يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ترك دفة قيادة معركة التضخم وأسعار الفائدة مجبراً. فبعد ثبوت فشل سياسة الإقالات التي اتبعها الرئيس التركي لخفض أسعار الفائدة، عادت دفة قيادة المعركة إلى البنك المركزي التركي.
وفي بيان حديث، أبقى البنك المركزي التركي سعر الفائدة من دون تغيير عند مستوى 14 في المئة للشهر الثاني على التوالي، مثلما كان متوقعاً، على الرغم من ارتفاع التضخم إلى قرابة 50 في المئة بعد خفض أسعار الفائدة مراراً خلال العام الماضي نتجت عنه أزمة عملة. وكان البنك المركزي التركي قد بدأ في سبتمبر (أيلول) الماضي، خفض سعر الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس بضغوط من الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تعطي خطته الاقتصادية الجديدة أولوية للائتمان والإنتاج والصادرات والتوظيف، بصرف النظر عن مستويات التضخم المرتفعة.
وقال البنك المركزي التركي، إنه أجرى مراجعته الشاملة لإطار عمل السياسة النقدية بهدف تشجيع "استخدام الليرة على نحو دائم" في كافة أدوات السياسة النقدية. يأتي ذلك في الوقت الذي لامس التضخم مستويات قياسية تقترب من 50 في المئة وفق بيانات البنك المركزي التركي.
وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها البنك المركزي التركي تثبيت أسعار الفائدة منذ بداية خفضها في سبتمبر الماضي، حيث يرى الرئيس التركي أن "الفائدة شر لا بد من التخلص منه". وفي سبيل تحقيق ذلك، وبسبب عدم قدرة قيادات البنك المركزي على خفض أسعار الفائدة في ظل مؤشرات تؤكد ارتفاع معدلات التضخم، فقد لجأ الرئيس التركي إلى سياسة الإقالات، لكن المعطيات القائمة وخصوصاً ما يتعلق باستمرار ارتفاع التضخم، أكدت فشل هذه النظرية.
أردوغان يعاود الحديث عن التضخم والأسعار
في تصريحات حديثة، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه "قد حان الوقت لخفض التضخم ليعود إلى خانة الآحاد مجدداً". وقال خلال مشاركته في إحدى الفعاليات الخاصة بتعيين عدد من ذوي الهمم بالمؤسسات الحكومية، إن "الجدل حول أسعار الفائدة تراجع بشكل كبير، وسعر الصرف استقر، ومن ثم فإنه حان الوقت لخفض التضخم إلى خانة الآحاد مجدداً".
وأضاف: "سنحطم أصفاد الفائدة وسعر الصرف والتضخم مثلما تخلصنا من القيود الأخرى التي كبلت بلادنا". ولفت إلى أن الهدف الأول لبرنامج حكومته الاقتصادي يتمثل في القضاء على البطالة وتعزيز التوظيف. وأكد أن تركيا تعيش اقتصادياً أقوى فترات تاريخها، وأن الآثار الإيجابية للمشهد بكامله ستتجلى خلال أشهر الصيف المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد الرئيس التركي على أن بلاده بصدد "الاستعداد لخطوة تاريخية جديدة. في حين أن موازين العالم مضطربة بسبب الأزمة الصحية العالمية والصدمات الاقتصادية التي أحدثتها". وأكد أن هدف بلاده يتمثل في ضمان استثمار إمكانات ذوي الاحتياجات الخاصة إلى أعلى مستوى، وذلك من خلال وثيقة خاصة بهم في رؤية عام 2030.
وذكر أن إجمالي من تم توظيفهم خلال الأعوام الـ19 الأخيرة من ذوي الاحتياجات الخاصة بلغ نحو 192 ألف شخص. وبشكل عام قال أردوغان، إنه "خلال فترة الوباء قدمنا 3 ملايين وظيفة إضافية، لقد قمنا بزيادة إجمالي العمالة إلى أكثر من 30 مليوناً للمرة الأولى في تاريخنا". وتابع قائلاً: "تسير الأمور على ما يرام بالفعل على صعيد الصناعة والإنتاج والخدمات اللوجيستية... سوف يستمر معدل التوظيف في الزيادة بسرعة مع زيادة موسم السياحة والأعمال في الربيع. لا تنظر لمن يحاول غرس التشاؤم من خلال الكتابة المستمرة لسيناريوهات الكوارث".
كما أوضح أن "تركيا بصدد دخول أقوى فترة اقتصادية في تاريخها... ومع أشهر الصيف سنبدأ في رؤية المردود الإيجابي لهذا المشهد. لا تدع أحداً يجعلكم تشككون في ذلك".
انهيار الليرة والاحتياطي وصعود التضخم
البيانات التي أعدتها "اندبندنت عربية"، تشير إلى 3 أرقام مهمة تكشف حقيقة ما يدعيه الرئيس التركي بشأن نمو الاقتصاد وتحقيق أرقام جيدة. الرقم الأول يتعلق بالعملة المحلية التي شهدت انهياراً كبيراً منذ عام 2018 وحتى الآن. فقد فقدت الليرة التركية أكثر من 60 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك بعدما قفز سعر صرف الورقة الأميركية من مستوى 5.4 ليرة في بداية 2018 إلى نحو 13.61 ليرة في الوقت الحالي، ما يعني أن مكاسب الدولار تجاوزت نحو 8.21 ليرة خلال السنوات الثلاث الماضية.
الرقم الثاني يتعلق باحتياطي النقد، وفي وقت أشار البنك المركزي التركي في وقت سابق من شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إلى أن احتياطيات النقد الأجنبي هوت إلى مستوى 8.6 مليار دولار، فإن الرئيس التركي عاد مجدداً ليؤكد أن الاحتياطات في حدود الـ15 مليار دولار.
وبصرف النظر عن صحة الأرقام سواء التي أعلنها البنك المركزي التركي أو الرئيس أردوغان، تشير البيانات إلى تهاوي احتياطي تركيا من النقد الأجنبي بنسبة 92.5 في المئة منذ عام 2018 وحتى الآن. إذ تراجع من مستوى 115 مليار دولار في بداية 2018 إلى نحو 8.6 مليار دولار في الوقت الحالي، ما يعني خسارته لنحو 106.4 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية.
أما الرقم الثالث، فيتعلق بمعدل التضخم. وتشير البيانات إلى أن الأزمات التي صاحبت انهيار العملة واستمرار تدخل أردوغان في السياسات المالية والنقدية للبلاد، تسببت في أن تشهد تركيا موجة غير مسبوقة من ارتفاعات الأسعار، ما أدى إلى قفز معدل التضخم من مستوى 3 في المئة خلال عام 2018 إلى نحو 48.7 في المئة في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، ما يعني أن معدل التضخم تضاعف بأكثر من 16 مرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وخلال ديسمبر الماضي، كان التضخم في أسعار المستهلكين قد سجل ارتفاعاً إلى مستوى 36.08 في المئة على أساس سنوي، لكن بسبب استمرار حرص الرئيس التركي على خفض أسعار الفائدة وترك المستهلكين فريسة في يد السوق، فقد واصل ارتفاعه ليقترب من مستوى 50 في الوقت الحالي.