فيما تتزايد المخاوف الغربية من تحركات روسيا على الحدود مع أوكرانيا، وما قد يؤول إليه الغزو الروسي من تداعيات تلقي بظلالها على أسواق الطاقة العالمية، جددت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أخيراً، مساعيها لإقناع السعودية، أكبر مصدر للنفط، برفع مستويات الإنتاج لتفادي مزيد من الارتفاع في أسعار الطاقة.
إلا أن المحاولات الأميركية التي انقدحت شرارتها العام الماضي، بعد ارتفاع كبير في أسعار الطاقة، باءت على ما يبدو بالفشل مجدداً، في الوقت الذي تواصل فيه السعودية تمسكها باتفاق "أوبك+" الذي حدد إنتاج النفط عند مستوى معين بالتوافق مع أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها.
موقف ثابت
وتمثلت آخر المحاولات في المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأميركي جو بايدن، بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الأسبوع الماضي، والتي لم تقتصر على تأكيد دعم واشنطن ووقوفها إلى جانب السعودية في وجه الهجمات الحوثية، وإنما تضمنت تأكيداً أميركياً– سعودياً على ضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية.
وفيما جاء بيان البيت الأبيض عاماً في ما يتعلق بالطاقة، ذكر البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، أن الملك سلمان أكد "أهمية الحفاظ على توازن أسواق البترول واستقرارها"، ونوه بدور اتفاق "أوبك+" الذي وصفه بـ"التاريخي"، وجدد ضرورة المحافظة عليه.
وبحسب خبراء، فإن إشارة البيان السعودي إلى اتفاق "أوبك+" يدل على أن الرياض رفضت مجدداً ضخ كميات أكبر من النفط، لتجنب خرق الاتفاق الذي توصل إليه المنتجون الرئيسون العام الماضي، بعد تجاذبات علنية نادرة.
وأشارت الباحثة في المجلس الأطلسي إيلين والد، في حديث إلى موقع "إنترسبت"، إلى أن "البيت الأبيض ضغط على أوبك، وأوبك+ والسعودية لزيادة إنتاج النفط".
لكن رد السعودية، بحسب الباحثة، تضمن تأكيداً على أنها "تعمل في حدود التزاماتها تجاه أوبك+"، لافتة إلى عدم وجود مؤشرات على أن الرياض تريد إعادة التفاوض لرفع مستوى الإنتاج.
وعلق متحدث باسم الإدارة الأميركية قائلاً، إن "السعودية لعبت على مر التاريخ دوراً حيوياً في ضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية بما يدعم الاقتصادات القوية والمرنة". ولفت إلى أن الرئيس بايدن شدد على أهمية هذا الدور "بخاصة في حال عدم الاستقرار الجيوسياسي والتعافي العالمي".
النفط مقصلة الساسة
ومن المرجح أن تلقي أسعار الطاقة المرتفعة بظلالها على سلوك الناخبين الأميركيين في الانتخابات النصفية، المقرر إجراؤها في 22 نوفمبر (تشرين الثاني)، وستكون خسارة الديمقراطيين لبعض المقاعد ضربة لبايدن الطامح إلى تمرير أجندته التشريعية وتحقيق أولويات سياسته الخارجية.
والمثال الأكثر شهرة لتأثير أسعار الطاقة في نتائج الانتخابات هو فشل الرئيس جيمي كارتر في الفوز بولاية رئاسية ثانية، بعد ارتفاع أسعار النفط وتباطؤ الإنتاج عام 1979 في أعقاب الثورة الإيرانية. ووصف كارتر انهيار الإنتاج حينها بأنه "المعادل الأخلاقي للحرب"، مما يدل على إدراكه تأثير ارتفاع الأسعار في حظوظه الانتخابية.
رفض سعودي
وفي سياق متصل، ذكرت شبكة "سي أن أن"، الأربعاء 16 فبراير (شباط)، أن "منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط بريت ماكغورك ومبعوث وزارة الخارجية للطاقة عاموس هوكستين زارا الرياض، الأربعاء، في محاولة لتعزيز العلاقة مع السعودية، ومناقشة سبل ضمان استقرار أسواق الطاقة مع المسؤولين السعوديين وسط ارتفاع الأسعار، ومخاوف من غزو روسي لأوكرانيا".
وكشف مسؤول أميركي كبير للشبكة الأميركية عن أن "السعوديين يقاومون أي تغييرات في الإنتاج بسبب التزاماتهم تجاه أوبك+، وهو تحالف من الدول المنتجة للنفط يضم روسيا".
وتأتي رحلة المسؤولين الأميركيين إلى السعودية في أعقاب اتصال هاتفي بين بايدن والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الأسبوع الماضي، ناقشا خلاله "ضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية"، بحسب بيان للبيت الأبيض.
تداعيات ستصل لأميركا
وحذر الرئيس بايدن الأميركيين، الثلاثاء الماضي، من أن غزو روسيا أوكرانيا من شأنه أن يرفع أسعار البنزين في الولايات المتحدة. لكنه أكد أن إدارته تبذل جهوداً للتخفيف من وطأة اضطراب الأسواق العالمية للطاقة في حال اندلاع نزاع.
وقال بايدن، في كلمة مقتضبة ألقاها في البيت الأبيض، "إذا ما قررت روسيا غزو أوكرانيا، ستكون لهذا الأمر تداعيات هنا".
وتابع، "لن أدعي أن الأمر لن يكون مؤلماً. ستكون لذلك تداعيات على أسعار الطاقة"، في حين أدت بالفعل المخاوف من اندلاع حرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار النفط التي تسجل حالياً أعلى مستوى لها منذ سبعة أعوام.
وأضاف "ننسق مع كبار مستهلكي ومنتجي النفط". وتابع "سأتعاون مع الكونغرس للمساعدة في حماية المستهلكين والاستجابة إلى ارتفاع الأسعار" في محطات التوزيع.
وقال الرئيس الأميركي، إن بداية انسحاب للقوات الروسية من الحدود الأوكرانية، كما أعلنت موسكو، "سيكون أمراً إيجابياً"، لكنه استدرك "لم نتحقق حتى الآن" من تنفيذ ذلك، مؤكداً أن هذه القوات التي يقدر عديدها "بأكثر من 150 ألف جندي" ولا تزال "في وضع يشكل تهديداً".
من جانبها، أقرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية، بأن فرض عقوبات ضد روسيا في حال غزوها أوكرانيا سيكون له "تداعيات عالمية".
تحركات روسية
وكان مسؤول كبير في البيت الأبيض قال، إن روسيا "عززت" وجودها على الحدود مع أوكرانيا بما لا يقل عن "سبعة آلاف عسكري" وصل بعضهم، الأربعاء، واصفاً إعلان موسكو سحب قسم من قواتها بأنه "كاذب". وأكد أن في إمكان روسيا "في أي لحظة" اختلاق ذريعة لغزو أوكرانيا، مضيفاً، "تقول روسيا إنها تريد إيجاد حل دبلوماسي لكن أفعالها تشير إلى عكس ذلك".
وتابع المسؤول الأميركي، "الحكومة الروسية قالت (أمس) إنها تسحب قوات من على الحدود مع أوكرانيا. اجتذبوا كثيراً من الاهتمام بسبب هذا الزعم، سواء هنا أو حول العالم. لكننا نعلم الآن أنه زائف".
وفي جديد التحركات، أوضح المسؤول نفسه أن نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس ستلتقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، السبت. وأضاف، "ستكون فرصة حقيقية لتأكيد التزامنا بسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها".
مساع دبلوماسية
وسط هذه الأجواء، المساعي الدبلوماسية لحل الروسية- الأوكرانية متواصلة مع تأكيد الأطراف كافة أنه ما زالت هناك فرص لنجاحها، في وقت يطالب الغرب موسكو بدلائل تؤكد سحب قواتها جزئياً من الحدود الأوكرانية، في ما يشكل خطوة مهمة لخفض التصعيد.
وأعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن الحلف يعتزم تعزيز جناحه الشرقي، محذراً من أن التهديد الروسي بات "الوضع الطبيعي الجديد في أوروبا".
وقال ستولتنبرغ، بعدما التقى وزراء دفاع الدول الأعضاء، إن "الوزراء قرروا اليوم تطوير خيارات لتعزيز قدرات حلف شمال الأطلسي للدفاع والردع بما يشمل التفكير في تأسيس مجموعات قتالية جديدة تابعة للناتو في وسط أوروبا وجنوب شرقها"، مؤكداً أن تعزيز القدرات الدفاعية للحلف ليس تهديداً لروسيا.