بعد أن عانى المغرب خلال السنوات الأخيرة ولمدة طويلة خلال العام الحالي تراجع سقوط الأمطار، يخيم على المملكة شبح الجفاف، حيث بلغ المعدل الوطني للتساقطات إلى الآن 75 ملم، بالتالي وصلت نسبة العجز إلى 64 في المئة مقارنة بموسم الأمطار العادي، وبذلك حذر مواطنون ومتخصصون من خطورة الوضع، داعين الحكومة إلى التدخل العاجل لتخفيف تداعيات تلك الأزمة على المحاصيل، ولتجنب موجة عطش في بعض المدن. من جانبه، وضع المغرب استراتيجية استثنائية بقيمة 10 ملايين درهم بهدف دعم الزراعة.
الأسباب
وأرجع متخصصون تراجع هطول الأمطار بالمغرب إلى ظاهرة التغير المناخي، مشددين على خطورة الوضع الحالي، باعتبار أن البلد كان يشهد خلال السنوات الأخيرة أمطاراً قليلة، لكن خلال العام الحالي يحل موسم من الجفاف.
أشار الخبير في مجال المناخ، علي شرود، إلى "أن غياب الأمطار خلال العام الحالي يؤشر إلى وجود تغير في مناخ البلاد"، موضحاً أن "تلك الحالة لم يشهدها المغرب منذ 20 عاماً، وأن نسب ملء السدود الضعيفة لم تعرفها المملكة منذ 30 عاماً"، مضيفاً أن "تغيير الطقس تنج عنه تلك الأمطار القليلة بالمناطق الجنوبية (ذات المناخ الصحراوي)على غير العادة، إضافة إلى الارتفاع الكبير في درجات الحرارة".
من جانبه قال، رشيد بنعلي، رئيس الكونفيدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، إن "المملكة بعد أن كانت تشهد الجفاف كل سبع إلى 10 سنوات خلال التسعينيات، أصبحت تعرف الجفاف كل سنتين إلى ثلاث سنوات، بسبب التغيرات المناخية".
تحرك برلماني
توجهت فرق ومجموعة المعارضة بمجلس النواب بطلب إلى رئيس لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، من أجل عقد اجتماع عاجل للجنة، بحضور وزير الداخلية لمناقشة "أثر الجفاف وانعكاساته على ساكنة المناطق القروية والجبلية وبلورة مخطط استعجالي للتخفيف من تداعياته الاقتصادية والاجتماعية"، "من أجل رصد مختلف الإشكالات والانشغالات ذات الصلة بالوضعية المتأزمة التي تعرفها عدة مناطق من المملكة، وضمنها المناطق القروية والجبلية، حيث تنصب الأسئلة الكبرى في هذا النطاق على أزمات المزارعين ومربي الماشية، لا سيما في ظل غلاء الأعلاف المركبة وقلة الموزعة، وأيضاً إشكالية ندرة المياه، سواء الخاصة بالشرب أو الري أو توريد الماشية، إضافة إلى الإشكاليات الاجتماعية المترتبة عن هذه الظروف".
برنامج عاجل
ومن أجل العمل على التخفيف من تداعيات الجفاف، استقبل العاهل المغربي محمد السادس، كلاً من رئيس الحكومة، ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه، مشدداً على "ضرورة اتخاذ الحكومة لجميع التدابير الاستعجالية الضرورية، لمواجهة آثار نقص التطول الأمطار على المحاصيل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويهدف البرنامج الاستثنائي الذي أعدته الحكومة إلى التخفيف من آثار غياب الأمطار والحد من تأثير ذلك في المحاصيل، وتقديم المساعدة للفلاحين ومربي الماشية المعنيين، معتمداً على ثلاثة محاور رئيسة، يتعلق الأول بحماية الرصيد الحيواني والنباتي، وتدبير ندرة المياه، ويوجه الثاني لمجال التأمين الفلاحي، فيما يهدف المحور الثالث إلى تخفيف الأعباء المالية على المزارعين والمهنيين، وتمويل عمليات تزويد السوق الوطنية بالقمح وعلف الماشية، وكذا تمويل الاستثمارات المبتكرة في مجال السقي.
من جانبه أوضح فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف الميزانية، أنه تم تخصيص 10 ملايين درهم (ما يفوق مليار دولار) للبرنامج الاستثنائي للتخفيف من تأخر تساقط الأمطار، يتوزع على 3 مليارات درهم (320 مليون دولار) كمساهمة من صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، و6 مليارات درهم (640 مليون دولار) لتمويل وهيكلة مديونية الفلاحين، بخاصة الصغار منهم الذين يلجأون كل موسم فلاحي للاقتراض لتمويل أنشطة الزراعة، في حين سيخصص مليار درهم (أكثر من مليون دولار) لتأمين محصول الموسم الفلاحي الحالي"، مضيفاً أن 3 مليارات درهم من هذا الاعتماد الإجمالي ستوجه لتمويل مختلف الأنشطة الفلاحية المتضررة، خصوصاً قطاع تربية الماشية عبر توفير الأعلاف الضرورية وبأثمان مناسبة وتوفير الأدوية للمربين.
مخطط مائي
من أجل تدعيم السياسة المائية للمغرب، أطلقت الحكومة المخطط الوطني للماء 2020/2050، وبحسب الوزارة المكلفة الماء، فإن ذلك البرنامج يشكل امتداداً للأهداف والتوجهات والإجراءات المتخذة في إطار الاستراتيجية الوطنية للماء، يضم ثلاثة محاور رئيسة، أولها تدبير الطلب على الماء وتثمينه في مجال الماء الصالح للشرب، إضافة إلى هدف تأمين التزويد، ويقترح المخطط تحسين مردودية شبكات توزيع الماء الصالح للشرب، وفي المجال الفلاحي يقترح برنامجاً لتحويل أنظمة السقي من الانجدابي إلى الموضعي، مرتكزاً على أهداف مخطط المغرب الأخضر (2020) وتمديدها إلى أفق 2030، ومن أجل تثمين الموارد المائية المعبأة، يقترح المخطط الوطني للماء برنامجاً لتدارك التأخير المسجل في التجهيز الهيدروفلاحي للمساحات المرتبطة بالسدود.
ويضم المحور الثاني "تدبير وتطوير العرض، عبر تعبئة المياه السطحية بواسطة السدود، وإنجاز السدود الصغرى من أجل دعم التنمية المحلية، إضافة إلى تحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه العادمة بعد تنقيتها، مع إمكانية تحويل المياه من الأحواض الشمالية الغربية التي تعرف وفرة إلى الأحواض الوسطى الغربية التي تعرف عجزاً، أما المحور الثالث فيهدف إلى الحفاظ على الموارد المائية وعلى الوسط الطبيعي والتأقلم مع التغيرات المناخية، عن طريق المحافظة على جودة الموارد المائية ومحاربة التلوث والمحافظة على المياه الجوفية، إضافة إلى تهيئة الأحواض المنحدرة وحمايتها من التعرية والمحافظة على المناطق الهشة عبر تفعيل برامج العمل الخاص بالمناطق الرطبة والواحات.
وفي إطار التأقلم مع التغيرات المناخية ومن أجل التحكم في الظواهر المناخية القصوى، يقترح المخطط الوطني للماء إجراءات تخص الحماية من الفيضانات والتخفيف من آثار الجفاف.