقها]. وبدا الأمر كأنما قد جاء من يهز كوع جونسون، ويقوده بصورة مفاجئة كي ينجح في تخطي زاوية صعبة كانت أمامه، من دون أن تلمس الحلقة الشريط المكهرب.
لقد سمح ذلك لجونسون بشراء مزيد من الوقت كي يلتقط أنفاسه قبل نزال جديد. وتزامن ذلك أيضاً مع عامل مساعد آخر تجلى في قرار بتغيير في السياسات، طرأ بشكل مساعد للغاية في كل الأحوال. إذ تخلى وزير الصحة ساجد جاويد أخيراً عن خططه الرامية إلى طرد كل الموظفين غير الملقحين في هيئة "خدمة الصحة الوطنية". لقد أسعدت تلك الخطوة فصيلاً من نواب حزب المحافظين ممن يمكن إقناعهم بأن المحافظة على جونسون هي أفضل رهان يمكنهم الاعتماد عليه لتلافي أي قيود جديدة تتعلق بالوقاية من فيروس كورونا.
ثمة عامل آخر أدى دوراً مهماً أيضاً، وتمثل في عودة لينتون كروسبي، مستشار جونسون الأسترالي (السابق) المعروف في أوساط نواب حزب المحافظين بأنه من المحافظين الملتزمين، وهو أيضاً ممن يحصدون النجاح في الانتخابات. وترك هذا التطور أثراً في تصفيق النواب خلال اجتماع "لجنة 1922" المؤلفة من نواب حزب المحافظين ممن يجلسون على المقاعد الخلفية [لا يمسكون بمناصب حكومية ولا يشاركون في النقاشات المباشرة، لكن لجنتهم تراقب الأداء الحزبي لنواب المحافظين]، على الرغم من أن كروسبي نفسه قلل أهمية ظهوره في الاجتماع، إذ أعلن، " أنا لن أنضم إلى العمل في "10 داونينغ ستريت" [بمعنى عدم عودته إلى إداء مهمات حكومية] أو أي شيء من هذا القبيل، لكن لو طلب مني أي رئيس للوزراء من حزب المحافظين استشارة، فسألبي الطلب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من يدري إن كان كروسبي قد أشار على جونسون استخدام قضية جيمي سافيل ضد زعيم حزب العمال كير ستارمر بشكل مهين، في جلسة المساءلة الحكومية في مجلس العموم أخيراً. في المقابل، تعطي تلك القضية مثلاً جيداً عما يتبعهُ كروسبي الذي ينصح برمي ما يسمى "قطة ميتة" على الطاولة بهدف تشتيت انتباه الناس وإبعادهم عن بحث القضية التي كانوا يناقشونها قبل ذلك (أي قبل إطلاق الكذبة).
نعم. لقد حورت [قضية جيمي سافيل] انتباه الناس بشكل جيد، وربما أنها أيضاً قد أعطت مردوداً معاكساً لأنها لم ترق لبعض نواب حزب المحافظين، حتى لو أن وزير شؤون إيرلندا الشمالية السابق جوليان سميث، الذي سبق لجونسون أن طرده، يندرج ضمن النواب الذين لا يتوقع إلا بصعوبة أن يقدموا أي دعم لجونسون.
وفي المحصلة، إن جمع أصوات 54 من نواب حزب المحافظين، الأمر الذي يتيح التصويت على حجب الثقة عن زعيمهم، أمر أصعب مما تصورناه. إذ قد يفعل معظم نواب حزب المحافظين كل شيء، إلا اتخاذ ذلك القرار. حتى لو فُرض عليهم أن يقرروا، وعُرض عليهم قرار حجب الثقة للتصويت عليه، فإن بعض هؤلاء النواب قد يتلكأ في التصويت بحجب الثقة، حتى لو كانوا ممن يودون رحيل جونسون. فلطالما روى (وزير المالية السابق في حكومة ديفيد كاميرون) جورج أوسبورن كيف أنهم اتفقوا، أوسبورن وكاميرون وجونسون إبان كونهم آنذاك نواباً جدداً من جيل الشباب، خلال اجتماع جهزوا خلاله زعيمهم آنذاك إيان دانكن سميث لجلسة مساءلة رئيس الوزراء الأسبوعية في البرلمان، [اتفق الثلاثة] على التصويت ضده في جلسة لحجب الثقة عنه في 2003. بعد ذلك، اعترف كاميرون بخجل، أنه تراجع عن الالتزام بالاتفاق وصوت لمصلحة التمسك بإيان دانكن سميث. وحينها، طرح بوريس جونسون على كاميرون السؤال التالي "ماذا؟ لماذا فعلت ذلك؟" فأجابه ديفيد كاميرون، "أنا لا أود أن يعتاد حزب المحافظين على الإطاحة بزعيمه".
إن هذا هو السبب [في صعوبة تصويت نواب محافظين لمصلحة الإطاحة برئيس وزراء يكون زعيماً لحزبهم]. وبالمناسبة، أنا لا اعتقد أن [رئيسة الوزراء السابقة] تيريزا ماي، على الرغم من كل انتقاداتها القاسية لخليفتها [بوريس جونسون]، ستكتب رسالة إلى السير غراهام برايدي، رئيس "لجنة 1922" [لطلب حجب الثقة عن جونسون].
بالتالي، تكمن العقبة المقبلة أمام جونسون على الشريط المكهرب في نتائج تحقيقات الشرطة ومتى تنشر نتائجها، وانتخابات شهر مايو (أيار) المحلية المقبلة. إذا كتبت الشرطة مخالفة مالية بحق رئيس الوزراء لخرقه إجراءات الإغلاق (وفق ما ينص القانون)، فإن ذلك يعني أن جرس الإنذار سينطلق، وسيعني ذلك نهاية جونسون. في المقابل، إن الفكرة التي تفيد بضرورة أن تبقى مسألة إصدار مخالفة بحق جونسون أمراً سرياً، هي اقتراح غريب، وقد تعني أن رئيس الحكومة قد خالف القانون. وثمة ما لم يحسم بعد، على الرغم من "النتائج العامة" التي تدين [جونسون]، وقد صدرت في "الإحاطة التحديثية" لغراي أخيراً، ويتمثل في أن الشرطة ستقرر إذا كان جونسون نفسه قد ارتكب جرماً.
إذا نجح جونسون في تخطي تلك العقبة من الشريط المكهرب، ستكون الانتخابات المقبلة محاسبة على إدائه، وقد تؤدي إلى بدء إجراءات إرسال 54 نائباً محافظاً رسائلهم لحجب الثقة عنه. إذا خسر المحافظون السيطرة على مجلسي منطقتي "واندسورث" و"ويستمينستر"، وهما مجلسان محليان في لندن [يكونان تقليدياً بعهدة المحافظين]، فستخبو سمعة جونسون بأنه ممن يكسبون أصوات الناخبين.
وتذكيراً، لقد نجح كينيث بايكر الذي شغل منصب أمين عام حزب المحافظين إبان عهد تولي تاتشر الوزارة، في قلب مجموعة من أخبار الانتخابات المحلية السيئة وتحويلها انتصارات، لأن حزب المحافظين نجح في التمسك بسيطرة الحزب على مجلس دائرة "واندسورث" المحلي، على الرغم من كل التوقعات التي كانت تنبئ بخسارته في 1990. لكن انتبهوا، فقد رحلت من منصبها كرئيسة للوزراء بعد ستة أشهر من ذلك. لكن، إذا نجح جونسون في الابتعاد عن تبني إدخال سياسة فاقدة للشعبية على غرار فرض "ضريبة الرؤوس" poll tax، [الذي فرضته تاتشر في 1989، وأثار اضطرابات أسهمت في إسقاطها عن رئاسة الوزراء في 1990]، فمن الممكن أن ينجو لبعض الوقت الإضافي.
لا بد أن تتركز تمنيات جونسون حالياً حول زوال الغضب الشعبي عليه بسبب كيله بمكيالين خلال فترة إغلاق كورونا. ربما سيكتب له ذلك. في المقابل، أعتقد أنه سيكون من السهل على حزب العمال إعادة إحياء القضية [خرق قوانين الإغلاق] مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة. يمكنكم من اليوم تخيل حملة الترويج على وسائل التواصل الاجتماعي مع شعارات من نوع "مشرعو القوانين لا يمكنهم أن يخرقوها،" و"انظر في عيون جدتك وقل لها إنك لم تخرق قوانين الإغلاق".
قد ينجو جونسون لفترة أطول مما كان متوقعاً قبل حوالى الأسبوع، لكنه من المؤكد أنه سيفشل في مساعيه. وستنطلق الصفارة، ليس بعد كثير من الوقت. وستنتهي اللعبة بالنسبة له.
© The Independent