في حادثة غريبة، عثرت طواقم بلدية غزة على جثة الفتى أسامة السرسك داخل مكب النفايات الرئيس في القطاع، وبحسب التحقيقات الأولية، فإنه لقي حتفه أثناء عمله في البحث عن أدوات بلاستيكية وصلبة يمكن إعادة تدويرها بين أطنان من النفايات.
وتبيّن في التحقيقات أن دفنه تحت أكوام القمامة في مكب النفايات أدى إلى وفاته، إذ لم يتنبّه العاملون هناك إليه، وكان أسامة يعمل بنفس مهنة والده في البحث وسط النفايات عن أدوات يمكن بيعها أو إعادة تدويرها.
مكبات النفايات
أثارت حادثة وفاة أسامة، ضجة كبيرة في غزة حول ملف الباحثين في النفايات عن مصدر رزقهم، وسلّطت قصته الضوء على المخاطر التي يواجهها العاملون في جمع القمامة، بخاصة الأطفال.
وفي غزة، يطلق على العاملين في البحث بين النفايات وأكوام القمامة عن مواد صلبة، أو يمكن إعادة تدويرها مثل البلاستيك والمعادن، مصطلح النبّاشين، وبات العمل في هذه المهمة مهنة وظاهرة انتشرت في القطاع بكثرة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
وفي العادة، بعد تجميع النفايات من الشوارع بين منازل المواطنين، تُنقل إلى مكب النفايات الرئيس، حيث توجد آليات تعمل على طمرها فقط، وليست هناك آلية أخرى للتعامل مع القمامة المجمعة.
بعد وفاة أسامة، حمّل الشارع المسؤولية للبلدية، التي أوقفت العمل في مكب النفايات. ويقول مسؤول الإعلام فيها حسني مهنا إنهم بسبب دخول النباشين بأعداد كبيرة للمكب اضطروا إلى التوقف عن العمل فيه، موضحاً أن ظاهرة النباشين تُعدّ مشكلة كبيرة وأن البلدية تسعى مع جهات الاختصاص إلى إيجاد حل جذري لها.
لا أعداد رسمية
وفقاً للباحثين الاقتصاديين، فإن اللجوء إلى المهنة المذكورة جاء نتيجة طبيعية لارتفاع نسب الفقر التي تخطت حاجز 80 في المئة، والبطالة التي تلامس مؤشراتها معدل 75 في المئة، فضلاً عن وصول عدد الباحثين عن عمل إلى نصف مليون ما بين عامل فقد مهنته وخريج يحمل شهادة جامعية، بحسب إحصاءات وزارة العمل.
في الواقع، لا توجد أعداد رسمية لعدد النباشين في غزة، فهم يعملون بطريقة غير منظمة، ولا يتبعون لأي سجلات حكومية، ولكن وفق تقديرات الاقتصاديين، فإنهم يزيدون على أربعة آلاف فرد يعملون في جميع المكبات الموجودة في القطاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن في غزة هناك ثلاثة مكبات للنفايات، الأول يُسمّى بـ"مكب جحر الديك" وهو المكب الرئيس ويستقبل يومياً نحو 1200 طن من النفايات، والثاني "مكب المنطقة الوسطى" والثالث "مكب رفح". وبحسب بلديات القطاع، فإن أعداداً كبيرة من النباشين دخلوا مع بداية الشهر الحالي فبراير (شباط) إلى مكبات النفايات وعرقلوا العمل فيها، فاضطرت آليات البلدية العاملة في المكان إلى التوقف عن العمل، الأمر الذي يهدد بكارثة صحية وبيئية ويؤخر عملية ترحيل وجمع النفايات يومياً.
5 دولارات
من داخل "مكب جحر الديك" للنفايات، يقول خليل إن نظرة المجتمع إلى عمله وكذلك خجله يمنعانه من النبش في النفايات علناً، لذلك يخرج متخفياً بشكل يومي لجمع ما تطوله يداه من البلاستيك والألمنيوم، ويضيف في لهجته العامية "كل يوم نقعد ندور في زبايل العالم على رزقنا، يلي ما بيوصل 5 دولارات".
ويضيف خليل أن قلة العمل والحياة الصعبة في غزة أجبرتاه على هذا العمل، الذي يصفه "بالمقرف" لكنه مضطر إلى مزاولته، وإلا لن يجد أطفاله رغيف الخبز. وعلى الرغم من ذلك، نتعرّض للتنمر والزجر من المواطنين أثناء تنقلهم بين النفايات في الأحياء السكنية.
يدرك خليل المخاطر لعمله بين أكوام النفايات، ويشير إلى أنهم يتعرّضون للخطر يومياً، إذ لا ينتبه لهم العاملون التابعون للبلدية والذين يقودون جرافات كبيرة، وكذلك يجدون أثناء النبش آلات حادة قد تسبب لهم جروحاً في أيديهم.
يقول "نحن لا نملك وسائل حماية أثناء عملنا، مثل القفازات، وكيف يمكن أن نحصل على ذلك، ونحن نعمل في النفايات ومن دون أي اهتمام حكومي". في الواقع، يُعدُ النباشون خطراً وفي الوقت ذاته يتعرّضون للخطر، لذلك يرى المتخصصون أنه من الضروري توقفهم عن العمل حتى لو كان ذلك مصدر رزقهم.
في المقابل، يقول مسؤول الإعلام في بلدية غزة حسني مهنا إن ظاهرة النباشين مقلقة، وهي مشكلة متكررة خلال الأعوام الماضية، وعلى الرغم من ذلك تتعاطف الجهات الحكومية مع هذه الفئة وتقدّر أن جمع النفايات وبيعها مصدر دخلهم الوحيد في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، لكن هذا المكان خطير جداً بالنسبة إليهم، بخاصة أنه قريب من الشريط الأمني مع إسرائيل.
بحسب مهنا، فإن مشكلة النباشين تحتاج إلى تدخل جميع أطراف المجتمع ومكوناته في ظل وضع غزة الاستثنائي، لذلك وضعت البلدية تصوراً كاملاً لعملية فرز النفايات ودراسة إمكانية استيعاب هؤلاء النباشين من خلال جهات مانحة لدعم مشاريع إعادة تدوير النفايات لكن قبل وصولها إلى المكب.
وحتى تحقيق ذلك، يقول مهنا إنهم طالبوا من الجهات ذات العلاقة والرسمية بضرورة منع النباشين من دخول المكبات، لكن الاستجابة عادة ما تكون لحظية ومؤقتة، إذ بعد أن تمنعهم الجهات الأمنية، يعودون إلى المكان فوراً.