لم يتوقع رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي أن يواجه هذه التحديات كلها بعد تجميد مجلس النواب الذي كان يرأسه وإقالة الحكومة التي كان حزبه الداعم الأكبر لها، إثر قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، في 25 يوليو (تموز) 2021.
وزادت الأوضاع صعوبة بعد اتهامات خطيرة أعلنتها، الأربعاء التاسع من فبراير (شباط) الحالي، هيئة الدفاع عن ملف اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
اتهامات بالجملة
وشكلت الندوة الصحافية التي عقدتها هيئة الدفاع تحت عنوان "الجهاز السري المالي لراشد الغنوشي" مفاجأة، نظراً إلى ما تضمنته من اتهامات للغنوشي، تبدأ بتلقي أموال بعشرات ملايين الدولارات من الديوان الأميري القطري ولا تنتهي عند حدود التخابر مع جهات أجنبية.
وقدم المحامي رضا الرداوي، عضو هيئة الدفاع، عرضاً بالوثائق والمستندات، "كيف تتم عملية تحويل الأموال لحسابات ناجح الحاج لطيف مستشار الغنوشي وغير المعروف في الأوساط السياسية، معتبراً أنه "شكل الحلقة السرية في موضوع التحويلات البنكية".
ورطة الردود
وبعد ساعات قليلة من انتهاء "مفاجأة" هيئة الدفاع، عقدت "حركة النهضة" ندوة صحافية تحدث خلالها عضوا فريق محاميها سامي الطريقي وزينب البراهمي. ونفت الحركة "جملة وتفصيلاً" الاتهامات الموجهة إلى رئيسها. ودعت النيابة العامة إلى التحرك إزاء ما وصفته بـ"المغالطات والأكاذيب والادعاءات المغرضة"، ونفت وجود عضو في الحركة باسم ناجح الحاج لطيف.
ثم ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بنشر صور لتقارير إخبارية نشرت في صحف ومواقع قطرية تتحدث عن زيارة أداها الغنوشي إلى قطر ومعه مستشاره الخاص ناجح الحاج لطيف، مرفقة بصور للزيارة، بحسب ما جاء في الخبر المنشور قبل سنوات.
أثار التكذيب عاصفة من الانتقادات، وألقى مزيداً من التهم على رئيس الحركة بالتورط في ما ذكرته هيئة الدفاع عن ملف اغتيال بلعيد والبراهمي من اتهامات خطيرة.
وشبهت الإعلامية سمية الدريدي نفي محاميي "النهضة" أن يكون ناجح الحاج لطيف مستشاراً للغنوشي بأنه "أقرب إلى من حاول إنقاذ شخص فتسبب في غرقه". ووصفت الدريدي ردود فعل المحاميين بـ"الانفعالية المتشنجة التي تعكس أجواء توتر كبير تسود في أوساط النهضة، لأن الاتهامات الموجهة كبيرة وخطيرة جداً".
على أبواب التحقيق
وأعلنت "حركة النهضة" أنها ستلجأ إلى القضاء وتقدم شكوى ضد هيئة الدفاع التي وجهت لها اتهامات بارتكاب جرائم التجسس على قادة "النهضة" وعدم احترام سرية المعطيات والمراسلات الشخصية، بينما أعلنت هيئة الدفاع أنها تلقت دعوة من الحرس الوطني لتقديم ما لديها من معلومات ووثائق للبحث فيها.
وتلاحظ ريم الغيد سويد، المتخصصة في العلوم السياسية، أن "هناك انتقالاً مهماً في مستوى التعاطي مع قضايا الاغتيالات وتورط رئيس حركة النهضة في أنشطة خطيرة وتهدد الأمن الوطني، والوثائق التي قدمتها هيئة الدفاع كما ذكر أحد أعضائها المحامي عبد الناصر العويني جزء صغير من آلاف الحجج والأدلة، وهناك عناوين إلكترونية لا يرتقي إليها الشك ولا يمكن أن تكون مفبركة، وتحويلات مالية لم تتجرأ الحركة لا بالحديث عنها ولا تبريرها أو نفيها، بقطع النظر عن المناورة في ما يخص المعطيات الشخصية عندما خرجت الرسائل الإلكترونية إلى العلن من دون نفي محتواها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف سويد أن "القضاء التونسي يقف أمام موعد مهم مع التاريخ، فإما أن تأخذ العدالة مجراها بعيداً من التجاذبات الحزبية لتنصف الدم، وإما تغض النظر عما يبدو حقيقة صارخة، وستكون هذه نقطة سوداء في تاريخ القضاء التونسي تعمق أزمة الثقة بينه وبين طيف كبير من الشعب التونسي.
ويتوقع المحلل السياسي نبيل بلفقيه أن "حرباً مفتوحة ستعصف في بيت النهضة المهتز وبوضعية رئيسها الذي هدم بيده أسس قوته داخل الحركة، بسبب تمسكه بالبقاء زعيماً لها ورفض الانسحاب من المشهد أو في الشارع التونسي الذي يحمله كثيراً من مسؤولية الأزمات التي تعيشها تونس".
نقض الاتهامات
وتجندت قيادات في "حركة النهضة" للطعن في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الحركة، وإظهار عدم قانونيتها. ويقول بشر الشابي، عضو مجلس النواب المجمد، إن "هيئة الدفاع عن ملف اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي هيئة كذب وخداع، وما ورد في الندوة الصحافية لم يقدم أي جديد بخصوص الاغتيالات والحديث عن جهاز سري مالي مجرد أكاذيب".
ويؤكد الشابي أن "الهيئة لا تسعى لكشف حقيقة الاغتيالات وإظهار الحقيقة، ولا تعتبر من صالحها كشف الحقيقة، بل خدمة أجندات إقليمية والتهجم على دولة قطر".
اتهامات لشركة "أوريدو"
ووجهت هيئة الدفاع اتهامات إلى شركة الاتصالات القطرية "أوريدو" تونس ومديرها العام القطري منصور راشد الخاطر الذي ادعت أنه رتب أربعة لقاءات مع الغنوشي، وكلف فريقاً من متخصصي الشركة للتأكد من عدم وجود أجهزة تنصت في مكان اللقاء في أحد الفنادق الفاخرة في ضواحي تونس العاصمة.
واتهمت الهيئة الشركة بالتجسس على اتصالات التونسيين، وهذه الاتهامات دفعت بالشركة إلى إصدار بيان أكدت فيه أنها ستلجأ إلى القضاء أمام "اتهامات تمس سمعة المؤسسة وثقة المتعاملين معها".
ونفت الشركة التهم الموجهة إليها وإلى مديرها العام، مؤكدة أنها تعمل منذ عشرين عاماً في كنف احترام القانون وحماية المعطيات الشخصية وأنها شركة خاصة لا علاقة لها بالسياسة ولا ترتبط بأي حزب أو تشكيل سياسي تونسي أو أجنبي.