يبدو أن التيار بين الجزائر وفرنسا لن يعرف الهدوء، فبعد عودة الدفء إلى العلاقات الثنائية بعد خصام دبلوماسي، عاد التوتر ليطبع العاصمتين، لكن هذه المرة ثقافياً وفنياً، إثر عرض مسلسل تلفزيوني حول "العشرية السوداء" أثار غضب الجزائر.
وفي وقت كان الجميع فيه يراهن على طي ملف التوتر بين الجزائر وفرنسا بعد الرسائل الخفية والعلنية الإيجابية والمهدئة بين البلدين، والتي سمحت بإعادة العلاقات الثنائية إلى سكّتها، خرجت القناة الفرنسية - الألمانية "أرتي" بعمل فني من 4 حلقات، تحت عنوان "الجزائر سري"، ينبش في ملف "العشرية السوداء" التي عرفتها الجزائر خلال سنوات الأزمة الأمنية في التسعينيات، والتي خلفت 200 ألف قتيل وآلاف الجرحى والمفقودين والأرامل والأيتام، الأمر الذي أغضب الجزائر التي ترى أن العمل مقصود، وليس بريئاً.
وردت الجزائر عبر وكالتها الرسمية للأنباء، بالقول، "لا يزال الحقد ضد الجزائر وشعبها ومؤسساتها الشرعية يرمي بثقله في وسائل الإعلام العمومية الفرنسية". وأضافت، "عمل خيالي عن العشرية السوداء يعيد أسطوانة وأطروحة من يقتل من؟ ما يؤكد مرة أخرى أن وسائل الإعلام هذه لا ترى الجزائر إلا بعيون تحب زرع الفتنة والفوضى"، مشددة على أن "وسائل السمعي البصري العمومي في فرنسا التي تدعم منظمة إرهابية في الجزائر، لا تتبنى نفس التفكير لفرنسا الرسمية المنخرطة في حرب ضد الإرهاب بمنطقة الساحل، ما يوحي بوجود رغبة فرنسية، ومحاولة توفير الظروف للفوضى في الجزائر، وهي فوضى لا يريد الجزائريون عيشها مجدداً، ولا حتى الغوص فيها، لأنهم متمسكون باستقرار وطنهم، وبحماية الجيش الباسل وبالحرية التي يكفلها ويصونها الرئيس عبد المجيد تبون".
وخلال "العشرية السوداء"، أثارت وسائل إعلام فرنسية تساؤلاً مثيراً للجدل حمل شعار "من يقتل من؟"، يستهدف اتهام مؤسسة الجيش الجزائري بالمساهمة في المجازر التي طاولت مدنيين أبرياء.
الخيال المبالغ فيه
في السياق، يرى الباحث في الشؤون السياسية والأمنية، عمار سيغة، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه "بشيء من التحليل والتدقيق في سيناريو المسلسل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، نرى أنه كان بعيداً من تصوير الواقع، ويتصف بالخيال المبالغ فيه من خلال سرد أحداث تهدف إلى توجيه الاتهام المباشر للجيش الجزائري"، مضيفاً أنه ليس بالغريب على الإعلام الفرنسي مثل هذه التصرفات، فقد استغلت سابقاً حادثة مقتل رهبان "تيبحيرين" لاتهام الجيش الجزائري، لتتطور الأمور إلى السينما التي تبقى منتجاتها تسوّق وتعكس توجه الرأي الرسمي الفرنسي الذي أزعجه تحرر الجيش الجزائري من كل وصاية في السنوات الأخيرة".
وأوضح أن تجاوز الشعب الجزائري لمخططات قلب أنظمة الحكم في العالم العربي أحد أهم المسارات التي أزعجت فرنسا، بالإضافة إلى أن مصالحها التي كانت تديرها قد انقطعت وتراجع نفوذها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"الجزائر سري"
وتروي حلقات المسلسل القصير "الجزائر سري" الذي خصص له 5 ملايين يورو، قصة اختطاف تاجر أسلحة ألماني، والتحقيق الذي باشره ملحق بالسفارة الألمانية الذي يكتشف عن أن القضية أكثر تعقيداً مما تبدو، وأن الخاطفين ليسوا من جماعة إرهابية، وإنما الأمر متعلق بصفقات فساد، حيث ربط قيادات أمنية جزائرية تظهر ببدلات الجيش الجزائري، بذلك.
ويستند المسلسل على تصريحات سابقة لبعض الضباط العسكريين الجزائريين المنشقين الموجودين في الخارج، ما دفع السلطات إلى اتهام وسائل الإعلام الفرنسية بالسعي للعودة إلى إثارة الجدل حول من يقف وراء المجازر وعمليات القتل التي كانت تشهدها الجزائر خلال الأزمة الدامية في التسعينيات، حيث كانت وسائل إعلام غريبة توجه اتهامات للجيش الجزائري بالتورط في بعضها.
العمل التلفزيوني الذي قالت القناة المعنية إنه "يحبس الأنفاس، وإن أحداثه تدور في كواليس عالم الذكاء والسياسة الواقعية"، يقدم الجزائر على أنها "دولة مُعادية"، ويصورها كـ"بلد فاسد، لا حكم فيه، يؤوي طغمة عسكرية شريرة، ومعارضين غالباً ما يكونون من الإسلاميين اللطفاء".
إلى ذلك، كشفت وزارة الدفاع الجزائرية عن هوية "الإرهابيين السبعة" الذين قضت عليهم القوات العسكرية في مرتفعات جبلية، شرق البلاد، وقالت الأحد، في بيان، إنه "تبعاً لعملية البحث والتمشيط المتواصلة بغابة واد الدوار قرب بلدية بني زيد، دائرة القل، بولاية سكيكدة بالناحية العسكرية الخامسة، التي تم القضاء فيها على 7 إرهابيين، فقد أسفرت عملية تحديد هوية الإرهابيين المقضي عليهم، وأن معظمهم التحق بالإرهاب منذ أكثر من 15 عاماً"، أي من جماعة "العشرية السوداء".
وأضاف البيان أنه تم ضبط 6 أسلحة رشاشة من نوع "كلاشنيكوف"، وبندقية بمنظار، وكميات من الذخيرة وأجهزة اتصال، بالإضافة إلى ألبسة وأدوية وأغراض أخرى.
وشددت الوزارة على أن هذه العملية تأتي لتعزز ديناميكية النتائج الإيجابية التي تحققها مختلف وحدات الجيش، ولتؤكد مرة أخرى مدى اليقظة والاستعداد الدائمين، لدحر كل محاولات المساس بأمن واستقرار البلاد، وكذلك عزم القوات المسلحة على تعقب هؤلاء المجرمين والقضاء عليهم أينما وُجدوا عبر كامل التراب الوطني.