حدث ذلك سنة 1054، حينما أصابت الدهشة علماء فلك صينيين. في بقعة من السماء في وسعنا أن نراها الليلة، تموضع جرم دخيل فوق كوكبة "الجبار" Orion (عُرِفَتْ باسم الجوزاء سابقاً) مباشرة. بقي ذلك "النجم الضيف" الأخاذ الذي فاق كوكب "الزهرة" Venus في سطوعه، مرئياً خلال وضح النهار طوال 23 يوماً. وبعد مرور أكثر من سنة، تلاشى تماماً من سماء الليل.
اختفى النجم، لكنه بقي في البال. نجت الجثة الزومبي لهذا المستعر الأعظم إذ بقيت على شكل سحابة متشابكة من الغاز مترابطة مع بعضها بعضاً بفعل قوة مغناطيسية. وحاضراً، نسمي تلك السحابة "سديم السرطان" Crab Nebula. يلزمك جهاز تلسكوب كي تتمكن من رؤيته، ولكن لو أن عينيك قادرتان على استشعار موجات الراديو أو الأشعة السينية وليس الضوء، فسيكون "سديم السرطان" أحد أكثر الأجسام سطوعاً في السماء.
واستطراداً، تكشف أجهزة فلكية حديثة أن "سديم السرطان" بقايا نجم متفجر، لكنها تعجز عن أن تخبرنا كم عمره بدقة. بغية تحديد موعد ولادة "سديم السرطان"، علماً أنه قطعة بالغة الأهمية في أحجية الفيزياء الفلكية، علينا أن نلجأ إلى قدامى علماء الفلك الصينيين.
في الواقع، تشكل السجلات الشرقية باقة وافرة من المعلومات الفلكية. بالنسبة إلى الصينيين، شكّلت السماء مرآة كوكب الأرض، وفي هذا الشأن اقرأ "الإمبراطورية الصينية"، بمعنى أن أي حدث غريب يطرأ في السماء ينذر بتغيير في المقاطعات (دائماً ما يكون خبراً سيئاً بالنسبة إلى الإمبراطور!). لذا، في كل ليلة، سجل فريق من علماء الفلك الصينيين الحوادث السماوية غير المتوقعة كافة كالشهب، والشفق القطبي، و"نجوم المكنسة" (أي المذنبات)، والنجوم الضيوف التي تكون عبارة عن مستعرات أو مستعرات عظمى.
صحيح أن في متناولنا سجلات كاملة تعود إلى أكثر من ألفي عام مضت، ولكن تفسيرها يتطلب صنفاً استثنائياً من الباحثين. تلزمك مهارات تجمع بين اتقان اللغة الصينية الضاربة في القدم من جهة، والمعرفة العميقة بعلم الفلك من جهة أخرى.
قسّم الصينيون سماء ليلهم إلى 283 كوكبة نجمية أو برجاً فلكياً (وليس 88 نمطاً كبيراً من النجوم كما عندنا في الغرب). وثمة مجموعة صغيرة منها مألوفة بالنسبة إلينا، من بينها "الجبار" و"بنات نعش الكبرى" Plough. في المقابل، فيما نربط شكل الحرف "دبليو" W الذي ترسمه خمسة نجوم في النصف الشمالي من سماء الكرة الأرضية بالملكة الأسطورية "كاسيوبيا" Cassiopeia (ذات الكرسي)، إلا أن الصينيين قسموها إلى ثلاثة أبراج فلكية هي قائد عجلة مشهور، ودربان يعبران الجبال (مجرّة درب التبانة).
وإذ تفحصوا بعناية هذه البيانات، وجد علماء الفلك الحديثون سرداً عن ستة مستعرات عظمى في المحفوظات الصينية. يرجع تاريخ أقدمها إلى سنة 185 حينما رصدوا نجماً ضيفاً "بحجم نصف حصيرة من الخيزران، وقد تبدت فيه الألوان الخمسة، منها ما يبعث السرور في النفس أو خلاف ذلك على حد سواء".
تخبرنا وثيقة محفوظة أخرى أنه "في السنة السابعة من حكم الإمبراطور تشين شي هوانغ خلال حقبة "الممالك المتحاربة"، ظهر "نجم مكنسة" (نيزك) للمرة الأولى جهة الشرق، ثم في الشمال". إننا إزاء الرواية الأقدم من أي مكان في العالم لمذنب "هالي" Halley، عند ظهوره عام 240 قبل الميلاد.
من الصين أيضاً، نقرأ أقدم عملية رصد فلكية خضعت لتأريخ دقيق. ويرد في نصها، "لقد أكلت ثلاثة ألسنة لهب الشمس، وشوهدت نجوم كبيرة". جلي أن هذا الحدث كان كسوفاً كلياً للشمس، حينما تظهر الهالة التي تحيط بتلك النجمة [أي الشمس] كمجموعة من ألسنة لهب تلتهم قرص الشمس، وتبدو النجوم والكواكب الأكثر سطوعاً ظاهرة للعيان. يمكننا تأريخ هذه الوثيقة حتى 5 يونيو (حزيران) 1302 قبل الميلاد!
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما الجديد؟
يطل عملاق النظام الشمسي، كوكب المشتري Jupiter، كمنارة في سمائنا طوال أشهر عدة، لكنه الآن على ارتفاع منخفض باتجاه الجنوب الغربي من السماء، ويظهر حوالى الساعة السادسة والنصف مساءً مع مطلع فبراير (شباط). بحلول نهاية الشهر، يختفي المشتري في وهج الشفق.
إذا كنت تستيقط باكراً، ابحث عن الكواكب الأخرى بالعين المجردة في سماء الصباح. يقود الطريق كوكب "الزهرة" Venus الرائع، إذ يطل نحو الساعة الخامسة صباحاً. في أسفل "نجمة المساء" (الزهرة) يظهر أيضاً الكوكبان الخافتان المريخ Mars وعطارد Mercury، وفي نهاية الشهر يرافقهما زحل Saturn.
على المسرح المرصع بالنجوم، يفرض "الجبار" سلطانه في السماء، بمساعدة وتحريض من كلبي صيد يمتلكهما، كوكبة "الكلب الأكبر"Canis Major ونظيرتها "الكلب الأصغر"Canis Minor . من بين رفاقه "كاستور"Castor (رأس التوأم المقدم) و"بولوكس" Pollux (رأس التوأم المؤخر)، نجما الجوزاء التوأم، ونظام النجوم "العيوق" Capella مترأساً العجلة السماوية (واسمها Auriga أي ممسك الأعنة)، وبرج "توروس"Taurus الثور، الذي يضم النجم العملاق الأحمر" الدبران" Aldebaran.
تبدو "نجوم الشتاء" واضحة أكثر في هذا الوقت من السنة، بعدما اختفت تحت الأفق خلال أشهر الصيف. في الواقع، كل النجوم في الجزء الجنوبي من السماء تتغير مع تغير الفصول، نظراً إلى أن الأرض تدور حول الشمس.
وفي المقابل، لا يسعنا أن نغفل الأبراج الفلكية في شمال السماء، تلك النجوم القطبية الظاهرة طوال السنة. أكثرها شهرة سبعة نجوم تتكون منها المجموعة النجمية "بنات نعش الكبرى" Plough، التي تشكل جسد كوكبة "الدب الأكبر" Great Bear أوUrsa Major باللاتينية. اتبع النجمين الأخيرين لـ"بنات نعش الكبرى"، كي تصل إلى النجم القطبي، "بولاريس" Polaris، الذي يقع دائماً في اتجاه النصف الشمالي من الكرة الأرضية. ثم بين الاثنين، يتلوى "دراكو" Draco، "التنين" الذي يحرس المناطق القطبية. كذلك ليس في مقدورك تفويت "كاسيوبيا" بشكلها الأشبه بالحرف "دبليو" W، والتي رآها الإغريق القدماء ملكة تجلس على عرشها (حتى لو أن علماء الفلك الشرقيون خالفوهم الرأي!).
تواريخ فلكية مهمة في فبراير
3 فبراير: هلال القمر بمحاذاة كوكب المشتري.
8 فبراير، 1.50 مساءً: التربيع الأول من القمر (قطع ربع المسافة في مداره حول الأرض).
9 فبراير: القمر متوسطاً النجمين "الدبران" و"الثريا" (أو الشقيقات السبع).
13 فبراير: القمر قريب من "كاستور" (رأس التوأم المقدم) و"بولوكس" (رأس التوأم المؤخر)، نجما "الجوزاء" التوأم.
16 فبراير، 4.55 مساءً: اكتمال القمر قرب نجم "المليك" أو "قلب الأسد" Regulus ، عطارد في أقصى استطالة له إلى الغرب.
20 فبراير: القمر إلى جوار نجم "السماك الأعزل" أو "السنبلة" Spica.
23 فبراير، 10.32 مساءً: التربيع الأخير من القمر
يكشف كتاب Philip’s 2022 Stargazing (6.99 جنيه إسترليني) بقلم هيذر كوبر ونايجل هينبيست، النقاب عن كل الحوادث التي تشهدها السماء هذه السنة.
© The Independent