أجبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على تقديم اعتذار مهين أمام مجلس العموم، بعدما انتقده تقرير دامغ، يتعلق بمزاعم عن حفلات خرقت إجراءات إغلاق كورونا، متحدثاً عن "إخفاقات في القيادة والحكم"، في مقر رئاسة الحكومة في "10 داونينغ ستريت".
وكذلك كشف التقرير الذي أعدته سو غراي، الموظفة البارزة في الخدمة المدنية في المملكة المتحدة، وتعرض لاختصار شديد، عن أن شرطة العاصمة البريطانية تجري تحقيقاً جنائياً في 12 فعالية منفصلة جرت في مقر رئاسة الوزراء وإدارات حكومية أخرى، بما فيها ثلاث في الأقل يعتقد أن بوريس جونسون قد حضرها.
وأفاد تقرير غراي أيضاً بأن بعض التجمعات شكلت "فشلاً ذريعاً في مراعاة، ليس مجرد المعايير الرفيعة المستوى المتوقع التزامها من الأفراد الذين يعملون في صلب الحكومة، بل أيضاً تلك المُتوخَّى تطبيقها من جميع السكان البريطانيين في ذلك الوقت".
واستطراداً، وصف زعيم حزب العمال المعارض السير كير ستارمر، رئيس الوزراء بأنه "رجل بلا حياء"، خصوصاً لجهة تجاهل جونسون المطالب الموجهة إليه بالاستقالة، واكتفائه بوعد بـ"إصلاح" المشكلة من خلال إجراء تغييرات لموظفين في مقر رئاسة الوزراء، ومراجعة قواعد السلوك المتعلقة بموظفي الخدمة المدنية والمستشارين.
واتصالاً بذلك، أعلنت أنجيلا ريتشاردسون، العضو في البرلمان عن حزب المحافظين، أنها استقالت من وظيفتها سكرتيرة برلمانية خاصة بوزير شؤون مجلس الوزراء مايكل غوف، مشيرة إلى أنها أصيبت بـ"خيبة أمل عميقة" من طريقة تعامل بوريس جونسون مع الفضيحة. وفي المقابل، أكد أحد الوزراء لـ"اندبندنت" أنه بات "في صدد مراجعة موقفه"، بعد الرد المخيب للآمال الذي صدر عن رئيس الوزراء.
في غضون ذلك، تبين من استطلاع سريع أجرته وكالة "أوبينيوم" Opinium لأبحاث السوق، أن 64 في المئة من الناخبين في المملكة المتحدة يعتقدون أن نواب حزب المحافظين يجب أن يخلعوا بوريس جونسون من خلال تصويت على طرح الثقة فيه. وقد أفاد نحو 83 في المئة من الأفراد الذين استطلعت آراؤهم أنه انتهك قواعد الإغلاق، فيما رأى نحو 75 في المئة أنه لا يقول الحقيقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تطور متصل، تعرض إيان بلاكفورد زعيم نواب "الحزب القومي الاسكتلندي" SNP في "ويستمنستر"، للطرد من جلسة مجلس العموم، لرفضه التراجع عن استخدامه كلمة "كاذب" في وصفه جونسون. في المقابل، أبلغ أندرو ميتشل المسؤول السابق عن الانضباط الحزبي لدى المحافظين، رئيس الوزراء، بأنه لم يعد يحظى بدعمه.
وفي نفسٍ مماثل، سأل النائب عن حزب المحافظين آرون بيل، وهو عضو في مجموعة نواب "الجدار الأحمر" لـحزب المحافظين الذين فازوا بمقاعد كانت تقليدياً من نصيب حزب العمال في دوائر ميدلاندز والشمال، سأل رئيس الوزراء عما إذا كان قد اعتبره [بيل] "أحمقَ" بسبب إطاعته قواعد التباعد الاجتماعي في جنازة جدته.
وعلى الرغم من هذه المواقف، لم تصدر إشارات فورية على تدفق رسائل تطالب بطرح الثقة في جونسون، على السير غراهام برادي رئيس "لجنة العام 1922" 1922 Committee التي تضم نواب المقاعد الخلفية [لا يتولون مناصب حكومية ولا يشاركون مباشرة في النقاشات، لكن لجنتهم تراقب الأداء الحزبي في البرلمان] في حزب المحافظين. ومن شأن رسائل كتلك، إذا تجاوز عددها 54، أن تؤدي إلى إجراء تصويت على مستقبل بوريس جونسون في زعامة حزب المحافظين.
وفي السياق عينه، تعرض جونسون لملاحظات قاسية في مجلس العموم، من قبل رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، التي طلبت معرفة ما إذا كان قد أخفق في فهم القواعد التي فرضها على البلاد، أو إذا كان يعتقد أنها لا تنطبق عليه.
وقد أجبر جونسون على إبداء تغيير متسرع لموقفه، حينما هاجم نواب بغضب كلامه عن أن التقرير الكامل لسو غراي قد لا ينشر أبداً. وفي البداية، ذكرت دوائر "داونينغ ستريت" أن رئيس الوزراء سينظر في مسألة إصدار أو عدم إصدار التقرير بعد الانتهاء من التحقيق الذي تجريه شرطة العاصمة، لكنها أكدت في وقت لاحق أن التقرير سينشر بالكامل.
"تحديث" التقرير المكون من 12 صفحة الذي وضعته الموظفة البارزة في الخدمة المدنية اليوم، لم يتضمن أياً من المعلومات عن الوقائع الشاملة التي جمعتها من مقابلات مع أكثر من 70 شخصاً، إضافة إلى تحليل رسائل البريد الإلكتروني و"واتساب"، ورسائل نصية، وصور فوتوغرافية، والاطلاع على سجلات مقر رئاسة الوزراء.
وفيما أفادت الشرطة أنها تلقت أكثر من 300 صورة ونحو 500 صفحة من المعلومات، إلا أن السيدة غراي أفادت بأنه يستحيل عليها إصدار تقرير "له مغزى"، في وقت تفرض فيه شرطة "سكوتلاند يارد" قيوداً على ما يمكنها قوله في شأن أخطر الجرائم المزعومة.
وبدلاً من ذلك، قدم تقريرها تقييماً قاسياً للثقافة داخل الإدارات الحكومية التي شهدت تجمعات للموظفين يطغى عليها تناول المشروبات الكحولية، في وقت واجه فيه الناس فرض غرامات عليهم إذا شاركوا في لقاءات خارج منازلهم.
وكذلك شمل تقييم غراي الحفلة التي باتت تعرف بـ"أحضر مشروبك معك" bring your own booze [وفق نص الدعوة إلى الحفلة الذي وجهه مارتن رينولدز، السكرتير الخاص لبوريس جونسون] في 20 مايو (أيار) 2020، حينما انضم السيد جونسون إلى نحو 40 موظفاً في مقر رئاسة الوزراء لتناول الكحول وأطعمة النزهات التي وضعت على طاولات في حديقة في "داونينغ ستريت"، إضافة إلى احتفالات عيد ميلاده مع كعكة في قاعة مجلس الوزراء، وحفلة مزعومة في شقة رئيس الوزراء مساء استقالة كبير مساعديه السابق دومينيك كامينغز في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
وقد امتنع جونسون في مجلس العموم عن سحب تصريحه السابق أمام البرلمان، بأن حدث 13 نوفمبر لم يحصل، وأكدت سكرتيرته الصحافية لاحقاً أنه "يتمسك" بتعليقه السابق.
واتصالاً بذلك، جاء في تقرير سو غراي، "يبدو أنه في بعض الأحيان، لم يجرِ التفكير كثيراً في ما كان يحدث في جميع أنحاء البلاد عند النظر في مدى تقدير بعض هذه التجمعات للمخاطر التي تشكلها على الصحة العامة، وكيف يمكن أن تبدو بالنسبة إلى الجمهور".
وكذلك سجل تقرير المسؤولة في الخدمة المدنية أنه "كانت هناك إخفاقات في القيادة والحكم من جانب أقسام مختلفة في مقر رئاسة الحكومة، ومكتب مجلس الوزراء في أوقات مختلفة". وختمت، "ما كان ينبغي السماح لعدد من هذه التجمعات بأن تحدث أو تتطور على النحو الذي حدثت فيه".
في سياق متصل، صدر عن زعيم حزب العمال السير كير ستارمر تعليق مفاده أن التقرير أظهر أن رئيس الوزراء جونسون أصبح في وضع "لا يليق بالمنصب"، داعياً إياه إلى التنحي.
واستشهد ستارمر بمقولة لرئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر تؤكد فيها أن مسؤولي الحكومة لا يمكنهم "التلاعب والالتفاف وتجنب" القوانين التي يضعونها، كي يدعو [ستارمر] أعضاء البرلمان من حزب المحافظين إلى التحرك، لأن عليهم "واجب" إزاحة جونسون من مقر رئاسة الوزراء.
وأضاف السير كير، "يمكنهم مواصلة التسبب بإهانة أنفسهم، وتقويض الثقة في السياسة، والتنكر لتضحيات الشعب البريطاني. ويمكنهم أن يرموا بسمعتهم وسمعة حزبهم وسمعة هذا البلد في نار قيادته. أو يمكنهم تخليص البلاد من رئيس وزراء لا يستحق على الإطلاق أن يتولى مسؤولياته".
وخلص زعيم حزب العمال إلى القول "إنهم وحدهم يستطيعون وضع حد لهذه المهزلة. إن عيون الجميع في البلاد شاخصة إليهم. وسيحكم عليهم وفقاً للقرارات التي يتخذونها الآن".
وفي إصرار من بوريس جونسون على الظهور بموقع من يمكنه الوثوق بحكومته، أعلن عن خطط ترمي إلى إعادة تشكيل مقر رئاسة الوزراء، كمكتب لرئيس الحكومة يقوده مسؤول دائم، وكذلك فرض قواعد سلوك تكون أكثر صرامة على موظفي الخدمة المدنية والمستشارين الخاصين.
وكذلك حاول جونسون إطلاق عملية الرد على المجابهة، عبر توجيه كلمة خلف أبواب مغلقة إلى برلمانيي حزب المحافظين، وصفها أحد النواب بأنها "ملتهبة وحماسية". وفي غضون ذلك، أعلن زعيم مجلس العموم جاكوب ريس موغ، أنه لم يسمع أي نداءات توجه إلى جونسون بوجوب التنحي، ونقل إلى الصحافيين أن رئيس الوزراء "تمكن من الاحتفاظ بدعم الحزب له إلى حد بعيد، طوال الوقت".
في المقابل، ساد مزاج ميزته الكآبة بين المسؤولين في مكتب مجلس الوزراء وفي مقر رئاسة الحكومة في "10 داونينغ ستريت". وأورد أحد العاملين هناك أنهم كانوا يتهيأون لأسبوع من "التغييرات والتضحية بموظفين".
وأكدت ثلاثة مصادر لـ"اندبندنت" أن التشذيب الذي طغى على تقرير سو غراي، أتاح لرئيس الوزراء البريطاني إلقاء اللوم على الموظفين والمسؤولين العاملين لديه.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن مكتب مجلس الوزراء لم يكشف بعد عن تفاصيل الإجراءات التأديبية الفردية التي ستتخذ في حق موظفي الحكومة. في المقابل، علمت "اندبندنت" أنه يمكن اتخاذ خطوات فورية لجهة توبيخ أو معاقبة العاملين الذين يثبت التقرير أنهم أخطأوا. وفي بعض الحالات، قد لا يكون ذلك ممكناً قبل أن تنتهي الشرطة من التحقيق المنفصل الذي تجريه بنفسها.
© The Independent