على الرغم من الانتقادات التي يتلقاها أحياناً بسبب هذا التصرف، يستمتع فلاديمير بوتين بالظهور عاري الصدر أمام عدسات المصورين الفوتوغرافيين في المناطق الوعرة أو الرومانسية الملائمة للصورة، إما داخل الغابات أو على ضفاف الأنهار، حيث يستعرض عضلات جذعه، رمز قوته الشخصية والوطنية. ويبدو أنه يجسد هذه الاستعارة عملياً عن طريق الدبلوماسية القاسية. وهو يسدد ضرباته إلى قادة الغرب الواحد تلو الآخر، فيوقعهم أرضاً ويصيبهم بكدمات.
وآخر الضحايا هو المستشار الألماني أولاف شولتز، وهو ليس من الرجال الذين يسعون لفتح معركة. كل من السيدين بوتين وشولتز يعلم بأن روسيا قادرة على خنق اقتصاد ألمانيا في غضون أسبوع واحد بسبب اعتمادها على خط أنابيب الغاز نورد ستريم. ومنذ أيام قليلة فقط، تحطمت أحلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن يعود إلى باريس بطلاً مظفراً، أثناء حديث متكلف على طرف طاولة طويلة بشكل مبالغ فيه. أما جو بايدن فقضى 62 دقيقة على الهاتف مع موسكو، لم يخرج منها بأي تنازل هو الآخر.
يبرع بوتين في ألاعيب القوة [التلاعب] مقابل نظرائه، ما يجعله أشبه بحكام القرون الوسطى: فهو يصل متأخراً، ويخرق قواعد البروتوكول، ويرغمهم على العودة إلى ديارهم بخفي حنين. وهذا أمر اكتشفته [اختبرته] أنغيلا ميركل منذ وقت طويل. فالمستشارة الألمانية السابقة التي يعرف عنها خوفها من الكلاب، وجدت نفسها في مرة من المرات أمام بعض كلاب الكرملين، في محاولة لإرهابها. وبوتين قادر الآن على استخدام ما يملكه من احتياطي الغاز الطبيعي لإخافة الزعيم الألماني الجديد الذي تنقصه الخبرة.
نجحت أساليب بوتين منذ فترة بعيدة في إرباك الغرب وجعل قادته يظهرون بمظهر الأغبياء. ولكن يبدو أن الغرب ما يزال غير قادر على قراءة الزعيم الروسي بشكل صحيح واستباق خطواته المقبلة. ومن المنصف القول إن معركة حماية أوكرانيا قد خسرت منذ ثمانية أعوام، حين عجز الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما (ونائبه بايدن) عن الحؤول دون ضم شبه جزيرة القرم. وإلى ذلك، من طريق هجماتهم السيبرانية على إستونيا والقوات التي تعزز نفوذ الأطراف الموالية في بيلاروس وكازاخستان، والتدخل في جورجيا وأذربيجان وأرمينيا وسوريا وأحداث مثل واقعة التسمم في سالزبوري، يختبر عملاء بوتين عزيمة الغرب منذ سنوات ويكتشفون وهنها.
مهما كان بوتين ماكراً وانتهازياً وبارعاً في فن الخداع، فقد سمح الغرب له بالتفوق عليه بسبب انقسامه الميؤوس منه. إذ يبدو أن الاتفاق على رسالة واحدة موحدة يوجهها زعيم واحد، والأفضل أن يكون السيد بايدن، عصي على القوى العظمى في حلف الناتو، أو حتى الاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ناور الرئيس الأميركي، فيما تدافع البريطانيون والفرنسيون والألمان لكي يكتشفوا أيهم قادر على "ترويض بوتين". تتحول الدبلوماسية إلى منافسة على موقع القائد الذي سيصبح الناطق باسم الغرب.
وقد تصرف السيد بوتين بدهاء فاستغل التوتر بين الغرب والصين لكي يضمن دعم بكين، الذي سينفعه من الناحيتين الدبلوماسية والاقتصادية عندما يحين وقت فرض العقوبات. بعبارات صريحة وغير منمقة، الغرب قادر على خوض حرب باردة إما مع الصين أو روسيا، ولكن خوض حرب باردة مع القوتين العظميين في الآن ذاته يفوق قدرته. والعزاء الوحيد هو أن دونالد ترمب ما عاد موجوداً [في السلطة] ويتحدث عن تفكيك الناتو.
أصبحت "رائحة ميونيخ" التي وصلت على ما يبدو إلى أنف وزير الدفاع بن والاس موضع الكثير من النقاشات والروايات. ولكن إحدى نقاط الاختلاف مع ذلك الوقت هو أن محاولة المهادنة [تفادي المواجهة] في عام 1938 كانت واعية [عن سابق تصور وتصميم] ومنظمة في الأقل. أما محاولات المهادنة في عام 2022 فلا ترقى إلى ذلك المستوى حتى. ويبدو أن قدر أوكرانيا، كما تشيكوسلوفاكيا بعد فشل المملكة المتحدة وفرنسا في إنقاذها، هو التعرض للتنمر والتقسيم والاحتلال وتقطع الأوصال، مما يجعلها شبه دولة تابعة لروسيا. كان بين والاس دبلوماسياً في كلامه وهذا لا يذكر بأجواء ميونيخ [مهادنة ألمانيا النازية عشية الحرب العالمية الثانية] فحسب بل يعبق بها ورائحته كريهة نفاذة [ووقعه كريه].
© The Independent