في آخر تطور مثير تشهده قضية الانتهاك الجنسي المتهم بها الأمير أندرو، تردد أن والدته المحرجة، الملكة إليزابيث الثانية، ستدفع جزءاً من كلف التسوية القضائية التي اتفق عليها المحامون، والتي قد تصل إلى 12 مليون جنيه استرليني.
تعد هذه الخطوة محاولة لطي ملف هذه الفضيحة قبل الاحتفالات المنتظرة بفارغ الصبر، التي ستقام في وقت لاحق هذا العام بمناسبة اليوبيل البلاتيني لجلوس الملكة على العرش، والتي سيحرم أندرو من حضورها بالتأكيد.
يأتي ذلك بعد أسابيع فقط من تعهد أندرو بالطعن في مزاعم فرجينيا روبرتس جوفري في محاكمة علنية بأنه اغتصبها.
كيف بدأت فضيحة الأمير أندرو؟
أثيرت تساؤلات عدة حول الأمير بسبب صداقته لرجل الأعمال والملياردير الراحل سيء السمعة جيفري إبستين، وبدأت أصابع الاتهام توجه إلى نجل الملكة الأصغر عندما تسربت صور تجمعه بإبستين عندما كانت الفضيحة التي يواجهها الأخير في ذروتها، إلى جانب صور تظهر الأمير وهو يلف يده حول خصر سيدة تدعى فرجينيا جوفري. لكن في أغسطس (آب) الفائت رفعت جوفري دعوى مدنية في محاكم نيويورك تتهمه فيها بـ "الاعتداء عليها جنسياً" ثلاث مرات عام 2001 حين كانت في سن الـ 17.
زعمت جوفري أنها أجبرت على ممارسة الجنس مع الدوق بأمر من الراحل جيفري إبستين الذي حوكم بتهم ممارسة الجنس مع قاصرات.
ووفقاً للدعوى فإن الأمير انتهك جوفري التي كانت تدعى فرجينيا روبرتس آنذاك، في منزل شريكة إبستين، غيلاين ماكسويل في لندن، وفي منزلي إبستين في مانهاتن وليتل سانت جيمس في فيرجن آيلاند الأمريكية.
وتستند فرجينيا في دعواها إلى "قانون الضحايا الأطفال" الذي يمنح الأطفال حق رفع قضايا ضد منتهكيهم المفترضين.
وتدعي فرجينيا أن الأمير مارس معها الجنس من دون رغبتها وهو على دراية بسنها، وأنها كانت "ضحية اتجار جنسي".
ونفى أندرو مراراً مزاعمها بالاعتداء الجنسي، لكن جهود محاميه لرد الدعوى في مرحلة مبكرة باءت بالفشل، مستشهدين باتفاق وقعته المدعية عام 2009 مع إبستين، إذ رفض القاضي لويس كابلان بنيويورك في يناير (كانون الثاني) الماضي طلب إلغاء القضية، وقال حينها إن الطلب"مرفوض من النواحي كافة".
يذكر أن أندرو لا يواجه أي ملاحقات جنائية في هذه القضية، لكن الأمير البالغ من العمر 61 عاماً يواجه مشكلات قضائية منذ سنوات بسبب صلاته بإبستين الذي انتحر في السجن سنة 2019، وشريكته السابقة غيلاين ماكسويل.
وقرر الدوق في العام نفسه مواجهة الأمر مرة واحدة وإلى الأبد في مقابلة أجراها ضمن برنامج "نيوزنايت" على تلفزيون "بي بي سي"، إذ نفى خلال المقابلة إقامة علاقات جنسية مع فرجينيا جيوفري، وقال إنه لا يتذكر لقاءها، وزعم أنه كان في أحد مطاعم سلسلة "بيتزا إكسبرس" في منطقة ووكينغ بلندن في إحدى الليالي التي ادعت جيوفري أنه ضاجعها، وشكك في صحة الصورة الشهيرة التي تجمعه بها، ولم يبد ندماً على صداقته مع إبستين إذ قال، "الأشخاص الذين قابلتهم والفرص التي أتيحت لي للتعلم كانت في الواقع مفيدة للغاية".
وعلى الرغم من رضا الدوق عن المقابلة إلا أن رد الفعل عليها كان فورياً، إذ أعلن قصر باكنغهام بعد أيام أن أندرو سيستقيل من جميع مهماته الملكية، وسيتوقف عن كونه عضواً فاعلاً في العائلة المالكة.
لكن جوفري لم تحصل إلا الشهر الماضي على الضوء الأخضر لمقاضاة أندرو في محكمة مدنية بنيويورك للحصول على تعويضات مالية غير محددة عن الأذية التي تتضمن الاغتصاب والضائقة العاطفية.
استسلام مفاجئ
على الرغم من تعهد الأمير بالوقوف في وجه المزاعم وإصراره المتكرر على براءته، وافق أندرو أمس على دفع مبلغ ضخم لتسوية القضية قبل وصولها إلى هيئة المحلفين. وقال فريق جوفري القانوني إنه لم يكن يتوقع استسلام أندرو المفاجئ، إذ أخذت الأمور منعطفاً دراماتيكياً خلال الأيام الأخيرة، على الرغم من أن المفاوضات كانت تجرى سراً منذ الشهر الماضي، بحسب تأكيدات صحيفة "ميل أونلاين".
ويأتي هذا التطور في وقت تشير تقارير أوردتها صحيفة "ذا تيليغراف" إلى أن الملكة نفسها ستؤمن المال اللازم للتسوية.
وتشير الصحيفة إلى أن المبلغ الإجمالي الذي ستحصل عليه الضحية وجمعيتها الخيرية سيتجاوز في الواقع 12 مليون جنيه استرليني، إذ ستدفع الملكة الأموال من ممتلكاتها الخاصة في دوقية لانكستر، والتي زادت قيمتها أخيراً بمقدار 1.5 مليون جنيه إسترليني، لتصل إلى أكثر من 23 مليون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تفاصيل التسوية
على الرغم من أن هذا الاتفاق لم يتضمن اعترافاً رسمياً بمسؤولية آندرو ولا اعتذاراً، إلا أنه ذكر أن الأمير يعترف بأن جوفري كانت "ضحية لسوء المعاملة"، وأنه يأسف لارتباطه بإبستين الذي قام بالاتجار بعدد لا يحصى من الفتيات الصغيرات.
وقالت أيضاً إن الأمير قبل أن السيدة البالغة من العمر 38 عاماً تعرضت "لهجمات غير عادلة في العلن"، وأنه لم يقصد أبداً "الإساءة إلى شخصها".
وهذه إشارة إلى سلسلة من الاتهامات العدوانية التي وجهها الفريق القانوني للأمير إلى جوفري، والتي تضمنت الإشارة إلى قصة وصفت الآنسة روبرتس بأنها "بائعة جنس لعوبة متعطشة للمال".
بشكل ملحوظ لم يتضمن الاتفاق أي إعادة صياغة لنفي أندرو السابق لممارسة الجنس مع الآنسة روبرتس، وتعني التسوية أنه لن تتاح الفرصة للأمير لدحض الادعاءات في المحكمة.
ومن المفهوم أن أندرو سيدفع الآن مبلغاً مالياً كبيراً لجوفري، وأنه وافق أيضاً على تقديم "تبرع كبير" لجمعيتها الخيرية المعنية بدعم حقوق الضحايا.
ويأتي ذلك بعد حوالي شهر من تصريح حصري لمصلحة "ميل أونلاين" من ضحية أخرى من ضحايا إبستين، قالت فيه إن جوفري اعترفت لها بأنها مارست الجنس مع الأمير في لندن عام 2001.
والليلة الماضية قال ديفيد بويز محامي جوفري "إنه يوم رائع حقاً. شعرت فرجينيا بسعادة غامرة عندما أخبرناها بشروط التسوية. لقد حدث كل هذا خلال اليومين الماضيين، لقد حدث بسرعة كبيرة. لست متأكداً ما الذي تغير من جانب الأمير. برأيي كان يجب تسوية الأمر عندما رفعنا الدعوى، وببساطة هذه هي نهاية القضية. ستحصل جوفري على المال في غضون 30 يوماً. لا يمكنني التعليق على المبلغ أو الشروط، لكنه كان يوماً جيداً".
يذكر أن المحامي بويز وافق على تولي القضية مجاناً، لكن ليس من الواضح ما إذا كان سيسعى إلى الحصول على تعويض عن بعض الكلف القانونية من الدوق.
وقال مصدر مطلع على القضية "لقد ابتعد أندرو الآن كثيراً وبسرعة كبيرة عن موقفه السابق بالرفض والإنكار والنفي. كانت هناك أمور كثيرة تلوح في الأفق أمامه، وبدأت الأمور تتكشف وكان أندرو يعلم ما هي القضية المرفوعة ضده. إنه مبلغ محترم، مبلغ كبير جداً جداً من المال مقسم إلى قسمين، التسوية نفسها والتبرعات".
كلفة باهظة
مع أن شروط الصفقة ما زالت سرية للغاية، إلا أن المصادر أشارت إلى أن التسوية نفسها قد تكلف أندرو ما يصل إلى 7.5 مليون جنيه استرليني (10 ملايين دولار)، بينما تشكل الرسوم القانونية المحتلمة لقضية الأمير العبء الأكبر بمبلغ قد يصل إلى 10 ملايين جنيه استرليني.
وأشارت ريتشل فيسيه، شريكة رئيسة في شركة محاماة متخصصة في الدفاع عن ضحايا الجرائم غيرالعنيفة المرتكبة من قبل رجال الأعمال وأصحاب النفوذ، إلى أن الرقم الإجمالي قد يكون أعلى بكثير مما هو متوقع.
وقالت إن "التسوية التي ستغطي الرسوم القانونية لأندرو لرفع هذه القضية في المحكمة ستصل وحدها إلى الملايين، عندما تضاف الكلف القضائية لكلا الجانبين إلى خطر ظهور حقائق محرجة لأندرو، وخسارة محتملة أمام هيئة المحلفين لقضية تتعلق بالاعتداء الجنسي على قاصر من قبل أمير، فمن المحتمل أن يكون مبلغ التسوية مرتفعاً جداً. أخمن أن المبلغ سيتراوح بين 20 و30 مليون دولار".
ردود الفعل الملكية
كان الأمير يواجه ضغوطاً من كبار أفراد العائلة المالكة لحل الدعوى قبل احتفالات اليوبيل البلاتيني للملكة التي ستجرى في يونيو (حزيران) المقبل، وبينما قالت مصادر ملكية رفيعة الليلة الماضية إن قصر باكنغهام يتنفس الصعداء لأن القضية لن تحال إلى المحاكمة، لكن المصادر قالت إنه من المستحيل أن يعود الدوق ملطخ السمعة إلى الحياة العامة.
وقال أحد المصادر لصحيفة "ميل أونلاين" إنه "بغض النظر عن نتيجة التسوية فقد استبعد الأمير نفسه من أي دور عام بسبب افتقاره المروع للمحاكمة المنطقية، وسوء اختياره للأصدقاء والمقربين. كان الأمير مذنباً بسوء التقدير بشكل لا مبرر له في كل من علاقته بإبستين، والطريقة التي تعامل بها مع الادعاءات ضده وظهرت للمرة الأولى منذ أكثر من سبع سنوات. هناك ارتياح كبير في الأسرة المالكة. لقد كان الوقت عصيباً للغاية بالنسبة إلى جميع المعنيين لأسباب ليس أقلها القضايا المناقشة، وأن المزاعم مقدمة من قبل ضحية معترف بها لجيفري إبستين. هناك شعور بأن تعامل أندرو ومستشاريه مع القضية كان سيئاً وسيئاً للغاية منذ البداية. بدا الأمر كما لو أنهم يعتقدون أن بإمكانهم إغلاق عيونهم وصم آذانهم وستختفي كل الاتهامات".
وقال مصدر آخر إنه يعتقد أن التسوية ستمهد الطريق لأندرو لحضور حفل تأبين والده الراحل الذي سيقام في نهاية مارس (آذار) بصفته عضواً في العائلة المالكة ضمن ظروف خاصة، لكن كان من غير المحتمل أن يكون قادراً على حضور أي من احتفالات اليوبيل البلاتيني لوالدته.
يذكر أن الأمير تشارلز تحدث إلى شقيقه في مناسبات عدة، وكان حريصاً على تجنب الرعب الذي ستجلبه المحاكمة العلنية، لكن مصادر قالت إن وريث العرش الذي أدرك أن الإجراءات القانونية لا بد من أن تأخذ مسارها الطبيعي يتجنب "التفويض" في القضايا عندما يتعلق الأمر بأسرته.
كما قال مصدر ملكي مطلع إنه "لم يكن هناك كثير من التعاطف مع أندرو". وكانت الملكة قررت الشهر الماضي تجريد ابنها من ألقابه العسكرية الباقية ومتحكمياته وإجباره على التوقف عن استخدام لقب صاحب السمو الملكي بأي صفة رسمية.
وفي الليلة الماضية دعا نائب برلماني عن مدينة يورك الدوق إلى سحب لقبه ليظهر "الاحترام" للأشخاص الذين يعيشون هناك. وقالت ريتشل مسكل من حزب العمال إن الأمير تسبب في "أذى وإحراج عميقين" لسكان المدينة.